آخر خبر

فن الكسل يحارب التقالييع ويتذوق مختلف الفنون


«لطالما يدعو الفنانون إلى شيءٍ من الكسل؛ يعود جزء من ذلك إلى حاجتهم لفهم نمت التي اكتسبتها جديدة وتمثلها، الفرصة الجديدة للأفكار التي أفرزها اللاوعي لكي تنضج، بينما يعود جزء آخر إلى تكريس الفنانين تكريسًا لا واعيًا لفكرة أن يعودوا أطفالًا مرةً أخرى، أن أعضاءَ وأشقاء الأرض والنباتات والصخور والسُحب» .

هكذا قدم الكاتب الألماني «هيرمان هتسه» كتابه «فن الكسل»، وأكيدًا أنه سيان إن كنتَ ترسم لوحاتٍ أو تصوغ قصائد، أو إن كنت تكتب الأدب أو تقرض الشعر ابتغاء الاستمتاع الفني وحده، فلا بد من وجود لوجود من الظل الذي لم يغنى عنه. فنان..

عن الحب، عن فن السفر

في هتسه أن من قلب الحبسة «الإبداعية» لسبب أوقات الخمول الاضطرارية، التي طالما قوبت بالزراء أو الشفقة من ذوي الروح «البانوسية»، من محدودية الأفق.

بل حتى الفنان نفسه دائمًا ما يُباغَت والخداع بأوقات الحبسة هاته، ويسقط فريسة ضيق وتعذيب الذات، ويستمر به الحال هكذا حتى يتعلّم كيف يُذعن لصوت قوانينه الفطرية الداخلية، وحتى تواسيه فكرة أن الوفرة تشلُّ المبدعين يمضيله الإرهاق.

ويعبر هتسه عن مفاهيمه هذه في الكتاب عبر تحتوي على عناوين «عن متعة العناد، عن فن الكسل، عن الحب، عن فن، قراءات قبل النوم، عن الحب ضحايا، عن روح الاطفال، عن حكمة العمر والسخرية والحماقة، عن السعادة، عن اللغة والشعر.. عن الكتب».

الدفاع عن القوانين

يقول هتسه تُنتج هذه المحتويات «في اعتقادي لا تمثل نصوص هذا الكتاب الذي تتوسّل -عن نيّةٍ وقصد- في مقالات الأدبية والشذرات الإضاءة إلا نزرًا يسيرًا من مُجمل عملي، هذا من ناحية، من ناحية ثانية ثم رابط مشترك في العمل في موضوع واحد نصوص صغيرة المشوبة بنبرةٍ تهكمية ساخرة في وقت لاحق.. هذا الرابط أسمّيه محاربة التفاؤل المخادع الذي يخاطب الرأي العام عندنا، أسمّيه محاربة الكاليع الأمريكية والأوروبية، التي ابتكرها الإنسان العصري، بما في ذلك إلى الحد الأقصى من السفور، وسميه الإحساس المتقن المنظر المتمثل لغنية إنسان اليوم بالرضا التام عن نفسه، في حين هو غارق حتى يصغريه في الرعونة، والطرسة، والافتقار إلى التواضع، والحلّي بروح التشكّك فيما يتعلق بالتنوع حوله، علاوةً على ذلك. افتقاره إلى التحلية بروح المسؤوليات.

إن قيمة عملي لا تساوي إلا القيمة التي أجنيها من وراء إبداع الكتابة، إن ما يُحدِث مساهمًا حقيقيًا في روح الكاتب، ويبقى داخلها لا يكمُن فيما يودُّ كتابه، ولا ما اكتشفه، ولا ما يرسمه بقلمه، نريد في اللمحة السريعة، في الفكرة، في سحر بسيط العابر، تمامًا كما هو الحال في موسيقى «موتسارت»، فليس بيت القصيد هو الحكاية المروية أو العبرة الحيوانية، حتى اللمحة الطيّارة ولحن العذب، الحيوية والرشاقة التي تتطوّر الثيمات الموسيقية، وتنتقل من حال إلى حال. والحقيقة بسيطة أُفضِّلُ رجلٌ يؤثر على تكريس العديد من البدايات والمُثل في الدنيا سذاجةً وبراءةً عن يدّعى يمتلك القدرة على جميع الاقتراحات والمثل الحديثة، لكنه يعجز عن تقديم أقل قدرٍ من التضحية لأجل الدفاع عن أي من الأفكار التي يتشدّق بها.

بارد الآبارلما استُلِبَ النشاطي الحرّ وحُشِرَ داخل ماكينة الفكر الكلاسيكي من الروح، تجسد الإبداع الحديث والنظام التعليمي فرحة حرتنا وشخصيتنا الفردية، وانتزاعنا من حالة الطفولة لأجل أن تنطلق بنا في أتون إيقاع العصر اللاهث المحموم، مثل الحالة المثلى للعصر الحديثي؛ نهار فن الكسل وتواري جنبًا إلى جنب مع غيره من الفنون القديمة الأخرى التي هجرها البشر، ولم نكن نكن بحار هذا الفن وأساتذته من قرونٍ طويلة، طالما كان فن الكسل في الحضارة الغربية في الزمن كله فنًا لا اعترفه إلا الهُواة المسالمون.

أغرب ما في الأمر أن في عصرنا الراهن، وفي خسارة الذي تتجه فيه أبصار كثير من الغرب أمامين من مشاعر الفضول والشوق إلى عالم الشرق للتماس شيءٍ من مشاعر البهجة التي تفاه بها في «شيراز» و«بغداد»، وتتماس شيء من الحضارة الهندية وتقاليدها العريقة ، واتلهام شيء من الجدِّية والعمق الذي يُخرِج إلى عالم البوذا؛ قلما نرى إنسانًا حاول القبض على شيء من هذا السحر والشعار شيء من تبريد الآبار الأندلسية التي نحس بها تتدفّق نحونا ونحن نحبه ويسمعنا سمعنا عدال الحميم، لغته الجذابة بكل ما تحمله من رقّة، يتحتم عليك أن تكون موهوبًا بالفطرة في تذوّق تسير الفنون الأخرى، لأنك من دون تدريب ولا اتباع تقاليد محترمة في طريقة النبيذ، فلن يصل بكَ إلى شيء.

قراءة الطائشة غير المنظمة

السؤال الآن: كيف يلتمس الفنان التقدمه بنفسه مطمئنة وهمّة، بينما يمضي بين طريقين محفوظين بالخطر.. وقت التفكير في أوان نضوجه الخالي من الحماسة، ووقت التفكير والفراغ الباعث على الإحباط؟.

وتتحدث عن التواصل الاجتماعي، وممارسة الرياضة، والسفر، وغيرها هي ألوان من التسلية لا تُجدي ًا نفعًا في مثل هذه الأوقات، بوضوح تسلية لائقة بالأثرياء، ولا تقى إلى الأبد لطموح الفنان، كما أن الفنون تختصر بعضًا منها في مثل هذه الأوقات التعريبة، فالشاعر الذي يعاني منه يحتفل باحتفال لا يجد راحته ولا اتزانه النفسي عند صديقه الرّسّام، وكذلك لا يجد الرّسّام عزاءه وسلوانه عند المؤلفين وكذلك.

إن الفنان لا يقدر على الاستماع بالفن استمتاعًا عميقًا وكاملًا إلا في أوقات الإبداعه الرائعة، أما في أوقات معاناته، فتبدو شتّي ألوان الفنون في أحمر إما مبتذلة نومة الملامح، وما ضاغطةً خانقة لروحِه، فبالنسبة إلى فنانين مبتلى بالإحباط والعجز يمكن لساعة من موسيقى «بيتهوفن» أن نقي أحواله رأسًا على عقب، العلماء عمومًا أن تشفيه من سقمه، وهذا تحديدًا هي النقطة التي لا نفتقدها بشدّة فن من يُسلم نفسه أعمى إلى كاتبٍ أو مؤلفٍ أو حكمة، مُذعنًا إلى رأي بلا تدبّر، مُحاكيًا مصير بطل القصص الخيالية، بدلًا من طلب الدعم والعون، وهو يتيلمّس طريقه الخاص في الحياة، فلن يجدي معه نفعًا قراءة كتاب أو كاتب حتى يصير نفسه .

قراءة الطائشة غير المنظمة شبه خروج للنزهة في ربوع بعيني معصوبتين، لا ينبغي لنا أن نقرأ من أجل حياتنا اليومية، بل العكس؛ علينا أن نقرأ خمرًا من أجل أن نملك زمامتنا بشكل مكثف أكثر وعيًا ونضجًا، علينا ألا نُقبِل على قراءة الكتب مثل تلامذة تجسيدين مُقبلين على مُدرّسين مُمِلّين، أو مثل شخصٍ لا يعاقر الخمور يمسك بزجاجة ويجرع منها، بل علينا الإقبال عليها بشجاعةٍ مثل متسلق جبال الألب أو مثل مقاتلين مُقبلين على ترسانة الأسلحة، لا كهاربين أو كارهين لعيش الحياة.

هيرمان هتسه (هيرمان هيسه)

(1877 – 1962)

ولد في كالف بألمانيا.

كاتب سويسري من ألماني أصلي.

بدأ عمله ساعاتي ثم بائع كتب في المكتبة.

تأليف الكتاب منهجًا في حياته وعمله.

حازت على جائزة نوبل في الأدب العام 1946.

كان متمرداً بطبيعته، ويتجه إلى الخيال.

ارتفع العدد الصاعد إلى الحكم باهتمام وقلق.

يسعى لقمع نظام هتلر للأدب والفنون الذي يعارض الفكر النازي.

نهاية الثلاثينيات حظرت أعماله الألمانية، وتوقفت الصحف عن نشر مقالاته.

الجوائز

1906 جائزة (باورنفيلد).

1928 جائزة (Mejstrik) لمؤسسة شيلر في فيينا.

1936 جائزة جوتفريد كيلر.

1946 جائزة جوته.

1946 جائزة نوبل للآداب.

1947 دكتوراه فخرية من جامعة برن.

من أهم أعماله

1899 «قصائد رومانسية» ديوان شعر.

1906 «تحت الدولاب» رواية.

1919 رواية «دميان».

رواية «سدارتا» 1922.

1943 «لعبة الكريات الزجاجية» آخر رواياته.



مصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى