كتاب جديد يقتفي أثر النزعة الإنسانية في شخصانية الفيلسوف الراحل الحبابي
تزايد، في العقد الأخير، الاهتمام بالفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي، الذي صدر حوله مؤخرا كتاب جديد عنوانه “النزعة الإنسانية في شخصانية محمد عزيز الحبابي”، ألفه الباحث إبراهيم مجيديلة، وأصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، دارسا “فكر الحبابي عموما، وفلسفته الشخصانية خصوصا”، ليخلص إلى أن الشخصانية الواقعية، فالشخصانية الإسلامية، ثم الغدية، محطات مؤقتة في فكر الحبابي، الذي “يجعل من النزعة الإنسانية الأعم أفقا له”.
الراحل الحبابي، الذي يتحدث عنه الكتاب بوصفه “أحد رموز النبوغ الفلسفي الإنساني في الفضاءين الإسلامي والعربي، ومجددا استأنف القولَ الفلسفي ومسيرةَ من سبقوه فيه في المغرب”، يروم المؤلف الجديد الاعتراف به “بوصفه صاحبَ مشروعٍ فكري، وتآليف جعلت الفلسفة تقليدا مؤسسيا وأكاديميا قائما بذاته في الجامعة المغربية، وفي اليقظة الفلسفية المغربية خاصة، والعربية المعاصرة عامة”.
وأضاف المؤلف الجديد: “لقد أَشبهت العودةُ إلى مشروع الحبابي في هذا السفر حوارا متعدد الأبعاد والمقاصد حول ما فكر وأعمل نظره وشغل عقله ووجدانه به، وكان المقصد الأهم في هذا إعادة قراءة نصوصه الفلسفية منظورا إليها من زاوية إشكاليةِ الأنسنة أو النزعة الإنسانية؛ وهو مقصد يصدر عن دعوى تفيد بأن شخصانية الحبابي الواقعية والإسلامية والغدية تستدمج داخلها عناصر تجعلها نزعة إنسانية أو قادرة على إعادة بناء هذه النزعة وفق رؤية مغايرة، وأنها بمنزلة الإطار النظري الذي تُحَل في إطاره إشكاليات كبرى”.
وأورد كتاب “النزعة الإنسانية في شخصانية الحبابي” أن “البعد الديني لفلسفة الحبابي لا يُنكَر”؛ فهو “ما فتئ يعود إلى الأفكار الدينية ليفلسفها ويجعل منها منظارا للحكم”. كما ذكر أن شخصانية الحبابي تبدو “فلسفة في قيم البشر وأنسنتها في كثير من القضايا، خصوصا المرتبطة بسيادة التقنية واقتصاد السوق التي أدخلت الإنسانية في بؤرة أزمات مست القيم الروحية والأخلاقية، فمارس نقدا قِيَميا اعتبره بعضهم نقدا للحداثة، وبشر بقيم النزعة الإنسانية لمواجهة تلك الأزمات”.
وتابع الكتاب الجديد: “يضعنا الحبابي في كتاباته أمام عمليتين مركزيتين، هما: التشخصن والتأنسن”، وتتعلق النزعة الإنسانية عنده؛ بـ”أنسنة العالم، والعلاقات الإنسانية، وفضاءات الفعل الإنساني، في عالم يسوده الخوف بسبب الحروب والنزاعات والعنف والإرهاب”، التي هي “عوامل مضادة للأنسنة تعمل باعتبارها كوابح لأنسنة الكائن البشري، مثل الدعوات التي تعلن موت الإنسان بعدما أعلنت موت الإله، ما يعطي انطباعا أن النزعة الإنسانية مجرد تزييف لحقيقة الواقع، أو سردية أعلنت الحداثة نهايتها”.
ومن أجل فهم المفاهيم التي شيد عليها الحبابي نزعته الإنسانية، ربط الكتاب الجديد “المفاهيم بأصولها اللغوية والفلسفية والتاريخية”، ثم يضع “مسارا يحدد دلالتها ووظيفتها وعلاقاتها البينية ضمن نسق الحبابي الفلسفي الشخصاني”، فهو “يؤول المفاهيم ضمن سياق فلسفي يحلل الإشكالية العامة للبحث، ويتيح التدخل الفاعل في النصوص وإعادة بنائها وفق مؤهلاتها للأنسنة”، وهو “لا يبغي إعادة كتابة تاريخ الشخصانية، بل قراءة شخصانية الحبابي تأويليا، واستجلاء الإنسية الجديدة في فلسفتها، من دون إغفال الوقوف عند تقاطعاتها مع باقي الفلسفات المعاصرة، بغية تحقيق أحسن فهم لها”.
وفضلا عن مرتكزات نزعة الحبابي الإنساني، وركائزها الإيمانية والعقلانية والتحررية، وماهية ونشأة “الفلسفة الشخصانية”، من بين ما يقابله الكتاب الجديد نزعتان، إنسانيةٌ علمانية، وإنسانية إيمانية، ودُرست الأولى انطلاقا من لوك فيري والثانية انطلاقا من محمد عزيز الحبابي، مع تشخيص لـ”مضادات الأنسنة”، وفحصها في فضاءات حيوية تمس الإنسان في وجوده، وتتحقق فيها عملية الأنسنة أو تفشل؛ مثل الاقتصاد والسياسة والثقافة؛ لأن “أنسنة الكائن البشري لا يمكن أن تكون من دون أنسنة الاقتصاد والسياسة”، مع “وجوب أنسنة الثقافة والحضارة بحمايتهما من جميع المضادات؛ لأن الإنسان كائن ثقافي حضاري منتِج للثقافة والحضارة، ونتاج لهما في الوقت نفسه”.
وحلل وانتقد هذا الشق من الكتاب أيضا العنصرية والاستعمار والاستغلال، بانفتاح على الفن والحب؛ الفاعليتين المؤنسِنَتَين اللتين يمكن بموجِبهما إنقاذ الثقافة والحضارة من جميع العناصر التي تحول دون أنسنة الكائن البشري وواقعه.