أخبار العالم

مزارعو “الكيف” بكتامة يستعدون للتقنين بعد العفو.. ونزاعات الأرض تتواصل


“ماذا بعد العفو الملكي؟” هذا هو السؤال الذي انطلقت منه هسبريس وباشرت البحث له عن إجابة، هنا، في كتامة.. أرض “الكيف”؛ غير أنه اتضح أن الجواب لا يوجد في هذه الشوارع المعبدة والواطئة؛ بل يستحق بعض “العناء” الذي يشبه عناء أولئك المزارعين المعنيين به، الذين جربوا النبتة العجيبة أول الأمر. هناك بين مرتفعات الريف في دوار بني عيسي، حيث بدأت حكاية البلد في زراعة القنب الهندي.

الأمطار عطّلت أدوار المناجل، التي تحصد طيلة الأيام الأخيرة في كتامة. الحقول تخلو من الناس. الصبيحة غائمة حقا والمركبة تسير بين جبال مغطاة بالأرز حينا، وبالعشبة “المثيرة للجدل” حينا آخر. لا رائحة رائجة سوى ما تبعثهُ التساقطات من أرض مبللة ومن مزروعات الكيف “الجذابة”. لا حقل يوحي بالانتماء إلى مشروع التقنين. كأن كتامة ما زالت ترفضه، أو كأنه ما زال يرفضها. لا فرق.. الغياب واحد والأسئلة كثيرة.

منذ الصباح، جرى إشعارنا بأن البحث عن من يقوم بالحصاد مهمة صعبة بحكم الأمطار؛ لكن من يواصل الحصد هو يجني ثمار النبتة الهجينة.

وأما المحلية المعروفة بـ”البلْدية” فقد انتهى تقريبا موسم حصادها منذ أيام إلا من طرف قلة جد قليلة. فإلى أيّ حد سيبقى الاستعمال المشروع للقنب الهندي بعيدا عن أشهر ورشة لصناعته في العالم؟ لا جواب في هذه الأعين الحائرة التي تلقي التحية للعربات الغريبة في طرق غير معبدة تقود الوالج إليها، رأسا، نحو دواري بني عيسي وبني أحمد، حيث توقف المسير.

هكذا تحدثوا

اجتمع حول المائدة التي يجلس فيها طاقم هسبريس بمقهى بسيط في دوار بني عيسي، المتاخم لقمة تدغين، نفرٌ من المزارعين العائدين من مراسيم جنازة ما. وكأن العيون مليئة بمطالب ثقيلة ثقل هذه المرتفعات المحيطة: شوارع ومدارس وبنيات تحتية؛ لكن الجريدة ركزت في نقاشاتها على النقطة الأصل: أيّ أفق للتقنين، بعد العفو الملكي، بهذه الأرض التي لا تستوعب سوى “النبتة العجيبة”؟. فرددوا بكلمات متفرقة وكأن كل واحد يطلب نقطة نظام جملة واحدة: التحديد ثم التقنين.

توجه الطاقم إلى أكثر هؤلاء الرجال حماسة بخصوص أن “المطلب ليس جديدا”، فرد قائلا وهو جاحظ العينين بأن “الساكنة لا مفر لها من أراضيها. ولا تقبل أن تمنحها السلطات ترخيصا لأجل استغلال ملك تاريخي لأجل دخول غمار الاستعمالات المشروعة”.

وأضاف: “نحن مع تحديد الأراضي التابعة للساكنة منذ عقود مديدة؛ وتمليكها لكل فرد حسب التوافق العرفي بين الساكنة أو حسب الإرث؛ فمنا من ورث أرضه عن جده الخامس”.

الرجل المسمى عبد الكريم قال إن “المعفى عنهم وكل الساكنة لا يمانعون في التقنين؛ ولكن شريطة أن تبذل جهود أخرى لتستوعب هشاشة المزارع الصغير؛ فهناك تفاوت في مساحة الزراعة بين فلاح وآخر، وثمة من يحصد عشرات الأطنان ومن يحصدُ غلة جد متواضعة”، مرددا “المشكلة” التي لا تزال، وفق الساكنة، تعترض مشروع التقنين بكتامة تحديدا وهو “معضلة الموارد المائية المتواضعة التي تجعل الفلاحين يعتمدون على مياه الأمطار، والتي تضيع في السفوح في ظل غياب سد تلي”.

هسبريس كاشفت المزارعين بأن هناك من يقول إن “الكتاميين” يرفضون التقنين، بالنظر إلى المداخيل السخية التي يجنيها الفلاحون من توجيهها للاستهلاك غير القانوني وترويج المخدرات؛ فلم يقبل بعضهم هذا “الربط الرائج”. ولكن أحدهم اعترف، لاحقا، بأن “هذا فعلا جزء من هذه السردية. ولا يمكن القفز عليه”، مرجعا ذلك إلى كون “الزراعة الوحيدة هنا هي الكيف. ومصير الساكنة كلها وبلا استثناء يتوقف عند هذه العشبة. والانتقال إلى الاشتغال القانوني يجب أن يراعي مصالحنا، وليس أن يكرس عزلتنا”.

طلبنا توضيحات، فزاد الرجل الذي بدأ يتحدث بصوت خافت أن “المزارع الذي يجد ثمنا معينا مع “البزناس”، من الصعوبة إقناعه بعوائد هزيلة مع التقنين الذي سيوجه زراعته نحو تصنيع المنتوجات الطبية والتجميلية. التأهيل يجب أن يكون قيمة مضافة للمزارع الصغير، وليس أن يساهم في خساراته الواحدة تلو الأخرى”؛ وهو ما علقت عليه الجريدة باعتباره “حقا يراد به باطل”، كما يقول البعض، فأورد أن “الدولة يجب أن تتحمل المسؤولية، فبإمكانها إنجاح التقنين؛ لكن ليس بعد إنهاك المزارع الصغير”.

“وأين التأهيل؟”

بعد نقاشات امتدت لنحو ساعتين بالمقهى ذاتها، توجهنا نحو ضيعة أحد قيدومي زراعة “الكيف الممتاز”، بتعبيره، بدوار بني أحمد المحاذي لبني عيسي، فأكد بدوره أن “تأهيل الأرض سيحل مشاكل كثيرة ما زال يصطدم بها التقنين بالمنطقة، خصوصا أن هذه الدواوير (بني عيسي وبني أحمد) هي منطلق زراعة القنب الهندي بالبلاد؛ ولكنها صارت هي الأكثر تهميشا”، مسجلا ضرورة تخصيص دعم لهؤلاء المزارعين لتشد السلطات العمومية بأيديهم من أجل إنجاح المشروع.

ولفت المتحدث إلى قضية جوهرية، وهي أن الأراضي متفرقة؛ فكل مزارع مثلا لديه مساحة داخل أرض فلان وهكذا دواليك، وهو ما يرجعنا إلى ما قاله المزارعون في الدوار العلوي والذي نادى رجاله بـ”التحديد والتوحيد ثم التمليك”، لأن “كل أرض تخضع لضوابط سقوية صارمة بالنظر إلى وضعية الجفاف. ولا أحد منهم يقبل مقترح توحيد عدد المساحات المتفرقة في بقعة زراعية أخرى، فهناك ضرورة للحفاظ على كل شبر محسوب لصاحبه بقوة العرف والتاريخ وتمكينه من حق تحفيظه”، بتعبير جمال الذي تركناه في دوار بن عيسي.

نعود بالنقاش إلى القيدوم محمد، الذي قضى 40 سنة في الزراعة نفسها والذي أكد أن “الأرض لا تحتمل سوى هذه النبتة، بطبيعة تضاريسها وطقسها. وهناك من جرّب مزروعات أخرى فلم ينجح معه الأمر. حتى الزريعة الرومية (النبتة الهجينة) التي أصبحت رائجة تقتل غيرها من المزروعات المتاخمة. تقتل كل شيء لتعيش هي عكس الزريعة البْلدية”، مشددا على “استعداد جميع مزارعي المنطقة للمرور إلى خطوة التقنين، ولكن على الدولة أن تمنح تسهيلات وتساعد هذه المنطقة تحديدا”.

الرجل المسن، الذي يصرح بأنه دافع منذ عقود عن هذه الفلاحة، أطلع الجريدة على بئرين فارغتين؛ وهو ما جعله يكشف أن “بقية الغلة مصيرها البوار، فهي لم تعد صالحة”، خالصا إلى أن “الماء قضية كبرى مطروحة للنقاش على مستوى المنطقة. كتامة ودواويرها أقل حظا وتحتاج متانة وصلابة ومناعة لكي لا تنهزم أمام مشروع مقنن. نقص الموارد المائية لا يمكن الاختباء وراءه، لكونه حقيقة مُرّة تعاش بشكل يومي ويواجهها فلاح بسيط يعتمد البغال في حرثه عكس مناطق أخرى لها من الحظ ما يجعلها تتوسل جرارات”.

يا حصاد ويا غلاء

تمكنت هسبريس، بعد إنهاء اللقاءات ميدانيا مع المزارعين، من زيارة ورش لإنتاج الحشيش بكتامة. وبيّن الشخص الذي استقبل الجريدة في “فضائه المخفي” أن “موسم الحرث يبدأ مع بداية السنة في شهري فبراير ومارس وقد يبدأ متأخرا، حسب كل منطقة ومدى قربها من أعلى الجبل والمناخ المتحكم فيها”، مضيفا أنه قبل سنوات كانت تمتد الزراعة حتى الخريف، ويبدأ الحصاد؛ لكن تلك ‘الزريعة’ لم تعد متوفرة، ولذلك ‘البلدية’ الرائجة انتهى حصادها منذ أيام، وقلة قليلة لم تجمع الغلة”.

واطلعت الجريدة على مراحل استخراج “المَلَكية”، كما تسمى، أي الطراز الممتاز من الحشيش. يتم إحضار قطع من الثوب الجيد؛ وتكون مضاعفة سبع مرات ومتطابقة، قطعة فوق أخرى لضمان غربلة وتصفية جد دقيقتين وحاسمتين، وما انفلت من السابعة لا ينفلت من السادسة حتى يسقط في الإناء الحديدي الأبيض أجود ما في المحصول.

وقد لاحظت هسبريس أن تغليف الإناء بهذا الثوب يتم بشكل جد محكم حتى لا يتسرب أي شيء من الجنبات.

وسجل مرافقنا أنه “قبل القيام بعملية الاستخراج هذه، فيتعين أن يظل الكيف الذي قطعته المناجل من الأرض إلى غاية فصل الشتاء في غرفة حرارتها منخفضة ليكون رطبا وغير قابل للتفتت بسرعة”، وهي الغرفة التي ولجنا إليها لاحقا ووجدنا محصول غشت ينتظر مطلع السنة المقبلة.

وعن الأثمنة الموجودة في كتامة بخصوص مخدر الحشيش، الذي يأتي الكثيرون من مختلف الأصقاع لاقتنائه؛ فقد علمت الجريدة أن “الغرام الواحد وصل 13 درهما في منبعه ومرشح إلى أن يصل إلى 15 درهما قريبا؛ ما يعني أن الكيلوغرام الواحد يساوي 13 ألف درهم حاليا”، مرجعا بدوره ذلك إلى “مشاكل نقص الماء التي أثرت على الحجم الإجمالي لما تم جنيه، خصوصا أن المادة الجيدة التي تسمى الملكية غير مضمونة دائما، فقد تقوم بغربلة طن وتستخرج منه كيلوغرامات قليلة”.

“لماذا غاب تواصلك؟”

مصادر جماعية التقتها هسبريس في المنطقة شددت، في إفادات متطابقة، على أن “الدولة قدمت تسهيلات كثيرة في هذا الجانب؛ لكن الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، المحدثة بموجب أحكام القانون رقم 13-21، لم تقم بحملات تواصلية مكثفة على مستوى هذه المناطق بالتحديد ولم تنزل في جولات متعاقبة إلى ميدان المزارعين وتتحاور معهم”.

وأوضحت المصادر سالفة الذكر أن “المناطق تحتاج إلى عناية خاصة وتمييزا إيجابيا لفائدة المزارع الصغير، حتى ينخرط في ورش وطني مهم”.

وأوردت أن “الوكالة تحتاج أن تقرب خدماتها، وتعفي المواطن من التنقل نحو الحسيمة؛ فالدولة عليها أن تشجع إشراك هذه الفئة تحديدا، وأن توفد أطرها إلى هذه المناطق من أجل اعتماد سياسة للقرب تقنع هذا الفلاح ليكون فاعلا في مشروع وطني من يطلع عليه سيعرف أنه طموح”.

وأردفت المصادر الجماعية أن “المخطط في حاجة إلى جهود أخرى متصلة بتسهيل الإجراءات أمام ساكنة تحمل فوق أكتافها شعورا مقيتا بالتهميش”.

واقترحت مصادر هسبريس إكساب عملية الاستغلال جانبا من الثقة، لكون المزارع يستغل أرضا منذ سنوات عديدة، فيمكن أن يطمئن إلى أن الاستغلال برخصة صادرة من السلطة تعفيه من أي شعور بإمكانية فقدانها فجأة؛ فهناك من يرث أرضا غير محفظة تعود إلى جد جده”، موصية بأن تعود السلطات العمومية إلى العمل بمنطق 12 شاهدا لإثبات ملكية العقار غير المحفظ، بمراعاة البعد التاريخي والاجتماعي والاقتصادي للساكنة، وبتوافق مع سلطات المياه والغابات التي تعتبر هذه الأراضي في ملكيتها”.

وقالت إن “الساكنة بدأت تشعر بأن الأمر يتعلق بسياسة ممنهجة للتهجير والقضاء على الزراعة التقليدية للكيف، وهذا سببه إهمال أهمية التواصل مباشرة مع الفلاحين من طرف المعنيين بالمشروع”، مبرزة أن “الوكالة الوطنية جاءت، السنة الماضية، وعقدت لقاءات تواصلية؛ ولكنها، هذه السنة، تكاسلت، ولعله بعد قرار العفو الملكي هي فرصة حتى تضع تدابيرَ استثنائية جديدة من قبل توزيع الأسمدة بشكل تدريجي”.

وطالبت المصادر سالفة الذكر بضرورة إجراء دراسة شاملة ميدانية بكتامة تحديدا والدواوير التابعة لها، وتقييم الآثار. وعلى ضوء ذلك، تضع السلطات العمومية خطة استراتيجية لإنجاح الاستعمال المشروع للقنب الهندي والقضاء على ‘التبزنيس’ وما يربط به، خالصة إلى أن “الدراسة تسعف في التحرك من منطلقات معروفة وواضحة وليس من تصريحات مشتتة وأقوال عفوية من بعض المزارعين لديهم دراية كافية وعالية بالزراعة؛ ولكن ليس بمشروع التقنين”.

“أنا هنا.. مع المزارعين”

محمد بوسلال، المدير الإقليمي لفرع الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي بالحسيمة، قال إن الوكالة بذلت، منذ إحداثها، جهودا كبيرة في العملية التواصلية وعقدت لقاءات مع أطراف كثيرة للتعريف بهذا المشروع الواعد الذي أكسب المغرب مكانة مهمة على الصعيد الدولي، منبها إلى أن الوكالة لا تدخل في نقاشات الأرض وملكيتها؛ لأن التجربة بينت أن هناك أجنبيا يستغل الأرض، فهل لديه أي حق تاريخي فيها؟ أملاك الدولة واضحة ولها سلطات مختصة في حفظها.

وتحدث بوسلال، في تصريحه لهسبريس، عن انفتاح الوكالة واستعدادها للاشتغال مع جميع المزارعين كيفما كان نوعهم والراغبين في إنجاح الورش السيادي المتصل بزراعة القنب الهندي، مشددا على التعاطي الإيجابي مع الساكنة وكذلك في عملية منح وتجديد وسحب الرخص طبقا لأحكام القانون رقم 13-21 المتعلق بالاستعمال المشروع للقنب الهندي؛ فصلاحية الوكالة واضحة والقانون لا لبس فيه لكونه تكلم عن أهمية وجود علاقة واضحة بين الملك المُستغل وصاحب الطلب.

وقال إن القانون اعتمد نوعا من المرونة، وحدد ذلك في شهادة الملكية إذا كان صاحب الطلب هو مالك القطعة أو يتوفر على وثيقة كراء من مالك آخر أو شهادة استغلال تقدمها السلطات المحلية، مضيفا أن “أغلب هذه الطلبات والملفات المتوصل بها تتضمن وثيقة بشأن الاستغلال؛ ولكن طبعا شريطة ألا يكون ذلك الملك مدرجا في أملاك الدولة، فلا يمكن باسم التقنين المساس بحقوق الدولة”، وزاد: “لا نطلب الملكية، وهناك وكالة وطنية للمياه والغابات لا يمكن الدخول في نطاق اختصاصها”.

وتعهد المدير الإقليمي لفرع الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي بالحسيمة بتكثيف الحلقات التواصلية مع الساكنة على مستوى هذه الدواوير التابعة لكتامة ابتداء من الأيام المقبلة، خاتما بالقول إن “الدولة قامت وما زالت تقوم بمجهودها في هذا المشروع؛ ولكن المزارعين لديهم أيضا وجهة نظرهم للموضوع، لأن من لديه رغبة فسيأتي ويتشجع عوض وضع أسباب معينة حتى لا يكون فاعلا معنا، ونحن لا نطمح إلى أن نترك أي فضاء من الإقليم وحيدا أو معزولا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى