تجار الذهب بالمغرب يشكون “الركود” رغم ذروة الصيف وتقلبات الأسعار
مُلامسةً بلوغ “ذروة قياسية” فاقت فعليا سعر 2500 دولار للأوقية (الأونصة) خلال الأسبوع الجاري، كانت أسعار الذهب قد حافظت على هذا المستوى في سياق اقتصادي “متقلب”، خصوصا بالولايات المتحدة الأمريكية، مع ترقب بيانات جديدة حول الوظائف وسط ترقب خطاب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)، الذي قد يقدم مزيدا من المؤشرات حول توقعات أسعار الفائدة.
ورغم تقلباته التي هبطت، اليوم الخميس، بسعر الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.5 في المائة إلى 2500.65 دولارا للأوقية (الأونصة) ليُتداول دون أعلى مستوى له على الإطلاق الذي سجله أول أمس الثلاثاء 20 غشت، عندما بلغ 2531.60 دولارا.
تفسيرات وترقب
كما استقرأت هسبريس ضمن معطيات نشرتها وكالات أنباء اقتصادية متخصصة، فإن الأسعار، سواء للعقود الآجلة أو خلال المعاملات الفورية للذهب، قد “انخفضت بشكل طفيف إلى نطاق يناهز 2537 دولارا”؛ غير أنها “مستمرة” في مسارها التصاعدي لهذه السنة بعد تحطيم “ذروة 2500″، وهو مستوى قياسي جديد غير مسبوق حسب خبراء ومحللي الأسواق.
وإلى حدود مساء الأربعاء، كان المعدن الأصفر قد انخفض في المعاملات الفورية 0.01 في المائة إلى 2516.01 دولار للأوقية، بعد بلوغه أعلى مستوى الثلاثاء الأخير.
لا يمكن تفسير تقلبات سوق الذهب، الذي ينظَر عادة إليه كـ”أداة تحوط مالي آمنة” في ظل ارتفاع المخاطر الناتجة عن الأزمات العالمية المتصاعدة، سواء جيوسياسيا–عسكريا أو ماليا، بمعزل عن “العملة الأقوى” في العالم، الدولار الذي كان قد ارتفع مؤشره بنسبة 0.2 في المائة عقب نشر محضر الاجتماع الذي عقده المركزي الأمريكي متم يوليوز وأظهر أن المسؤولين يميلون بقوة إلى خفض أسعار الفائدة في شتنبر.
أعيُن وأفئدة المستثمرين تتطلع إلى “ندوة جاكسون هول الاقتصادية” التي تبدأ اليوم الخميس، ومن المقرر أن يتحدث فيها جيروم باول، رئيس البنك المركزي الأمريكي، الجمعة.
عوامل تفضي للركود
المختار الكرومي، مهني متمرس في سوق الذهب رئيس جمعية الصياغين التقليديين بجهة الدار البيضاء-سطات، أورد أن “الذهب، الذي عُرف تاريخيا ولا يزال مُتزعم وسائل التحوط المالي ورائد الأموال، دوره يبقى مؤثرا في الشق النقدي منه أكثر من الجانب الاجتماعي من حيث الإقبال عليه في الأسواق المغربية، رغم موسم الصيف المعروف بذروة الرواج التجاري”.
وفي حديث مع هسبريس، اعتبر كرومي أن “دور مهنيي الصياغة في الذهب بالمغرب يبقى ثانويا فقط”، راصدا بالمقابل “حفاظ فئة اجتماعية قليلة نسبيا في أوساط المهنيين على قدرة شرائية قوية تجعلها صامدة أمام الأزمات وتقلبات الاقتصادين العالمي والوطني؛ وهو ما خفض الإقبال أيضا في ظل ارتفاع المخاطر الاستثمارية في هذا المعدن النفيس الخاضع للتقلبات”.
“لا يوجد أثر لأية حركية ملحوظة خلال أشهر هذا الصيف كما كان الرواج معهودا سابقا في قيساريات وأسواق بيع الذهب والحلي والمجوهرات، منذ سنوات”، أكد المهني التاجر ذاته لافتا إلى أن “توفير الضروريات وحاجيات المعيشة أصبحَ همّ المغاربة أولا، رجالا ونساء؛ خاصا بالذكر الفئة الأخيرة التي قال إنها تُحجِمُ عن شراء الذهب بشكل واضح رغم ارتباطه بالزينة وحفلات الزفاف”.
وأفاد المهني بأن “سعر غرام واحد من الذهب المُصاغ يتراوح حاليا بين 700 و900 درهم في مختلف الأسواق المغربية”، مع تسجيل تأثر واضح بـ”ضُعف وهشاشة القدرة الشرائية للمواطنين، فضلا عن عامل تراجع الادخار لدى الأسر والأفراد على السواء”.
وتابع كرومي باسطا بضعة أسباب يقدر أنها حاسمة في هذا الركود، وقال إن “معظم الأسر المغربية أصبحت تفضل صرف ما قد تدخره من أموال في نفقات الترفيه أو السياحة الخارجية”، إضافة إلى “تسديد التزاماتها المالية لتملك عقار/ سكن أو سيارة مثلا؛ مشددا على “تراجع كبير في اهتمام النساء بسوق الذهب أو تملكِه”.
“سوق ضعيفة”
من جانبه، قال حسن أوداود، تاجر ذهب بالعاصمة الاقتصادية للمملكة متخصص في تسويق وصياغة المجوهرات، إن “تجارة الذهب ما زالت تعيش على إيقاع ظرفية ركودها المسجل خلال الأشهر القليلة الماضية في سنة 2024”.
وفي هذا الصدد، لاحظ أوداود، الذي يشغل عضوية جمعية حرفيي صناعة الحلي والمجوهرات، أن شهر غشت، الذي كان يشكل عادة “ذروة الإقبال على الشراء”، يمر بشكل عادي رتيب لدى معظم المهنيين والتجار.
وأكد المهني ذاته أنه “رغم أن أشهر الصيف كانت معروفة بالإقبال على مجوهرات وحلي ذهبية خلال مواسم عقد القران أو حفلات الزفاف، فإن هذه السنة نسجل هذه المفارقة رغم توقعات بارتفاعه أكثر عالميا؛ ما قد يمنح هوامش ربح مهمة للمهنيين”.
وفصّل المتحدث لهسبريس هذه المفارقة بالقول: “حينما ترتفع وتصعد أسعار الذهب بشكل قياسي عالميا فإن الرواج التجاري على مستوى أسواقه المحلية بالمغرب يشهد ركودا في دينامية البيع والشراء، على الرغم من أن تقلباته الدولية معطى إيجابي عموما في صالح المهنيين وتجارة خاصة بالنسبة للمختصين في المادة الخام”.
وختم أوداود بأن “السوق المغربية للمجوهرات عموما والذهب خصوصا تبقى سوق ضعيفة جدا”، موردا أن هشاشتها “تعرتْ أكثر مع موجات الغلاء، التي مست تواليا المواد والخدمات الاستهلاكية بشكل كرّس أكثر صورة المعدن الأصفر ضمن تراتبية الكماليات”.