فاغنر: “في ذكرى مقتل بريغوجين” ..أين مقاتلو المجموعة الروسية الآن؟
- Author, ايليا بارابانوف وأناستازيا لوتاريفا
- Role, بي بي سي – الخدمة الروسية
مضى عامٌ على مقتل زعيم مجموعة فاغنر المرتزقة الروسية، يفغيني بريغوجين، وما يزال الغموض يكتنف ماذا حدث لإمبراطوريته التي كانت تضم مقاتلين ينتشرون في شتى أرجاء أوكرانيا وسوريا ومناطق في قارة أفريقيا.
تحدثت بي بي سي الروسية إلى مقاتلين سابقين وآخرين مقربين من مجموعة فاغنر بشأن ما حدث بعد تمردها القصير ضد موسكو ومقتل بريغوجين المفاجئ في حادث تحطم طائرة.
في سبتمبر/أيلول 2023، وقف شاب قوي البنية عند مكتب تسجيل الوصول في مطار إسطنبول الدولي، مرتدياً كوفية وغطاء رأس، راغباً في الوصول إلى ليبيا، ومنها إلى دولة أفريقية أخرى بحثاً عن عمل جديد.
كان الشاب مقاتلاً في صفوف مجموعة مرتزقة فاغنر الروسية، التي يحيطها الغموض، والمنتشرة على نطاق واسع في عدة مناطق، والتي أسسها وتزعمها يفغيني بريغوجين.
سيطرت مجموعة فاغنر على شركات ومشاريع بمليارات الدولارات، وعملت في سوريا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وليبيا، وشكل مقاتلوها عنصراً بالغ الأهمية في الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقدَّرت وزارة الدفاع البريطانية، في يناير/كانون الثاني 2023، وجود ما يصل إلى 50 ألف مقاتل من مرتزقة فاغنر على الأرض في أوكرانيا.
بيد أن نحو 20 ألف مقاتل، معظمهم من السجناء السابقين، قُتلوا في معركة الاستيلاء على بلدة باخموت الصغيرة، وفقًا لقائمة حصلت عليها بي بي سي الروسية، الأمر الذي دفع بريغوجين إلى سحب مقاتليه المتبقين في مايو/أيار 2023، وألقى باللائمة على وزارة الدفاع الروسية بلهجة مسيئة، وانتقدها لعدم توفير الذخيرة.
بيد أن الشاب، المقاتل السابق، نجا دون أي إصابات تذكر، وتلقى في الشهر التالي رسالةً عبر تطبيق تلغرام تدعوه إلى الانضمام إلى ما أُطلق عليه “مسيرة العدالة”.
كان هذا الشاب من بين مقاتلي فاغنر الذين صدموا العالم بتنظيم تمرد ضد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والاستيلاء على مدينة روستوف أون دون في جنوبي روسيا.
كانت المرة الأخيرة التي رأى فيها الشاب زعيم فاغنر بريغوجين عندما ركب سيارةً، ووقف لالتقاط صور سيلفي، ثم غادر المدينة.
بعد ذلك تراجعت مجموعة فاغنر عن تهديداتها الأولى بالزحف إلى موسكو، وأُبرم اتفاق بموجبه قال بوتين إن مقاتلي فاغنر يمكنهم إما الانضمام إلى الجيش الروسي أو الذهاب إلى بيلاروسيا مع بريغوجين.
كانت هذه هي النقطة التي جعلت الشاب يعتقد لأول مرة أن حياته المهنية في فاغنر قد انتهت.
وأضاف: “عندما بدأت تُبرم الاتفاقات، وحالة من التردد، مع ذهاب البعض إلى بيلاروسيا، والبعض الآخر إلى أماكن أخرى، اتخذت قرار الذهاب إلى مكان آخر”.
وبعد شهرين، في 23 أغسطس/آب 2023، تحطمت طائرة خاصة كان على متنها بريغوجين شمالي موسكو، وقُتل مع العديد من أعضاء فاغنر الآخرين.
ونفى الكرملين شائعات تورطه في تدبير لعبة “غير شريفة” تسببت في الحادث، بيد أن كثيرين، ومن بينهم الشاب المقاتل السابق، لم يقتنعوا بذلك.
وقال: “عندما قتلوا الرجل (بريغوجين)، لم يتبق لي شيء في روسيا”.
وبينما كان يدرس خياراته، بدأت عملية سقوط أصول مجموعة فاغنر وأنشطتها في شتى أرجاء العالم بشكل متزايد وسيطرة الحكومة والجيش الروسيين على كل شيء.
كان لدى الشاب جواز سفر ساري المفعول، وبعض المدخرات، وخبرة قتالية، فقرر السفر إلى سوريا، التي قاتل فيها في وقتٍ سابق.
وقال مصدران لبي بي سي الروسية إن المقاتلين المرتزقة في سوريا عُرض عليهم توقيع عقود مع الجيش الروسي.
وأضاف الشاب، وهو يقسم أن الخيار أمامه كان إما وزارة الدفاع أو الضياع، أنه لم يرغب في التوقيع على عقود الجيش الروسي وجلس عاطلاً عن العمل لمدة شهرين تقريباً، ولم يعترض أحد عندما قرر البحث عن عمل في أفريقيا.
كان نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، قد توجه إلى شمالي أفريقيا في نفس الوقت تقريباً.
وبصحبة شخصيات بارزة من جهاز الاستخبارات العسكرية الروسي، زار يفكوروف دولاً كانت فاغنر نشطة فيها، مثل ليبيا وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، ثم زار في رحلة لاحقة النيجر.
ووفقاً لتقرير صادر عن معهد الخدمات المتحدة الملكي ومقره المملكة المتحدة، أوصل نائب وزير الدفاع الروسي رسالة مفادها بأن “التعهدات السابقة (التي قطعتها فاغنر) سيجري الوفاء بها” ولكن التعاملات ستكون الآن “مباشرة مع وزارة الدفاع الروسية”.
ويضيف التقرير أن بعض قوات فاغنر السابقة في أفريقيا تقدم الآن دعماً عسكرياً للأنظمة الحاكمة، بما في ذلك الدعم في مواجهة الإسلاميين وغيرهم من المتمردين، في مقابل الاستفادة من الموارد الطبيعية المهمة استراتيجياً.
وشهدت مالي والنيجر وبوركينا فاسو خلال السنوات الماضية عمليات عسكرية بغية الاستيلاء على الحكم، رافضة الروابط القديمة مع فرنسا في ظل التقارب مع روسيا، وفي ذات الوقت، بحسب التقرير، تولي روسيا اهتماماً بالمعادن مثل الليثيوم والذهب واليورانيوم.
وبدأ ظهور إعلانات عن تجنيد مرتزقة للانضمام إلى صفوف “الفيلق الأفريقي” التابع لوزارة الدفاع الروسية في نهاية عام 2023.
وأخبرنا الشاب، المقاتل السابق، لاحقاً أنه وصل إلى الدولة الأفريقية التي كان يرغب في الذهاب إليها.
وقال إنه وجد أن العمل كجندي مرتزق وظيفة مثل أي وظيفة أخرى، واعتقد ببساطة أن مستقبله سيكون أفضل في أفريقيا مقارنةً بأوكرانيا أو بيلاروسيا.
وأضاف أن معظم زملائه السابقين جُندوا في وزارة الدفاع الروسية، واستمروا في الخدمة في وحدات جرى تشكيلها حديثاً.
وعلى الرغم من ذلك، قال مصدر كانت تربطه صلة بيفغيني بريغوجين في تعليقات لبي بي سي إن ابنه بافيل يحتفظ ببعض النفوذ. وأضاف المصدر: “أعطت موسكو لخليفة بريغوجين الضوء الأخضر لمواصلة عمل والده في أفريقيا، بشرط ألا يتعارض ذلك مع مصالح روسيا”.
وأثيرت تكهنات في البداية بشأن بافيل، وهو شاب في أواخر العشرينيات من عمره، يدير شركة فاغنر العسكرية الخاصة تحت رعاية الحرس الوطني، وليس وزارة الدفاع.
وتقول تقارير معهد روسيا للدراسات الاستراتيجية إن ذلك دفع إلى نشوب “حرب مزايدة على القادة بين الحرس الوطني والاستخبارات العسكرية الروسية”.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية في فبراير/شباط إن ثلاث كتائب هجومية من فاغنر جرى دمجها بالفعل في الحرس الوطني، ومن المرجح نشرها في أوكرانيا وأفريقيا.
بيد أنه لم تصدر أي تصريحات رسمية بشأن دور بافيل، كما أنه لم يستجب لطلب بي بي سي للتعليق.
وتتوافر القليل من المعلومات الرسمية عما حدث لمقاتلي فاغنر، ومن الذي يديرهم الآن، على الرغم من أن القناة الرسمية للمجموعة على تلغرام لا تزال تنشر إعلانات تطلب تجنيد مقاتلين في مهام في مواقع “بعيدة” لا تحددها.
وبالنسبة لروسيا، فإن ملاحقة أهدافها الدولية من خلال أنشطة مجموعة فاغنر مكنتها من التحايل على العقوبات والحفاظ على خيار إنكار تورطها في أي شيء. وفي ذات الوقت، ما يزال بعض مقاتلي فاغنر السابقين يشككون في وزارة الدفاع الروسية أو يعارضونها.
وبعد غزو أوكرانيا، قامت الاستخبارات العسكرية الروسية ببناء شبكة من مجموعات المرتزقة على غرار فاغنر وأطلقت عليها اسم “ريدوت”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ذكر تقرير إعلامي أعدته إذاعة أوروبا الحرة أن ما يزيد على 20 وحدة مختلفة تعمل تحت لواء ريدوت.
وخلُص التقرير إلى أن ريدوت هي “شركة عسكرية خاصة وهمية” تديرها وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية.
ولم تتمكن بي بي سي من العثور على ريدوت في السجلات الرسمية للشركات، وأخبرتنا عدة مصادر أنها تابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية ووزارة الدفاع.
ولم ترد ريدوت ولا الكرملين على طلب من بي بي سي للتعقيب على الأمر.
كما تحدثت بي بي سي إلى مقاتلين سابقين من فاغنر انضموا إلى وحدة تُسمى “ميدفيدي” – بيرز – أو لواء العمليات الخاصة رقم 81.
وبحسب نوماد ساهيلين، الباحث الفرنسي في الشؤون الأمنية والمتخصص في أمن غرب أفريقيا، فإنهم “يرتبطون ارتباطاً وثيقاً” بشركة ريدوت، ورغم أنهم “يعتبرون أنفسهم لواء عمليات خاصة”، فإنهم “أشبه بشركة عسكرية خاصة”.
وفي أغسطس/آب 2023، نشرت الصفحات المؤيدة للجيش على شبكة التواصل الاجتماعي الروسية “فيكونتاكت” العديد من إعلانات التوظيف لشركة “بيرز”.
ويقول إعلان منهم: “نحتاج إلى طيارين وفنيين وميكانيكيين لـ (طائرات ثنائية الأجنحة) من طراز AN-2 و (طائرات مروحية) من طراز MI-8 و(طائرات هليكوبتر حربية) من طراز MI-24″، هذا ما جاء في إعلان نموذجي.
ويضيف الإعلان: “راتب لائق يبدأ من 220 ألف روبل (2500 دولار) شهرياً بالإضافة إلى المزايا. عقد لمدة ستة أشهر. العمر من 22 إلى 50 عاماً. تعال إلى شبه جزيرة القرم وسيمفيروبول. نحن نقدم الملابس والتدريب”.
وعلى الرغم من كون الإعلانات تحث المجندين على التوجه إلى شبه جزيرة القرم، يقول نوماد ساهيلين إن المجموعة أنشأت أيضاً مقراً لها في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، وعرضت على المرتزقة مهام هناك لمدة ثلاثة أشهر برواتب شهرية تتراوح بين 2500 دولار و4000 دولار.
واستناداً إلى محادثات مع مقاتلين سابقين في فاغنر، علمت بي بي سي أن العديد منهم قرروا البقاء في أفريقيا، بما في ذلك بوركينا فاسو.
ومن بين الوجهات المحتملة الأخرى لمقاتلي فاغنر السابقين الشيشان، وهي جمهورية تقع في جنوب روسيا.
ففي أبريل/نيسان الماضي، قال الزعيم الشيشاني رمضان قديروف إن 3000 مقاتل منهم سينضمون إلى مجموعة القوات الخاصة أخمات في الجمهورية، وفقا لوكالة “تاس” الروسية الرسمية للأنباء.
كما ظهرت إحدى الشخصيات البارزة في فاغنر، ألكسندر كوزنيتسوف، المعروف باسم “راتيبور”، في مقطع فيديو إلى جانب قديروف، وهو يقول لرفاقه السابقين: “كل شيء سيبقى على ما هو عليه كحال فاغنر، بالضبط. لا أوراق أو أي شيء. طريقتنا في إدارة الأعمال ستظل كما هي، لا شيء يتغير”.
ولم تتمكن بي بي سي من تأكيد عدد المرتزقة الذين وصلوا، والمقدر عددهم بثلاثة آلاف .
وبخصوص العرض الأصلي لمرتزقة فاغنر للتوجه إلى بيلاروسيا، فإن أقل من 100 منهم هناك حالياً، لتدريب قوات الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، وفقاً لمشروع أبحاث مفتوح المصدر يراقب النشاط العسكري في البلاد، يعرف باسم مشروع “بيلاروسياسكي هاجون”.
وفي 28 يوليو/تموز، تصدرت أخبار وجود مقاتلين سابقين من فاغنر في مالي عناوين الأخبار، مع تقارير عن كمين نصبه متمردون انفصاليون من الطوارق ومقاتلون إسلاميون لمرتزقة روس وجنود ماليين.
كما نشرت قناة فاغنر العسكرية الخاصة الرسمية على تلغرام بياناً تفصيلياً نادراً، قالت فيه إن بعض مقاتليها، بمن فيهم قائد، قُتلوا، لكنها لم تذكر عدد القتلى.
وأفادت قنوات تلغرام المؤيدة للجيش الروسي بمقتل عشرات من مقاتلي فاغنر السابقين، مما يجعل هذه أكبر خسارة في الأرواح للمجموعة في أفريقيا.
ومن المعلوم أن المرتزقة كانوا جزءاً من الفيلق الأفريقي، لكن، لا الفيلق ولا وزارة الدفاع الروسية قدما أي تعليق رسمي. كما لم يرد الشاب، المقاتل السابق، على رسائلنا منذ ذلك الوقت، وظهرت شمعة تذكارية على صفحة والدته على وسائل التواصل الاجتماعي.