توالي الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء يدق آخر مسمار في نعش الانفصال
لم تكدْ بقايا الانفصال، الذي ما زال معششاً في مخيمات تندوف وذهن حُكام “قصر المرادية”، تستفيق من وضع “ضربات موجعة” لتقرير معهد “السلام” الأمريكي، الذي أكد “نهاية ملف الصحراء لصالح المغرب”، حتى توالت الصفعات القوية، إحداها من تشاد، التي أعلنت الافتتاح الرسمي لقنصلية عامة بالداخلة، والثانية من جمهورية الدومينيكان.
وبافتتاح المسؤول الأول في وزارة الشؤون الخارجية التشادية، الأربعاء الماضي، تزامناً مع تخليد ذكرى استرجاع وادي الذهب، قنصلية عامة لبلاده بالداخلة، يرتفع عدد القنصليات بالأقاليم الجنوبية للمملكة إلى 29 قنصلية، منها 17 قنصلية بالداخلة.
ثاني الصفعات المتلاحقة على خدّ كل من زعيم الانفصاليين وعسكر الجزائر، فضلا عن مسؤولي جنوب أفريقيا، أتتْ، نهاية الأسبوع، من لويس أبينادر، رئيس الدومينيكان، الذي استقبل ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، مكلّفاً إياه بإبلاغ الملك محمد السادس “الدعم الثابت لجمهورية الدومينيكان لسيادة المغرب على الصحراء وعزمها افتتاح قنصلية بمدينة الداخلة”.
رسمياً تجدد تأكيد جمهورية الدومينيكان أنها “تَعتبر مخطط الحكم الذاتي، الذي تقدم به المغرب، بمثابة الحل الوحيد للنزاع حول الصحراء”، وفق بيان وزارة الشؤون الخارجية في هذا البلد الكاريبي المنضاف إلى دينامية دعم دولي ما فتئت تشهد بها تقارير استراتيجية صادرة من قلب بريتوريا.
“خناق يضيق ومسمار يُدق”
قارئاً دلالات التطورات الأخيرة في ملف نزاع مفتعل منتهٍ واقعيًا وعملياً، أبرز عبد الفتاح الفاتحي، رئيس مركز أفريقيا للدراسات والأبحاث، أن “الخناق صار يضيق على الطرح الانفصالي الجزائري في أعقاب تزايد حملة الدعم والتأييد الدولي للموقف التفاوضي المغربي على أساس مبادرة الحكم الذاتي”.
وحسب الفاتحي، “يُعد اعتراف الدومينيكان بسيادة المغرب على الصحراء آخر إسفين يُدق في نعش الانفصال بإحدى القلاع التي كانت تؤيد بشدة الطرح الراديكالي للجزائر وصنيعتها جبهة البوليساريو”.
وتابع، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “فتح تشاد، باعتبارها جد مؤثرة وسط أفريقيا، قنصلية عامة لها بالداخلة هو تعميقٌ للحصار على الطرح الانفصالي وتشديد للخناق على استمرار عضوية الجبهة في منظمة الاتحاد الأفريقي”.
الفاتحي استحضر “الدعم المؤثر لفرنسا وإسبانيا، إضافة إلى 15 دولة أوروبية، لسيادة المغرب على الصحراء كاملة عبر خطة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الأنسب للنزاع المفتعل حول الصحراء”، مشيرا إلى أن “مختلف المؤشرات تدل على قرب إعلان بريطانيا موقفا داعما لخطة المغرب، فضلا عن العديد من الدول التي عليها السير على نهج هذه الدول في أوروبا وآسيا وأمريكا وأفريقيا”.
“وعليه يصبح النزاع حول الصحراء أمراً محسوما على أساس المقاربة السياسية الواقعية”، يقول المحلل السياسي المتابع لشؤون الصحراء والساحل، خاصا بالذكر ما أعلنه مجلس الأمن الدولي بخصوص أن يكون الحل سياسياً وواقعيا وعملياً قابلا للتنفيذ.
واختتم تصريحه قائلا: “الأكيد أن الجزائر المحاصَرة بالرؤية المغربية في التشبيك الاقتصادي الأفريقي لدول الساحل والصحراء عبر المنصة المغربية بتقاسم المنافذ البحرية مع الدول الساحل والصحراء سيفرض عليها مراجعة عميقة لسياستها الخارجية في أفق تطبيع شامل مع دول الجوار على أساس العلاقات الندية ودون التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول”.
ثمرة مسار الترافع
من جانبه يرى لحسن أقرطيط، المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية، أن “تزايُد الدعم الدولي لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل وحيد وأوحد لهذا النزاع يعود بالدرجة الأولى إلى الاستراتيجية الشاملة التي تبنتها المملكة المغربية”، مسجلا إيجابيةَ “ربطها بين المسار الأممي وتبني استراتيجية الطي النهائي للملف”.
وأضاف أقرطيط، في تصريح لهسبريس، أن “ما نشهده حاليا هو ثمرة الترافع عن قضية الصحراء داخل أروقة الأمم المتحدة (مجلس الأمن بالخصوص) انطلاقاً من المعطيات التاريخية المرتبطة بهذا النزاع، ومن المعطيات الموضوعية التي تؤكد السيادة الفعلية للمغرب على أقاليمه الجنوبية، فضلا عن مبادئ ومرتكزات القانون الدولي الذي يعتمد مبدأ السيادة ووحدة الدول”، مشيرا إلى أن “الآلة الدبلوماسية للمملكة وُجّهت إلى كل بقاع العالم”.
وفي هذا الإطار لفت المحلل السياسي إلى أن “المغرب عَمِل على كسب تأييد الدول الكبرى بعد الاعتراف الأمريكي في ديسمبر 2020 وما تلاه من مواقف أوروبية قوية جدا، بل إنّ التوجه العام على مستوى أوروبا الآن أصبح يدعم بجلاء مغربية الصحراء”، مبرزا “عمل الرباط على استثمار هذا التحرك الأوروبي من أجل اِستصدار اعترافات من دول الجنوب”.
اختراقات دبلوماسية باعترافات قوية
واستطرد أقرطيط قائلا إن “القارة الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية شكلتا مدار عمل الآلة الدبلوماسية الوطنية على اعتبار أنهما كانتا دائما حاضنتين للفكر الانفصالي (بحكم أن الأنظمة السياسية في أمريكا اللاتينية كانت في مجملها ولا تزال أنظمة يسارية)، إلا أن مقاربة هذه الأنظمة وهذه الدول لهذا النزاع أصبحت تطغى عليها الآن البراغماتية والواقعية؛ وبالتالي صارت لدول أمريكا اللاتينية مواقف جديدة فيما يتعلق بدعم مبادرة الحكم الذاتي والاعتراف بمغربية الصحراء”.
وأضاف أن “البوصلة الدبلوماسية المغربية توجهت إلى القارة الأفريقية التي تشكل العمق الاستراتيجي للمغرب عبر عمل متواصل وحثيث منذ القرار التاريخي بعودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الأفريقي سنة 2017″، مما أثمر “انقلاب المعطيات لتصير ثُلثَي دول القارة تدعم الطرح المغربي”.
ويتفق أقرطيط مع الفاتحي بخصوص فكرة “أننا نتوجه على المستوى القاري (منظمة الاتحاد الأفريقي) إلى طرد جبهة البوليساريو”، مبرزا أن “الدبلوماسية المغربية والسياسة الخارجية أصبح لها براديغم جديد بفكر سياسي ورؤية سطّرها الملك محمد السادس ووَجّه من خلالها النخب الدبلوماسية المغربية إلى هدف واضح يتمثل في التسريع النهائي لطيّ هذا النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، بشكل أفضى إلى توالي الاعترافات والاختراقات والإنجازات المتمثلة في الاعترافات”.
وأكد أن “انعقاد مجلس الأمن في أكتوبر 2024 مع إحاطة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة وتقرير غوتيريش تعد فرصة لتناول المستجدات (أو ما يسمى بالمعطيات الموضوعية) بخصوص النزاع، والتي تمثلت في الاختراقات التي تم تحقيقها خلال هذه السنة، خصوصا الاختراقات الكبرى، مما يجعل المغرب يخطو خطوة جديدة كبرى من أجل إنهاء هذا النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء”.