كورسك: قصة أكبر معركة دبابات في روسيا خلال الحرب العالمية الثانية
فاجأ غزو أوكرانيا، الذي بدأ في 6 أغسطس/ آب لمنطقة كورسك الروسية الكرملين. ولقد كافحت موسكو لصد الهجوم وأعلنت عن تدابير طارئة بما في ذلك إجلاء مئات الآلاف من المدنيين.
وفي الواقع لم يتوقع الروس، بعد غزوهم أوكرانيا في فبراير/ شباط من عام 2022، أن تقلب أوكرانيا الطاولة وترد بأول احتلال للأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية.
وتحتل منطقة كورسك بالذات أهمية كبيرة في التاريخ الروسي حيث أنها شهدت أكبر معركة دبابات في التاريخ خلال الحرب العالمية الثانية، وهي المعركة التي مثلت نقطة تحول في تلك الحرب عندما أطلقت ألمانيا عملية القلعة والتي كانت بمثابة رد هتلر على هزيمته المدمرة على يد الجيش الأحمر السوفيتي في معركة ستالينغراد.
كانت معركة كورسك التي وقعت في الفترة من 5 يوليو/ تموز إلى 23 أغسطس/ آب من عام 1943، هي التي شهدت نجاح القوات السوفييتية في إحباط هجوم مضاد كبير للنازيين، ولعقود من الزمن كان انتصار السوفييت في كورسك مصدر فخر كبير للروس باعتبارها نقطة تحول، حيث استولى الجيش الأحمر على زمام المبادرة.
ويمثل النصر السوفييتي في الحرب العالمية الثانية أمرا مهما لرئاسة فلاديمير بوتن، وذلك في سعيه إلى تعزيز الفخر الوطني.
الطريق إلى كورسك
عندما قام الألمان بغزو الاتحاد السوفييتي في يونيو/ حزيران من عام 1941، فيما عُرف بـ ( العملية بارباروسا) كانوا واثقين من تحقيق نصر سريع . ولكن كما اكتشف نابليون من قبلهم، فإن اتساع الرقعة الجغرافية لروسيا وشتاءها القارس البرودة وصمود شعبها مثلت عوامل شكلت تحديات هائلة.
وبحلول يونيو/ حزيران من عام 1942، كانت القوات النازية تتقدم داخل الاتحاد السوفييتي، وكان هتلر يأمل في الاستيلاء بسهولة على مدينة ستالينغراد الاستراتيجية، وهي المدينة التي تحمل اسم الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين، لكن ستالين حشد القوات الروسية والمدنيين الذين تحصنوا وتعهدوا بالقتال حتى النهاية.
وعندما وصل الجيش الألماني السادس الألماني إلى ستالينغراد في سبتمبر/أيلول واجه مقاومة شرسة من السوفييت.
وبحلول منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني، وجد الألمان أنفسهم أقل عددًا، وأقل تسليحًا، وبحوزتهم إمدادات غذائية وطبية منخفضة للغاية ومحاطين بالروس.
ولم يكن الألمان مستعدين لشتاء روسيا القاسي وعانوا من درجات الحرارة المتجمدة والمجاعة والمرض. ولم يكن أمام الجنرال الألماني فريدريش باولوس سوى مخالفة أوامر هتلر بالقتال حتى آخر رجل، فاستسلم للقوات السوفييتية في 2 فبراير/ شباط من عام 1943، وهو العمل الذي وصفه هتلر فيما بعد بالخيانة.
وفي محاولة يائسة لملء الفراغ الناجم عن الخسائر البشرية الهائلة في معركة ستالينغراد، قام النظام النازي بتجنيد قدامى المحاربين في الحرب العالمية الأولى حتى سن 50 عامًا والشباب المراهق من منظمة شبيبة هتلر الذين كانوا معفيين سابقًا من الخدمة في الخطوط الأمامية.
كما عملت القيادة الألمانية على محاولة استعادة هيبتها وزمام الأمور في الجبهة الشرقية فكانت عملية القلعة أو معركة كورسك.
ومن جانبها، حاولت هيئة الأركان العامة السوفيتية تحديد الخطوة التالية للألمان. وكان الإجماع على أن منطقة كورسك قد تكون الهدف التالي.
وبحسب موقع ويرفير هيستوري فإن المخابرات البريطانية تمكنت من فك الشفرة السرية الألمانية، وكانت تنقل المعلومات الاستخبارية بانتظام إلى السوفييت. فعرف السوفييت أن الألمان قادمون وكان لديهم متسع من الوقت للاستعداد.
وكتب المارشال جورجي ك. جوكوف، القائد العسكري للقوات السوفيتية في كورسك لاحقًا: “كان الألمان في وضع يسمح لهم بشن عملية هجومية كبيرة في قطاع كورسك بهدف محاولة تحطيم القوات السوفيتية في الجبهتين الوسطى وجبهة فورونيج، وهذا من شأنه أن يغير الوضع الاستراتيجي العام لصالح الألمان”.
وتابع جوكوف: “بعد أن أدركت القيادة العسكرية والسياسية النازية أن قواتها المسلحة قد فقدت تفوقها السابق على الجيش الأحمر، اتخذت سلسلة من الإجراءات لحشد كل ما في وسعها للجبهة السوفيتية الألمانية. وهكذا، تم نقل وحدات كبيرة من القوات من الغرب، وعملت الصناعة الحربية الألمانية على مدار الساعة لتصنيع المزيد من المعدات الحربية”.
وبعد توقع نوايا النازيين، كانت الخطوة التالية بالنسبة للروس هي تحديد كيفية الرد.
سعى جوزيف ستالين إلى حل هجومي وذلك بشن هجوم استباقي على المواقع الألمانية، تليها مطاردة ساخنة. وقد رفض جوكوف وهيئة الأركان العامة ذلك، وفي 8 أبريل/ نيسان تم اعتماد الخطة السوفييتية حيث ستواجه القوات السوفيتية الهجوم الألماني ضد كورسك بخطوط دفاعية عميقة تهدف إلى إضعاف قوات العدو، ثم ترد بهجوم مضاد قوي يهدف إلى هزيمة العدو بشكل كامل.
الهجوم الألماني (عملية القلعة)
خطط الألمان لهجوم مفاجئ في كورسك على أمل محاصرة وتدمير القوات السوفيتية في المنطقة، ولكنهم فقدوا عنصر المفاجأة.
وتألفت القوات الهجومية الألمانية من حوالي 50 فرقة تضم 900 ألف جندي، بما في ذلك 17 فرقة آلية أو مدرعة تحتوي على 2700 دبابة ومدافع هجومية متنقلة. وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية.
وكان قوام القوات السوفيتية مليون و300 ألف رجل و3600 دبابة و2650 طائرة. ورغم التفوق العددي إلا أن غالبية السلاح بحوزة السوفييت كان قديما.
بحلول الوقت الذي بدأت فيه عملية القلعة، كان كلا الجانبين مدججين بالسلاح، ومجهزين جيدًا وكل طرف مستعد لإبادة الطرف الآخر على أمل تغيير مسار الحرب.
وقد شن الألمان هجومهم في 5 يوليو/ تموز، لكنهم سرعان ما واجهوا دفاعات عميقة مضادة للدبابات وحقول ألغام، والتي زرعها السوفييت تحسبًا للهجوم.
وتقدم الألمان مسافة 16 كيلومترا فقط في شمال المنطقة و48 كيلومترا في جنوبها، وفقدوا العديد من دباباتهم في هذه العملية.
وفي 10 يوليو/ تموز، هبطت قوات الحلفاء على شواطئ صقلية، مما أجبر هتلر على التخلي عن عملية القلعة وإعادة توجيه فرق الدبابات التابعة له إلى إيطاليا لإحباط عمليات الإنزال التي قام بها الحلفاء هناك.
وفي 12 يوليو/ تموز، بدأ السوفييت في الهجوم المضاد (عملية كوتوزوف) ، بعد أن حشدوا بحلول ذلك الوقت الكثير من القوات والدبابات.
وشجعتهم نجاحاتهم على تطوير هجوم واسع النطاق لاستعادة مدينة أوريل القريبة في 5 أغسطس/ آب وخاركوف (في أوكرانيا) في 23 أغسطس/ آب.
لقد انتصر السوفييت في معركة كورسك وأنهوا حلم هتلر في غزو روسيا. لكن السوفييت انتصروا بتكلفة باهظة حيث تشير التقديرات إلى أن وقوع ما يصل إلى 800 ألف ضحية سوفييتية مقارنة بحوالي 200 ألف ضحية ألمانية. ويعتقد بعض المؤرخين أن هذه الأرقام أقل بكثير من الخسائر الفعلية.
كانت معركة كورسك أكبر معركة دبابات في التاريخ، وشارك فيها حوالي 6 آلاف دبابة، و2 مليون جندي، و4 آلاف طائرة. لقد كانت بمثابة النهاية الحاسمة للقدرة الهجومية الألمانية على الجبهة الشرقية ومهدت الطريق للهجمات السوفيتية الكبرى في عامي 1944و1945.
ويصف موقع ويرفير هيستوري (تاريخ الحروب) هذه المعركة بأنها النكسة الأكبر لهتلر، ونقطة التحول في الحرب العالمية الثانية.
أبرز المعلومات عن معركة كورسك خلال الحرب العالمية الثانية:
- في الخامس من يوليو/ تموز من عام 1943 شنت القوات الألمانية هجومًا كبيرا بهدف تطويق القوات السوفييتية في منطقة كورسك
- شارك في القتال حوالي 6 آلاف دبابة (2700 منها ألمانية)، وما يقرب من مليوني جندي و4 آلاف طائرة
- تم منع التقدم الألماني بواسطة حقول الألغام السوفييتية وغيرها من الدفاعات المضادة للدبابات
- لعبت القوة الجوية السوفييتية دورًا رئيسيًا في إيقاف الدروع الألمانية
- استعادت القوات السوفييتية مدينتي أوريول وخاركوف في أغسطس/ آب
- منح النصر للجيش الأحمر المبادرة على الجبهة الشرقية