تقييم عالمي للمخاطر المناخية يضع سبل العيش في مراكش أمام تحديات كبرى
يواصل “التطرف” المناخي إثارة اهتمام المعاهد العلمية والمراكز الدولية، التي تنبه بين الفينة والأخرى إلى أن تغير المناخ صار واقعا لا يقبل النقاش أو التشكيك، مما ينذر بمستقبل أكثر صعوبة ويرتقب أن يحيل على ظواهر ومشاكل اجتماعية واقتصادية كبرى، على رأسها الهجرة، داخلية كانت أم خارجية.
ويبقى المغرب من الدول التي تتدارسها عادة المراكز الدولية والمختبرات الخاصة في رصد المناخ، ومدى تكييف السياسات مع الواقع المناخي؛ فبعد أن نبهت بيانات أكاديمية بريطانية إلى أن المناخ بالمملكة وصل إلى مرحلة الأحمر الداكن، دخل المركز العالمي للتكيُّف GCA بدوره على خط الموضوع بعدما اختار تقديم إضاءاتٍ بخصوص مدينة مراكش باعتبارها حالة خاصة.
وقال المركز إن “نتائج تقييم المخاطر المناخية السريع تبين أن تحديات كبرى تحيط بسبل العيش بمدينة مراكش، بما فيها إمدادات المياه، حيث إن التأثيرات المناخية تزداد سوءا، بما يحيل على ضرورة اتخاذ إجراءات تخص إدارة المخاطر والتكيف اللازمة لجعل المدينة أكثر مرونة”.
مراكش وتحديات المناخ
ومن المخاطر المرتبطة بـ”تطرف” المناخ ذكر المركز “الجفاف والعواصف الرملية والغبارية، التي من المتوقع أن تتفاقم وتساهم في مضاعفات صحية وتقييد إنتاجية العمل وندرة المياه وضياع النظام البيئي”.
كما ربط كل هذه التغيرات بالثقل الاقتصادي لمدينة مراكش، إذ لفت إلى أن “المدينة تعتمد بشكل كبير على السياحة، ومن المرجح أن تكون درجات الحرارة والجفاف وراء تثبيط عزيمة الزوار”.
وأشار المصدر ذاته إلى أن “السياسات المحلية يجب أن تركز بشكل أساسي على التخفيف بدلا من التكيف مع تغير المناخ، إذ من المفضل نهج سياسة قطاعية بخصوص تغير المناخ، مع التركيز على الوصول إلى المياه”.
كما أشار إلى أن “قدرة مراكش على التكيف مع تغير المناخ يمكن أن تتعزز باعتماد عدد من الإجراءات، بما فيها وضع دليل للهندسة المعمارية والتخطيط الحضري المتكامل والتشاركي، فضلا عن تنفيذ مشروع المدينة التجريبي من أجل مساحات عامة أكثر مرونة، فضلا عن إنشاء مرصد خاص بمراقبة تغير المناخ في علاقته بالصحة بدرجة أساس”.
الوثيقة المرجعية أبرزت أنه “من أجل فهمٍ أفضل لتأثير تغيّر المناخ على الصحة من المهم جدا خلق مجلس استشاري علمي يساهم في الوصول إلى بيانات تغير المناخ ويوفرها”، مشيرة في سياق آخر إلى “ضرورة وضع خطة تكيف لقطاع السياحة الذي تعتمد عليه المدينة بالأساس”.
وضعية تحتاج إلى تدابير
وتفاعلا مع الموضوع قال محمد الأكلع، أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن “التقرير الذي بحوزتنا يركز أساسا على تأثير المناخ على مدينة مراكش والمجالات المجاورة لها، وفقا لعدد من العناصر، ضنها درجات الحرارة المساهمة في تردد الموجات الحرارية المتميزة بشدتها، إلى جانب عنصر الإجهاد المائي الناتج عن قلة هطول الأمطار وكثرة الاستعمال، خصوصا في القطاع السياحي”.
الأكلع أضاف، في تصريح لهسبريس، أن “التقرير يحيل كذلك على تأثر الزراعة بمحيط المدينة، خصوصا بالحوز، نتيجة انخفاض منسوب المياه بفعل الحرارة المرتفعة وانحباس جود السماء؛ ويتضح في هذا الصدد أن هناك بعضا من المبادرات التي تهم ضمان المرونة والتكيف، بما فيها الخطة الترابية لمكافحة الاحتباس الحراري”.
وأشار إلى “خطة مناخ طاقة أو “كليما إينيرجي”، التي من المرتقب الشروع في تطبيقها بحلول سنة 2025؛ فهذه الجهود تبرز التزاما من المدينة بالتكيف مع آثار المناخ، بما يساهم في ضمان التنمية المستدامة لسكانها”، طارحا تساؤلات عن آليات تكيّفٍ أخرى يمكن أن تشمل القطاع السياحي.
الأستاذ الجامعي لفت إلى “صعوبة الوضعية، خصوصا بالنسبة للاحتياطات المائية، إذ من المهم جدا أن يكون هناك نزوع نحو عقلنة التدبير والاستهلاك، ينضاف إلى المحاولات الخاصة بخلق مجالات خضراء للوصول إلى المرونة الحضرية عبر تقليص أثر الموجات الحرارية”.
كما لفت إلى أهمية خلق بنية تحتية مستدامة تعتمد فيها البنايات الذكية على الاقتصاد الطاقي، إلى جانب نظام للتنقّل العمومي بغرض تخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة ومأسسة فلاحة تتحكم فيها المرونة وتشجعُ المنتجات التي تتكيف مع الجفاف حاليا”.
وتأكيدا منه على ما جاء في تقرير المركز العالمي للتكيف، أبرز الأكاديمي ذاته أن “القطاع السياحي شأنه شأن مختلف القطاعات الأخرى الحيوية لا بد أن تتأقلم مع هذه الوضعية إذا ما أردنا ضمان استمرارية النشاط، في الوقت الذي يجب أن يكون السياح على علم بالوضعية وبوجود ندرة في المياه”.