أوكرانيا تأمل أن يؤدي “توغلها في روسيا” إلى تغيير مسار الحرب
- Author, جيمس ووترهاوس
- Role, بي بي سي
قالت أوكرانيا إنها دمرت جسرا آخر فوق نهر سيم في روسيا، في الوقت الذي تواصل فيه هجومها في منطقة كورسك، وذلك في أحدث تطورات الوضع في الحروب الروسية الأوكرانية.
ونشر قائد القوات الجوية الأوكرانية مقطع فيديو يظهر لحظة إسقاط الجسر في زفانوي خلال غارة جوية، وقال إن الهدف كان قطع خطوط الإمداد الروسية.
في ذات الوقت قال مسؤولون روس وأوكرانيون إن الدفاعات الجوية دمرت طائرات مسيّرة وصواريخ متعددة أطلقها كل جانب.
يتحدث أحد المجندين الأوكرانيين لبي بي سي، حيث انضم أرني إلى الجيش الأوكراني عام 2022 للقتال من أجل إنقاذ بلاده، وعندما التقينا به بعد 30 شهرا، تحدث عن دافع جديد، هو “السلام”.
قال وهو يتكئ على شاحنته الصغيرة المموهة: “لا أحد يحب الحرب، نريدها أن تنتهي”.
أما بالنسبة للقوات التي نلتقي بها على مقربة من الحدود الروسية، فهناك رغبة في إنهاء الغزو الروسي بشروط مقبولة.
هذا لا يعني أن البقاء ليس دافعا أساسيا، فهو كذلك بالفعل، ولكن يبدو أنهم يبذلون قصارى الجهد للوصول إلى النهاية.
ويضيف أرني: “بالنسبة لأوكرانيا، ولشعبنا، سنصمد حتى النهاية”.
كان الهدف الوحيد لأوكرانيا حتى 6 أغسطس/آب، هو التحرير، وطرد القوات الروسية بالكامل إلى حدود ما قبل غزو موسكو أول مرة في عام 2014.
وعلى الرغم من أن ذلك يسير بوتيرة بطيئة، فقد حدث العكس خلال العام والنصف الماضي، حيث سيطرت موسكو على الأراضي الأوكرانية.
ثم تغيرت مجريات الأمور التي فاجأت الجميع باستثناء الجنود الأوكرانيين المتمرسين الذين نفذوها: وهو تنفيذ هجوم مضاد على منطقة كورسك الروسية.
ويقول سيرهي كوزان، رئيس مركز الأمن والتعاون الأوكراني، وهو مركز أبحاث: “كان الهجوم ناجحا وجريئا بلا شك”.
والآن، بإمكان أوكرانيا الحديث عن هجومها بشكل كاف، وتظهر صور لا حصر لها للقوات الأوكرانية التي تقدم المساعدة بينما تمزق الأعلام الروسية.
وتقول ألينا فرولوفا، خبيرة الأمن ونائبة وزير الدفاع الأوكراني السابقة: “لقد غير الهجوم أيضا الرواية المتداولة. كان الوضع الذي نخسر فيه الأراضي تدريجيا ليس وضعا جيدا”.
وتضيف: “لقد تغير الموقف الاستراتيجي لأوكرانيا”.
وعلى الرغم من أوجه التشابه بين الهجوم و الغزو الروسي الأول، تدعي كييف أن هدفها ليس الاحتلال.
إذن ما هو الهدف؟ حسنا، هناك أكثر من هدف.
“منطقة عازلة”
يفسر سيرغي كوزان، الذي يعتقد أنه غالبا ما يجري نسيان أن الحدود لا تزال خط المواجهة، قائلاً: “نُفذ هذا الهجوم جزئياً حتى أصبحت مدينة سومي محمية بشكل أفضل”.
يقول الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، منذ بداية هذا الصيف، نُفذت ما يزيد على 2000 ضربة على منطقة سومي من منطقة كورسك وحدها، بما في ذلك 250 قنبلة انزلاقية.
وأثيرت مخاوف على مدار أشهر من أن القوات الروسية تستعد لشن هجوم عبر الحدود من جانبها، ويعتقد سيرهي، من خلال صدهم، أن الدفاع عن أوكرانيا بشكل عام سيكون أسهل.
ويضيف: “إن مدينة سودجا الروسية (التي جرى الاستيلاء عليها الآن) تقع على ارتفاع مهم. والروس بالفعل في وضع أقل ميزة لأننا نسيطر على طرق الاقتراب من المدينة”.
وفي الوقت الذي اضطرت فيه روسيا إلى الرد على أوكرانيا في ساحة المعركة، استهدفت أيضا خطوط إمدادها، وجرى الاستيلاء على طرق رئيسية وتدمير جسر مهم من الناحية الاستراتيجية، مما يقودنا إلى خطوات هي:
أولا: إعادة نشر القوات الروسية
يقول إيفان ستوباك، الذي خدم في جهاز الأمن الأوكراني خلال الفترة بين عامي 2004 و2015: “الغرض الرئيسي من هذا الهجوم على كورسك هو تحويل انتباه روسيا عن الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا”.
والخبر السار بالنسبة لأوكرانيا هو أن ذلك هو ما يحدث على ما يبدو، أما الخبر السيئ هو أن التقدم الروسي، وخاصة نحو بلدة بوكروفسك، لا يتراجع.
ويقول إيفان: “أعاد الجيش الروسي نشر بعض القوات من اتجاهات مختلفة، مناطق خيرسون وخاركوف ودونيتسك، على سبيل المثال”، وثمة اعتقاد أن نحو 10 آلاف جندي نُقلوا ، معظمهم من مناطق أخرى من روسيا.
ثانيا: “صندوق التبادل”
بهذا التعبير يصف زيلينسكي عملية أسر أوكرانيا للجنود الروس.
تاريخياً، عندما تتمتع أوكرانيا بقوة، فإنها تأسر المزيد من الجنود، ثم تتفاوض على إطلاق سراح جنودها بسهولة أكبر.
لم يكن هجوم كورسك استثناء، وتقول كييف إن مئات الجنود الروس أُسروا، ويمكن رؤية العديد منهم وهم يستسلمون في لقطات التقطتها طائرات مسيّرة، ويجري إعادتهم إلى أوكرانيا معصوبي الأعين.
ويقول سيرهي كوزان: “تعرض موسكو في الواقع بدء مفاوضات لتبادل أسرى الحرب”.
ثالثا: الضغط
هذا جزء كبير من التحرك بالنسبة لكييف.
فعلى المستوى المدني، تشعر برعب وغضب في منطقة كورسك ردا على الهجوم الأوكراني العنيف على منازل المدينة.
كما نُظمت عمليات إجلاء جماعية، ومطالبات بالمساعدة، وانتقادات لبعض السلطات بسبب عدم وقف الهجوم.
وعلى المستوى السياسي، كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يناقش الأحداث علنا في موسكو بينما كان يتلقى معلومات من رؤساء أجهزة الأمن.
وبالطبع هناك المستوى العسكري، تقول ألينا فروفولا: “قد يكون تأثير هذا التوغل الأوكراني كبيرا للغاية. ولهذا السبب كان قرار استخدام قوات محترفة للغاية القرار الصحيح على وجه التحديد”.
رابعاً: “أوراق للمساومة في المستقبل”
إذا لم تكن أوكرانيا تخطط للاحتفاظ بالأراضي الروسية التي استولت عليها لفترة طويل، فهي قادرة على الصمود لفترة كافية، وتأمل في الاستفادة من ذلك من أجل تحرير أراضيها.
فعندما كان القتال يتباطأ، كان ذلك يناسب روسيا بالنظر إلى تفوقها، وكثيرا ما كان التضليل والمفاجأة يعملان لصالح أوكرانيا.
وتشير ألينا فروفولا إلى أنه “في حرب متكافئة، لا توجد لدينا أي فرصة مع روسيا. نحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات غير متكافئة”.
وقد يترك تباطؤ التقدم في منطقة كورسك كييف أمام قرارات صعبة.
ويقول سيرهي كوزان إن هناك فوائد طالما كان هناك تحرك ملموس.
ويضيف: “معدل التقدم من كيلومتر واحد إلى 3 كيلومترات يوميا أمر طبيعي لتبادل الوحدات الأمامية مع قوات الاحتياط. في منطقة دونباس الأوكرانية، يبلغ متوسط معدل تقدم الروس 400 متر”.
ويقول: “سرعتنا في منطقة كورسك أسرع بخمس مرات من جيش قوامه 100 ألف جندي!”
بيد أن المشكلة بالنسبة لكييف هي أن الروس ما زالوا يتقدمون في أوكرانيا.
وعلى الرغم من ذلك، ليس من المتوقع أن تنسحب أوكرانيا من هجومها الروسي في أي وقت قريب.
وهي عازمة على ذلك الآن.
ماذا عن فلاديمير بوتن؟
وصف الرئيس الروسي الهجوم في البداية بأنه “هجوم إرهابي” و”استفزازي”، ولكن في الأيام التالية لم يشر إليه علنا إلا فيما ندر.
هذا على الرغم من أن الهجوم يخدم روايته بأن غزو روسيا لأوكرانيا هو حرب دفاعية لحماية شعبه.
ربما لا يريد بوتين أن ينتشر الخوف الذي شعر به كثيرون في منطقة كورسك، أو أن يبدو الأمر وكأن جيشه لا يسيطر على الموقف.
وكما هو الحال مع كارثة الغواصة كورسك والانقلاب الفاشل في العام الماضي، فإن بوتن لا يتصرف دائما بسرعة لاستعادة زمام المبادرة، وتأمل أوكرانيا ألا يفعل ذلك هذه المرة لأنه لا يستطيع.