درجات الحرارة “القاتلة” في فضاءات العمل تقلق فعاليات نقابية في المغرب
قالت المنظمة الديمقراطية للشغل إنها تسجل بـ”قلق شديد ضعف الوسائل والتدابير الوقائية والاحترازية لحماية العمال والعاملات ضد أخطار الإجهاد الحراري وضمان بيئة عمل آمنة وصحية في عدد من الشركات والمقاولات والمشاتل الزراعية والأوراش الكبرى”، داعية وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات إلى “اتخاذ تدابير عاجلة مطلوبة لحماية العمال والعاملات من أخطار الإجهاد الحراري قبل وقوع كوراث”.
ولفتت المنظمة النقابية ذاتها، في بلاغ توصلت به هسبريس، إلى “مواجهة فئات واسعة من العمال والعاملات بالمغرب لأخطار الإجهاد الحراري، القاتل الصامت، بسبب استمرار ارتفاع درجات الحرارة إلى نسب قياسية، وهو ما يعرض حياتهم لمخاطر عديدة، نتيجة تعرض أجسادهم لحرارة مرتفعة، خاصة أولئك الذين يشتغلون في أعمال شاقة ويتعرضون فيها بشكل مباشر للحرارة المفرطة وضربات الشمس”.
وضرب المصدر المثال بعمال البناء وتشييد البنية التحتية من طرقات وجسور وشبكات الصرف الصحي والكهرباء والماء، وبناء إقامات سكنية وملاعب ومستشفيات، وأعمال الحفر واستغلال المقالع، والاشتغال في الحقول الزراعية، والصيد، والتعدين، والصناعات التحويلية، والنقل، والأفران، لافتا أيضا إلى “العمال والعاملات من النساء الحوامل والمرضى”، قائلا: “أغلبهم معرضون للخطر مع ارتفاع احترار الأرض والتأثيرات الصحية المتعلقة بالعمل في درجات برودتها منعدمة”.
واعتبر التنظيم النقابي أن الأوضاع سيان “سواء داخل المصانع أو تحت أشعة الشمس المباشرة”، مسجلا في هذا الإطار أنه “من المتوقع أن تستمر درجات الحرارة في الارتفاع حسب نشرات الأرصاد الجوية المغربية وتتجاوز في عدة جهات 47 درجة مئوية، مما يعني وجود خطر الإصابة بضربات الشمس. ومع المتغيرات المناخية، أصبحت الحرارة المفرطة تخلق تحديات غير مسبوقة للعمال على مدار العام، وليس فقط خلال فترة الصيف وموجات الحر الشديد”.
وتابع قائلا: “إن الإجهاد الحراري يعدّ قاتلا خفيا وصامتا يمكن أن يسبب المرض أو ضربة الشمس أو حتى الموت”، مبرزا أن “من مظاهرها الطفح الجلدي، والجفاف، والتشنجات العضلية، والإعياء الحراري، فضلا عن فقدان الوعي، وغيرها من الأعراض التي قد تهدد صحتهم بمرض خطير أو الوفاة”، عازيا خطر الإجهاد الحراري إلى “تأثيره المدمر على أعضاء حيوية في الجسم، كالدماغ، والقلب، والكلى، والكبد والرئتين، إلخ”.
“خطورة التعرّض للحرارة تتشكل بفعل عوامل فسيولوجية، مثل العمر والحالة الصحّية، وعوامل التعرّض مثل المهنة والظروف الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء، خاصة في ظل غياب الحد الأدنى من الوسائل والمستلزمات والتدابير الوقائية والاحترازية الضرورية عندما ترتفع درجات الحرارة بشكل كبير”، يسجل المصدر عينه قبل أن يضيف أن “العمال والعاملات في كثير من القطاعات الإنتاجية يفتقدون إلى معايير السلامة المهنية لحمايتهم من هذه المخاطر”.
ودعت المنظمة الديمقراطية للشغل وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية واتحاد مقاولات المغرب إلى “اتخاذ القرارات الضرورية للتعامل مع معدلات التغيير والارتفاعات غير المسبوقة في درجات الحرارة، ما يعرض آلاف العاملات والعمال لأخطار الإصابة بالعديد من الأمراض، عبر مراجعة التشريعات والقوانين المتقادمة والمصادقة على توصيات واتفاقيات منظمة العمل الدولية ذات الصلة، ووضع سياسة وطنية للسلامة والصحة المهنية في أماكن العمل ومخطط استراتيجي وطني لحماية الطبقة العاملة ضد تداعيات احتباس حرارة الأرض”.
وأوصت المنظمة النقابية بـ”تعزيز السلامة والصحة المهنية، وتأمين بيئة العمل في ضوء التحديات الحالية بالتنسيق مع الإدارات والمؤسسات المعنية، خاصة وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، في إطار خطة طوارئ، وفرض العديد من إجراءات وتدابير الحماية والوقاية من المشاكل الصحية المتعلقة بالعمل في أوضاع مماثلة، والحد من الجهد البدني بتوفير المعدات والأدوات الكفيلة بذلك، وتوفير مياه وسوائل باردة للعاملين مع توفير فترة راحة وتعيين مراقبين مدربين على طرق الوقاية والتعامل مع المشاكل الصحية لملاحظة أي أعراض أو علامات للمشاكل الصحية”.
علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، قال إن “تدبيج البلاغ يأتي في ظرفية جدية صارت فيها الحرارة موضوع تداول كوني يستدعي الكثير من الجدية”، مضيفا: “وسط كل هذا الزخم العالمي أمام تطرف الظواهر المناخية، مازال موضوع الإجهاد الحراري في علاقته بالطبقة الشغيلة لم يتم نهائيا الانتباه إليه على مستوى حقل الشغل المغربي، رغم أن حادثة بني ملال التي توفي فيها 21 شخصاً بسبب موجة الحرارة خلّفت أسئلة كثيرة عالقة حول تصوّرنا الفعلي للموضوع”.
لطفي سجل ضمن توضيحه لهسبريس أن الجهات المسؤولة، سواء على المستوى النقابي أو الحكومي أو المقاولاتي (الباطرونا)، “لم تتخذ أي تدابير وقائية واحترازية في هذا الشأن، كما لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لدرء المخاطر عبر تكثيف عمليات التفتيش والمراقبة”، موضحا أن “منظمة العمل الدولية شددت على أهمية تمتين التعاطي مع الموضوع وتنفيذ سياسات وطنية لمعالجة هذه المشكلة العالمية الجديدة وفق تدابير محلية تحمي العمال في كل بلد، بما يشمل البنية التحتية الملائمة وتحسين أنظمة الإنذار المبكر بموجات الحر”.
وأشار المتحدث إلى أن “التنظيمات النقابية المغربية بدورها لم تتحدّث قط عن الموضوع رغم ارتباطه الحقيقي بأوضاع الطبقة العاملة وبظروف العمل اللائقة التي تضمن شروط السلامة الصحية”، مضيفا أن هذا الموضوع “مازال يعتبر خارج المفهوم القانوني لحوادث الشغل، لكون تصورنا مازال قديما ولم يستوعب التغيرات المفاهيمية الطارئة على المستوى الكوني”، وزاد: “من الضروري التذكير بأن الإجهاد الحراري بجانب الرطوبة يؤدي إلى أمراض خطيرة قد تفضي إلى الوفاة”.
وتطرق الفاعل النقابي في حديثه لهسبريس إلى “ضرورة توفير الظل بالنسبة للعاملين تحت أشعة الشمس وضمان تجهيزات تتصدى للحرارة القاتلة”، خاتما بالتشديد على أن “المقاولات والشركات وغيرها لا بد أن تتفق مع مواردها البشرية على فترات ضرورية للتوقف عن العمل وأخذ قسط من الراحة حين تشتد درجة الحرارة، وذلك لإنقاذ الأرواح… لأن المسألة صارت بالفعل جدية”.