يحيى السنوار: هل يمكن أن يصب صعوده في مصلحة بنيامين نتنياهو؟
- Author, أحمد الخطيب
- Role, بي بي سي عربي
يحتل اسم يحيى السنوار موقعاً في الصدارة على محركات البحث، لا سيما منذ هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ويُنظر إلى الرجل بوصفه مهندسها ومدير عملياتها على الأرض.
وبعد مقتل إسماعيل هنية في العاصمة طهران، وانتخاب السنوار خلفاً له لرئاسة المكتب السياسي لحركة حماس، رأى معظم المراقبين في ذلك الانتخاب مفاجأة لنتنياهو، ووصفه البعض بأنه “صفعة” له ولحكومته، التي توجه إليها أصابع الاتهام في مقتل هنية، رغم عدم إعلانها المسؤولية عن ذلك.
في مقابل وجهة النظر السائدة هذه، ذهب البعض إلى القول إن صعود السنوار يمثل فرصة سانحة لحكومة نتنياهو لكي تطالب حلفاءها الدوليين بمزيد من الدعم من أجل القضاء على حماس.
وقالت صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية في افتتاحية لها إن إسرائيل اليوم يمكنها أن تتذرع بوجود شخصية السنوار “البُعبُع” على رأس السلطة في حماس، لتمضي قدما في تحقيق أهدافها من الحرب.
وهناك أيضا آرون ديفيد ميلر، المفاوض الأمريكي المخضرم وزميل مركز كارنيغي، والذي رأى أن انتخاب السنوار -الذي جاء بالإجماع – يقوّض أركان الفكرة القائلة إن هناك فروقا واختلافات بين قيادات حماس في الداخل وقياداتها في الخارج، وما إلى ذلك من “إيهام بوجود نوع من الاعتدال داخل المنظمة لتكشف عن وجهها الحقيقي”، على حد تعبيره عبر منصة إكس.
كما رأى معلقون في انتخاب السنوار “هدية” لنتنياهو ولحكومته؛ ومن هؤلاء سيث ماندل رئيس تحرير مجلة كومنتاري الأمريكية الذي ذكر في مقال رأي أن انتخاب السنوار لرئاسة حماس يقوّض “كذبة مريحة” يحدّث بها الغرب نفسه بشأن الاختلافات داخل “تلك الجماعات المتطرفة”، بينما يمهّد الطريق في المقابل لـ “حديث أكثر موضوعية بشأن كيفية تدمير تلك الجماعات”.
وفي حديث لبي بي سي، قال خالد القدومي، ممثل حركة حماس في إيران وعضو مكتب العلاقات العربية والإسلامية في الحركة إن “حماس حركة مؤسسية وهذا هو سر نجاحها إلى الآن، أما تغيّر الأشخاص فلكل بصمته وطريقته في القيادة، لكن على أنْ يبقى ذلك ضمن إطار المؤسسة والرأي الجمعي”.
ورداً على تلك التقارير، وعن طبيعة شخصية الرئيس الجديد للمكتب السياسي لحماس، يقول القدومي إن “السنوار يؤمن بالعلاقات الإيجابية مع كل المجتمع الدولي، ومنفتح على العالم”.
وأشار إلى أنه عندما استلم السنوار رئاسة المكتب السياسي في غزة على مدى دورتين في السابق، “كانت غزة مقصداً للعلاقات الدولية للحركة” على حد تعبيره.
وأفاد تقرير لصحيفة النيويورك تايمز نقلت فيه عن ضباط في الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية القول إن استراتيجية السنوار هي الإبقاء على حرب غزة مستمرة “لتشويه سُمعة إسرائيل دولياً والإضرار بعلاقتها مع حليفتها الرئيسية، الولايات المتحدة”.
ويتوافق ذلك مع قول البعض إن نتنياهو لا يريد أن ينهي الحرب … “هذا بالضبط ما يريده نتنياهو: أن تستمر الحرب”، بحسب كينيث روث، الأستاذ الزائر بكلية برينستون للشؤون العامة والدولية.
أما عضو الليكود أيوب القرا، فيرى أنه “لا يمكن المقاربة بشكل من الأشكال بين موقف نتنياهو ‘الديمقراطي’ من جهة وموقف السنوار ‘الملطخ بالدماء’ من جهة أخرى، إلا من باب المقاربة بين الجنة والجحيم”، على حد تعبيره.
وفي حديث لبي بي سي، قال القرا: “السنوار ليس سياسيا ولن يكون؛ إنما هو إرهابي أدين بقتل أبرياء وقضى عقودا في السجون جرّاء ذلك، كما أنه يريد جمع المال وفقط”.
وتنفي الحركة عن نفسها تهم الإرهاب وتقول إنها حركة مقاومة تهدف إلى “إنهاء الاحتلال الإسرائيلي”.
ويؤكد أوري سيلبرشايد، أستاذ الفلسفة السياسية والقانون الدستوري بجامعة حيفا، أن المؤشرات تدل على أن نتنياهو لا ينوي إنهاء الحرب في غزة.
ولفت سيلبرشايد، في مقال نشرته معاريف الإسرائيلية، إلى أن نتنياهو يقف عائقا دون التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المختطفين لأن من شأن ذلك أن يضع نهاية للحرب في غزة.
ولكن القرا، عضو الليكود، يرى أن “نتنياهو لا يسعى لإفشال المفاوضات، بل على العكس هو يريد إعادة الرهائن بما يزيح عنه حِملا ثقيلا من الانتقادات في داخل دولة إسرائيل”.
وعلى الجانب الآخر، يقول ممثل حماس في إيران خالد القدومي، إن “السنوار يتطلع إلى استقرار الشعب الفلسطيني عبر حل سياسي عادل يتماشى مع التضحيات التي قدّمها على مدى 75 عاما”.
استئثار بالسلطة
بالعودة إلى مقال كومنتاري، يرى سيث ماندل أن انتخاب السنوار لرئاسة المكتب السياسي لحماس، يعدّ استئثارا بالسلطة داخل الحركة، قائلا إنه بذلك “يُراكم كل القبعات على رأس واحد .. وإذا كان الرأس الذي يحمل تاجا واحدا يكون مثقلا، فكيف هي الحال مع السنوار الآن” على حد تعبيره.
فهل أصبح المشهد في حماس “كعرض مسرحي يقوم ممثل واحد فقط بجميع أدواره”؟ على حدّ وصف المحلل السياسي والسيناريست الإسرائيلي آفي إيساتشاروف على منصة إكس.
نائب الليكود أيوب القرا، يصف هذا الوضع بالـ “ديكتاتورية”، لكنه يستدرك قائلا لبي بي سي: “يمكن مع ذلك أن يكون التعامل مع شخص واحد أفضل بالنسبة لإسرائيل”.
أما القدومي ممثل حماس، فيقول إن هذا الكلام غير صحيح؛ فعلى مدى الأشهر العشرة الماضية من طوفان الأقصى، كان رأي السنوار حاضرا على الطاولة مثل رأي أي عضو من أعضاء المكتب السياسي، وكانت الأمور تمضي بالإجماع، وكان هناك تفاهم في المؤسسة.
ويؤكد القدومي أن حركة حماس”مؤسسية وقراراتها تُتخذ بشكل جمْعي، وبالتالي فكرة جمْع السلطات في يد واحدة هي فكرة غير واردة، والسنوار من أكبر المؤمنين بالتفويض وبالشراكة في القرار السياسي” على حد قوله.
الميل باتجاه إيران
اختير السنوار في الانتخابات من بين شخصيات بارزة بالحركة مثل خالد مشعل وشخصيات أخرى داخل حماس كان يُنظر إليها على أنها “أكثر اعتدالا”، كما كانت تلقى قبولاً في دول سُنيّة بالمنطقة داعمة لحماس مثل تركيا وقطر، فرأى البعض في انتصار السنوار بهذا المعنى ميلاً إلى إيران على حساب العالم الإسلامي السُني.
مجلة الإيكونوميست البريطانية رأت أن انتخاب السنوار يعني إبقاء دول الخليج العربية على المسافات بينها وبين حماس قائمة؛ ذلك لأن هذه الأنظمة ترى في السنوار حليفا أيديولوجيا خطيراً لعدوّهم الإقليمي الرئيسي، إيران.
ورأى عضو الليكود أيوب القرا، أن “إيران تتحكم بأموالها في قيادات حماس وتوجِّههم أينما أرادت”، على حد تعبيره.
لكن ممثل حماس، القدومي، يؤكد: “نحن لسنا أقرب إلى جهة من أخرى، إنما نحن نميل إلى مَن هو أقرب إلى فكر المقاومة وأقرب إلى حقوق الوطن”.
وقال القدومي إن شخصية السنوار “تقترب من أي جهة بالتوازي وليس بالتساوي؛ هي شخصية كل فلسطيني ينظر إلى علاقاته مع الكلّ العربي والإسلامي بقدر قُربه من القضية الفلسطينية”.
وأضاف القدومي لبي بي سي، أن السنوار يعرف دور إيران في دعم المقاومة، لكنه أيضا لديه “أفق في توازي العلاقات مع العالم العربي والإسلامي بالتحديد، وخاصة دول الخليج العربية”.
“يفهم الإسرائيليين”
وصف السيناتور الأمريكي مايك وولتز السنوار بأنه “أكثر قياديّي حماس تطرفا” وذلك في حديث لفوكس نيوز.
وفي عام 2015، وضعت واشنطن اسم يحيى السنوار على قائمة “الإرهابيين الدوليين المصنّفين تصنيفا خاصا”.
وحتى في داخل حماس، يُنظر إلى السنوار باعتباره “متشددا” بحسب ماثيو ليفيت، زميل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
ورأى ليفيت، في حديث لشبكة سي بي سي الكندية، أن السنوار “يفهم الإسرائيليين”، عازيا ذلك إلى قضاء السنوار أكثر من 20 عاما في السجون الإسرائيلية.
وبسبب مقتل جنديين إسرائيليين وأربعة فلسطينيين، لبث السنوار في السجون الإسرائيلية 24 عاما هي معظم سنوات ربيع عمره الذي قطع منه نحو 62 عاما.
وفي حديثه لبي بي سي، رأى نائب الليكود أيوب القرا أن السنوار “أصعب من هتلر، من ناحية قساوته .. إنه رجل كالجحيم”.
أما القدومي فيؤكد أن للسنوار شخصية حازمة، وأنه لا يترك ملفا مفتوحا على طاولته، وإنما ينجز مهامه في أوقاتها. وربما تقف هذه السمات الحاسمة في طبيعة الرجل وراء تلك الحدّية والصلابة التي ترتسم على وجهه.
“أقوى شخصية في حماس”
على مدى الأشهر العشرة الأخيرة، منذ هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان القرار السياسي لحماس، إلى جانب قرارها العسكري – من حيث استمرار الحرب أو السعي لوقف إطلاق النار- متمركزا في يد السنوار بصفته قائدا لكتائب القسام، بينما لم يكن إسماعيل هنية في تلك الفترة سوى رسول ينقل الرسائل فحسب، وفقاً لصحيفة الإيكونوميست.
إذن، كان إسماعيل هنية يضطلع بدور الواجهة الدبلوماسية لحركة حماس في الخارج، بينما السنوار هو الذي يسيطر على الأحداث على الأرض في غزة، في ضوء ما يحظى به من علاقات وثيقة مع الجناح العسكري لحماس، وفق ما نقلت النيويورك تايمز أيضا عن محللين.
وأكد هؤلاء المحللون أن السنوار كان يلعب دوراً حاسما في اتخاذ القرار بشأن الذهاب لطاولة التفاوض مع إسرائيل، وهو في ضوء ذلك يعدّ “أقوى شخصية في حماس” على الأرض.
لكن القدومي يرفض هذه الفكرة بشدة، قائلا إن “السنوار جزء من القرار السياسي، وليس هو القرار السياسي، وأن هنية كان شخصية قيادية توازِن وتتعاطى مع كل الآراء المطروحة”.
وأضاف القدومي، في حديثه لبي بي سي، أن من أهم مميزات السنوار “قُربه من الفصائل الفلسطينية كلها” مشيرا إلى أن السنوار هو صاحب فكرة التوافق الفلسطيني الداخلي على مستوى غزة.
خداع إسرائيل
هناك وجه آخر للسنوار ربما لا يعرفه كثيرون، هو وجه السياسي الداهية، الذي استطاع خداع السلطات الإسرائيلية قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بحسب صحيفة التايمز البريطانية.
وأعطى السنوار انطباعاً للإسرائيليين مفاده أنه يسعى إلى تدشين بنية تحتية في غزة، وأنه ليس مهتما بخوض حروب أخرى مع إسرائيل، وقد ظل هذا الانطباع قائماً في أذهان الإسرائيليين رغم وقوف المخابرات الإسرائيلية على حصول مقاتلي حماس على تدريبات واستعدادات مؤهِّلة لشن هجوم، بحسب تقرير التايمز.
هذا الانطباع أوهم القائمين على الأمر في إسرائيل بأمان كاذب حتى وقعت هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول محدثة حالة من الصدمة والارتباك بين الصفوف.
وبينما كان السنوار نزيلا في السجون الإسرائيلية، ساعد في التنسيق لاختطاف جنود إسرائيليين، فضلا عن تمكنّه من دراسة اللغة العبرية والاطلاع على الواقع الإسرائيلي.
وبعد خروجه من السجن، استطاع السنوار أن يترقّى بوتيرة سريعة في صفوف حماس، ليتولّى قيادة الحركة ويعزز جهازها الأمني، ما ينمّ عن ذكاء لا يستهان به.
ووفقاً لتقييم استخباراتي إسرائيلي، “يتمتع السنوار بقدرات غير عادية على التحمّل وعلى قيادة الحشود”. وبعد الحرب، أثبت السنوار قدرة على المراوغة والتخفي عن الأعين الإسرائيلية التي عجزت حتى الآن عن رصد مكانه.
ولم يظهر السنوار للعلن منذ هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ويعتقد مسؤولون إسرائيليون أنه يعيش مختبئا في الأنفاق تحت أرض غزة، وتحديدا خان يونس أو رفح.
وأياً كان المكان الذي يختبئ به، يُعتقد أن السنوار “يحتفظ على مقربة منه بعدد من الرهائن الإسرائيليين كدروع بشرية”، حال وصول القوات الإسرائيلية إليه، وفقا للتايمز.
فهل سيقدم صعود السنوار إلى رئاسة المكتب السياسي لحماس فرصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لإطالة أمد الحرب، أم ستنجح جهود الوساطة بقيادة الولايات المتحدة ومصر وقطر في الوصول إلى وقف لإطلاق النار؟