على مشارف ثمانينيات العمر .. بنجلون يتشبث بكتابات “الفيلسوف الصغير”
في سنته السابعة بعد السبعين، يتشبث الأديب المغربي العربي بنجلون بأدب الطفل، مواصلا نشر مجموعات قصصية جديدة، ومجددا نشر كتابات تروم تنمية خيال الطفل القارئ باللغة العربية خاصة، وتعزيز معرفته بوطنه ومنطقته والعالم، وبالعلم والفلسفة والتاريخ، وتحليه بالخيال والتفكير الحر والاجتهاد، وبأخلاق التعاطف والتضامن والجد والإخلاص.
وصدرت لبنجلون، صيف السنة الجارية 2024، مجموعة “مغامرات عمر” التي تحكي للأطفال عبر 12 قصة مغامرات طفل في سنهم، لتنضم هذه القصص إلى عشرات المنشورات المكتوب جلها باللغة العربية، وبعضها باللغة الفرنسية، والحاضرة في مكتبات “الفيلسوف الصغير”، كما يسميه كاتبه المخلص منذ ستينيات القرن العشرين.
بنجلون، الذي استحضر في حديث مع هسبريس قصص أمه غير المتعلمة في المدارس النظامية التي دفعته إلى القراءة باستمرار، نبّه إلى “الخطأ الكبير” في تصور أن كتابة الطفل منحصرة في اللغة البسيطة والشخصيات الحيوانية والحجم الصغير والأوراق القليلة والرسوم؛ فيما ينبغي على كاتب الطفل استحضارُ “المسؤولية الجسيمة” التي على قلمه، لأن القارئ الصغير، مع اختلاف فئاته، يلتهم النص الموجه إليه “دون مضغ، وبلا تمثل، لأنه يعتبر الكاتب منزها عن الخطأ اللغوي والفكري، ويتربع أعلى مرتبة يرتقيها الإنسان، ألا وهي الكتابة”.
لهذا يرافق بنجلون الطفل القارئ أو المستمع للقراءة، في عوالم متعددة؛ من بينها قصص البطولة، وقصص التضحية، وقصص احترام الآخر، وقصص واجب طلب العلم، وقصص التعامل السليم مع الهاتف والمستجدات الرقمية، وقصص التراث الثقافي والأدبي والمعرفي، وقصص الإرث الإنساني، وقصص تحقيق الأحلام بالإصرار والمثابرة، وغيرها.
من بين هذه القصص ما ينقل للطفل رحلات كبرى في مسار الإنسان؛ مثل “رحلة ابن بطوطة”، ابن مدينة طنجة المغربية، التي نقلها إلى صفحات يسيرةِ القراءة بتصور أن مطالعة التراث المغربي والإسلامي والإنساني مقصده لا أن نعيش فيهِ الماضي؛ بل أن “نستمد منه أفكارا جديدة نحاول أن نطبقها أو نحسنها في عصرنا الحاضر؛ فكل الاختراعات التي هي حقيقة اليوم كانت خيالا عند الإنسان القديم”؛ وبالتالي تسعى مثل هذه الحكايات إلى “تزويد الطفل بأفكار ليساهم مستقبلا في التنمية وتطوير وطنه، وفي كل ما ينفعه وعائلته ومجتمعه”، وفق ما صرح به العربي بنجلون.
ولا يرى بنجلون في الكتابة للطفلِ نزولا عنده؛ بل كتب في أحد كتبه النظرية “ثقافة الطفل.. قيم فنية ومبادئ إنسانية” حول “الصعود إلى الطفل”؛ ذاك “الفيلسوف الصغير”، للكتابة له، مع تنبيهه إلى ”الخطأ الذي يحول دون تطورنا اقتصاديا واجتماعيا (…) الذي هو تنكرنا للفكر والفلسفة والأدب والمعرفة والفنون، وحتى الرياضة” علما أنها “نوافذ ثقافية، تنشط الذاكرة، وتفسح المخيلة، فتبعث على الأسئلة والتفكير والبحث، وتقضي على سكونية العقل وثبوتيته (…) وبدونها تظل أجيالنا المتعاقبة عمياء، لا تسأل ولا تنظر ولا تبصر إلا الظلام”.
ومما يميز مجموعات بنجلون القصصية زهد ثمنها، الذي لا يتجاوز بضعة دريهمات؛ وهو ما يصر عليه بتصور واضح: “زهد ثمن الكتاب عامل من عوامل تشجيع القراءة (…) كما كان في عهد جمال عبد الناصر وصدام حسين، فالثمن يشجع على القراءة، ولو كانت القراءة نسبية. وهو عامل يغيب عند المغاربة وكثير من العرب حيث تجد شاعرا مبتدئا يبيع ديوانه بأربعين درهما، وهذا لا يشجع الناس على القراءة”.
“القراءة” قضية القضايا التي يدافع عنها العربي بنجلون؛ لأنها “موضوع تربوي عميق”، وفق المعلم والأستاذ الذي رافق الطفل المغربي في المدرسة عقودا، وخلص إلى ما مفاده أنه “لتشجيع القراءة لا بد من حصة يومية في كل المدارس، وبالأخص في مرحلة الحضانة، حتى يتعود الطفل على حمل الكتاب (…) التعود على القراءة يجب أن يكون منذ السنوات الأولى، حتى إذا بلغ الطفل سنوات الابتدائي والإعدادي يجد نفسه مرتبطا بالكتاب. أما محاولة تعويده على القراءة في مراحل لاحقة فلا يُحقق الاستمرارية، وهذا ما يحدث في العالم العربي”؟
العربي بنجلون، الذي كتب “الرحلة” وكتب حول “الكتابة للطفل” وخط “السيرة” و”الشهادة” في أعلام أدبيين وثقافيين مغاربة وعرب وعالميين، لا يحكي للطفلِ الخيال والحِكم فقط؛ بل يحادِثه في سلسلاته. ومن آثار ذلك مطلع سلسلة قصصية تُعلم الناشئة سلوكات إيجابية تجاه البيئة والأسرة والوطن والإنسان والصحة والتعايش ونظام الحياة، كتب فيها: “بُني العزيز! اقرأ هذه القصص، تجد فيها ما يسرك وما يفيدك من علوم وآداب وفنون، تغنيك بأفكار، وتحسن ذوقك بلغتها وطريقة كتابتها، وتوسع خيالك، وتشحذ ذكاءك، ليستقيم تفكيرك وسلوكك فتنجح في حياتك، وتحقق كل آمالك ورغباتك”.