سودانيون يتخوفون من المستقبل بسبب تعديل إجراءات الإقامة في مصر
- Author, سلمى خطاب
- Role, بي بي سي عربي – القاهرة
لم تكن سهلةً رحلةُ مصعب وعائلته من الخرطوم إلى القاهرة، إذ شقت العائلة طريقها في الصحراء لمدة أسبوع، بحثا عن أمان من المعارك الدائرة في السودان.
ووصلت العائلة إلى مصر في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ليتوجه مصعب ووالدته وأشقاؤه، فور وصولهم، إلى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لتسجيل أنفسهم كطالبي لجوء.
تمكنت الأم واثنان من إخوة مصعب من التسجيل في فبراير/ شباط الماضي، وحصل مصعب وثلاثة آخرون من إخوته على مواعيد متفاوتة بعد عدة أشهر.
الآن ينتظر مصعب بقلق بالغ موعد تسجيله كطالب لجوء في آب/ أغسطس الجاري، وذلك بعد قرار رسمي مصري، أمهل الأجانب والمقيمين في البلاد بشكل غير شرعي مهلة حتى سبتمبر/ أيلول المقبل لتوفيق أوضاعهم.
من منزله الذي تفوح منه رائحة البخور السوداني، يقول مصعب لبي بي سي : “حين قررنا المجيء إلى مصر كنا نأمل أن نبدأ حياة جديدة لأن الحياة في الخرطوم انتهت، وكنتُ أفضل تسوية الوضع القانوني لنا حتى نتمكن من الحركة بأريحية، لكن المبلغ المطلوب كبير بالنسبة لشخص قادم من وسط الحرب، ألف دولار للشخص ونحن أربعة أشخاص .. هذا مبلغ كبير، لا نملكه”.
ويلزم قرار تقنين الأوضاع أي أجنبي يقيم في البلاد بشكل غير شرعي، إيجاد مستضيف مصري وتسديد مصروفات تقدر بألف دولار، وهي الإجراءات التي يراها كثيرون مكلفة ومعقدة.
تجتمع الأسرة في صالة منزلهم بحي فيصل في محافظة الجيزة، إذ تقضي يومها بين مشاهدة التلفزيون وتصفح الإنترنت، ويقول أفرادها إنهم بالكاد يغادرون المنزل الآن خشية من حملات أمنية تكثفت، بعد هذا القرار.
يضيف مصعب “شخص خارج من بلده بسبب الحرب، مغصوب ومقهور، لا يملك شيئا”.
“خوف مستمر”
بات البديل لدى كل من يعجز عن استيفاء هذه الإجراءات هو التسجيل كطالب لجوء لدى مفوضية الأمم المتحدة. هذا التسجيل قد يستغرق شهورا، خاصة بالنسبة للآلاف من السودانيين الذين توافدوا على مصر بعد اندلاع الحرب في السودان، في أبريل/ نيسان عام 2023.
وتقدر مفوضية اللاجئين أن أكثر من 450 ألف سوداني فروا إلى مصر منذ اندلاع الحرب في أبريل / نيسان 2023.
تمكن محمد الشقيق الأصغر لمصعب من تسجيل نفسه كطالب لجوء لدى المفوضية في أيار/ مايو الماضي، لكن ذلك لم يبدد من شعوره بالخوف والقلق. يقول في حديث مع بي بي سي إنه يحرص على حمل بطاقة اللجوء التي حصل عليها أينما ذهب.
ويضيف “في الفترة الأخيرة كان الوضع صعبا، حتى وأنا أحمل البطاقة الصفراء (بطاقة طالبي اللجوء)، إذا أوقفتني الشرطة ولم يكن معي البطاقة سيتم ترحيلي مباشرة، لن يعطوني فرصة أن أجري اتصالا أو أعود للبيت لأحضر البطاقة الخاصة بي”.
ويقول محمد إنه بات يتجنب الشوارع الرئيسية واستخدام وسائل المواصلات العامة، ويقول إنه أصبح لا يفضل الخروج من المنزل إلا للضرورة “أوقات تحدث للشخص مواقف في الشارع تسبب المشاكل، لذلك لا أفضل الخروج، ولو خرجت يكون في المناطق القريبة من المنزل، السوق أو زيارة بعض الأصدقاء الذين يسكنون قريبا”.
وبينما يغيب أي رقم رسمي عن عدد الأجانب الذين رُحّلوا من مصر خلال العام الماضي، قدرت منظمة العفو الدولية عدد السودانيين الذين تم ترحيلهم في الفترة بين يناير/ كانون الثاني الماضي، ومارس/ آذار الماضي بنحو 800 شخص.
وقال تقرير منظمة العفو الصادر في يوليو/ تموز الماضي إن “المرحَلين حُرموا من إمكانية طلب اللجوء، بما في ذلك التواصل مع المفوضية الأممية، أو الطعن في قرار ترحيلهم”.
في السودان، كان مصعب يعمل فني كهرباء، أما شقيقه الأصغر محمد فكان يعمل في أحد تطبيقات الدفع الإلكتروني، الآن لم يتمكن مصعب أو أي من أفراد أسرته من العمل في مصر.
يقول مصعب : “مصر أمان، لكن الشغل فيها صعب، ساعات عمل طويلة ورواتب لا تكفي حتى لسداد الإيجار، ومن دون أوراق يصبح الوضع أصعب، يصبح في الخروج مخاطرة”.
“تشديد أمني”
وكثفت الحكومة المصرية في الشهور الأخيرة من الحملات الأمنية التي تستهدف التحقق من صحة إقامات الأجانب المتواجدين في البلاد، كما رحلت مئات الأشخاص في الشهور الماضية.
ويقول المحامي المتخصص في شؤون الهجرة أشرف ميلاد، إن هناك حالة من الارتباك منذ الإعلان عن هذه المهلة: “كثير من الناس في حالة قلق من التحرك، بعضهم لا يخرجون من منازلهم، خاصة من ينتظرون دورهم للتسجيل في مفوضية اللاجئين، لأن هذه الفئة مستضعفة”.
ويضيف ميلاد “هناك حالة من التشدد الأمني، وفي حالة وجود أي مشكلة أو مشاجرة بين شخصين يتم ترحيل من لا يملك إقامة فورا”.
حالة التشدد هذه دفعت أعدادا هائلة للتوجه إلى المفوضية في وقت قصير، بحسب ما يقول ميلاد “الآلاف باتوا يتوافدون على المفوضية، ليحصلوا على مواعيد للتسجيل بعد شهور”.
ويتابع ميلاد “القرار الجديد من الحكومة يسهل الإجراءات لكنه لم يلاقِ القبول من الكثيرين بسبب المبلغ المطلوب سداده، ألف دولار مبلغ كبير، ربما لو تقلل الدولة من مبلغ الغرامة سيكون هناك حل وسط، بين انتظار الدور في المفوضية التي تحاول استيعاب أعداد ضخمة، وبين مطالبة الشخص الذي جاء بشكل غير قانوني أن يدفع مبلغا كبيرا من المال”.
أعداد طالبي اللجوء تتزايد يوميا
في المقابل، تقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنها ضاعفت من قدراتها لاستيعاب أعداد طالبي اللجوء التي تتزايد يوميا.
وتوضح مسؤولة التواصل بالمفوضية كريستين بشاي، إن أعداد طالبي اللجوء المسجلة قبل بدء الحرب في السودان كانت نحو 294 ألف شخص، اليوم يبلغ هذا العدد 731 ألف شخص، وهو يزداد بشكل يومي”.
وبحسب بشاي، يمثل السودانيون 61٪ من نسبة طالبي اللجوء المسجلة لدى المفوضية.
في بداية اندلاع الحرب في السودان في أبريل/ نيسان من العام الماضي، سهلت مصر إجراءات دخول السودانيين الفارين من الحرب، لكن بعد نحو شهرين من الصراع، ألزمت الحكومة المصرية جميع السودانيين بالحصول على تأشيرة من أجل دخول البلاد، وقالت حينها إنها فرضت هذا الإجراء بعد رصد “أنشطة غير مشروعة” منها إصدار تأشيرات مزورة.
إجراءات الحصول على تأشيرة لم تكن يسيرة على كل من يريد مغادرة منطقة الصراع، ما دفع الآلاف من السودانيين إلى دخول مصر عبر الصحراء بشكل غير شرعي، وعبر رحلات عادة ما تكون غير آمنة.
فور وصولهم إلى مصر، يسعي العديد من السودانيين للتوجه إلى المفوضية للحصول على بطاقة طالبي اللجوء، التي تعد بمثابة وثيقة قانونية للشخص، إذ توفر لهم حماية تمنع من إعادتهم قسريا للبلدان التي فروا منها، بحسب القانون الدولي، ويحصلون بموجبها على العديد من الخدمات، أبرزها الخدمات الصحية.
بعد الحصول على البطاقة الصفراء، يحصل طالبو اللجوء على موعد في إدارة الجوازات والهجرة المصرية، للتقدم بطلب إقامة رسمي في البلاد، ولكن بسبب الضغط الهائل من آلاف المتقدمين، زادت مدة الانتظار للحصول على هذا الموعد لأكثر من عام.
تنظيم إقامة الأجانب في مصر
تقدر الحكومة المصرية عدد الأجانب والمقيمين على أرضها بنحو 9 ملايين شخص، وتقول إنها تتكلف بإنفاق نحو 10مليارات دولار عليهم سنويا، بحسب تصريحات لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في أيار/ مايو الماضي.
وتقول الحكومة إن الهدف من قرار تقنين الأوضاع الذي أصدرته في أغسطس/ آب من العام الماضي، ومددت المهلة الممنوحة للمعنيين به عدة مرات، هو تنظيم شكل إقامة الأجانب في مصر لضمان استمرار الخدمات المقدمة إليهم، من تعليم وخدمات صحية وغيرها.
لكن هذا القرار، ضاعف من مخاوف كل من يعجز عن استيفاء شروط تقنين الإقامة، لأنهم قد يصبحون عرضة للترحيل في أي وقت.
وبحسب قرار الحكومة، سيجري حرمان جميع المقيمين غير المسجلين لتوفيق أوضاعهم من أي خدمات حكومية، على أن تنفذ إجراءات الترحيل لأي أجنبي من الأراضي المصرية وستجري وفقاً للقانون حال ارتكابه جريمة تستوجب الترحيل.