غرق مراكب الصيد يدفع مهنيين إلى المطالبة بوكالة مغربية للإنقاذ البحري
انضم مركب “سيدي كاوكي” الخاص بالصيد الساحلي بالجر، خلال الأيام الماضية، إلى قائمة المراكب التي غرقت على مستوى الساحل الأطلسي للمملكة هذه السنة، حيث غرق المركب سالف الذكر بسواحل بوجدور دون تسجيل خسائر بشرية؛ لينضاف بذلك إلى كل من مركب “صحراء ماروك” وسفينة الصيد “تيليلا” والسفن الثلاث الخاصة بالصيد البحري التي غرقت بدورها على مستوى قرية الصيد “افتيسات” في شهر مارس الماضي.
ويثير توالي هذه الحوادث الكثير من النقاش في صفوف المتتبعين لشؤون الصيد البحري بمختلف أصنافه، التقليدي والساحلي وبأعالي البحار، بالنظر إلى أنه يخلف مآسٍ اجتماعية وأسرية وخسائر مادية ويعيد إلى العلن دائما مسألة السلامة البحرية كعنصر أساسي جدير بالاهتمام من قبل الفئات المهنية والمصالح الرسمية.
وأثير هذا الموضوع بالمؤسسة التشريعية من خلال سؤال كتابي وجهه جمال ديواني، النائب البرلماني عن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، إلى وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بخصوص “الإجراءات المزمع اتخاذها للاستشعار المبكر لحوادث الغرق وتدابير مواكبة أسر الضحايا وإدماجهم في برنامج الدعم الاجتماعي”.
وحول توالي غرق السفن بالمياه الأطلسية الوطنية، وجهت هسبريس تساؤلات إلى الجانبين المهني والرسمي حول أبرز العوامل التي تجعل قطاع الصيد البحري بالمملكة يفقد عددا من مهنيين ومراكبه كل سنة، حيث كانت الإجابة متمحورة حول “أسباب طبيعية لها علاقة بالمناخ وعلو الأمواج، إلى جانب أسباب موضوعية لها علاقة بمدى إلمام المهنيين بقواعد السلامة البحرية”، في وقت جرى التأكيد على أن “المراقبة السنوية تمنع نشاط مراكب لا تستوفي المتطلبات القانونية والتقنية”.
عوامل طبيعية وبشرية
عبد الحليم الصديقي، الكاتب العام للجامعة الوطنية للصيد البحري التابعة للاتحاد المغربي للشغل، قال إن “حوادث الغرق تكون نتاجا لعدد من العوامل المختلفة؛ بما فيها المتعلقة بحالة المركب وكفاءة الربان ومدى احترام التعليمات الخاصة بالنشرات الإنذارية الخاصة بحالة البحر من عدمها”.
وأكد الصديقي، في تصريح لهسبريس، “وجود عمليات مراقبة المراكب في بداية السنة قبل تسلُّمِ الرخص الخاصة بالإبحار بالسواحل الوطنية، في وقت يبقى الغرق واردا بالنظر إلى عوامل البحر التي تكون على مدار السنة؛ فالغرق وارد ولا يمكن نهائيا توقع زمانه ومكانه”.
وتابع المهني ذاته: “غير أن كل هذا لا يمكن، على سبيل المثال، أن يجعلنا نسمح لمراكب مُعمّرة بأن تجول السواحل الوطنية؛ لأنها تكون هشة الهيكل أمام ملوحة المياه”
ولفت المصرح إلى أن “تكوين العنصر البشري مهم جدا في هذا الصدد، حيث يكون هناك تدريب متواصل للمهنيين على استخدام وسائل الإنقاذ؛ بما فيها القمصان المضادة للغرق. ومن المهم جدا أن تكون هناك صرامة في توفر كل المراكب المشتغلة بعرض السواحل الوطنية؛ فحوادثُ البحر هي ظاهرة عالمية وليست فقط بالمغرب”، مسجلا “وجود نوع من الطفرة في العدد بالمملكة خلال السنوات الأخيرة”.
وبيّن الصديقي أن “الظواهر الطبيعية هي الأخرى صارت أكثر حدة، حيث صرنا نتحدث عن سرعة رياح تفوق 90 كيلومترا في الساعة ونتحدث عن 10 درجات أو 12 درجة على سلم بوفورت؛ وهو ما يعزز بدوره من إمكانية وقوع حوادث غرق، إما أن تخلف خسائر مادية فقط أو خسائر بشرية كذلك، وهو ما لا يمكن تمنيه إطلاقا”.
وأمام هذه العوامل الطبيعية والبشرية التي استعرضها، أبى الكاتب العام للجامعة الوطنية للصيد البحري إلا أن يؤكد على “أهمية إنشاء وكالة وطنية للإنقاذ البحري، تكون مدعمة من قبل الدولة والمهنيين وتتوفر على مختلف التعزيزات الأمنية ومعدات السلامة والإنقاذ، على أن تكون لديها فروع بمختلف الموانئ المغربية، بما يمكن أن يقلص من الخسائر المرتقبة وغير المرغوب فيها”.
متابعة رسمية متواصلة
ذكر الحسن ميميس، رئيس مصلحة سلامة الملاحة والوقاية من التلوث بمندوبية الصيد البحري بالعيون، بمختلف التدخلات التي تقوم بها مصالح الوزارة الوصية على القطاع والتي ذكر من بينها الفحوصات التقنية السنوية للمراكب قبل تسليم المهنيين الوثائق الجديدة الخاصة بالإبحار؛ فتكون هناك مراقبة لكل التجهيزات داخل المنشأة البحرية ومدى فعاليتها ونشاطها”.
وقال ميميس لهسبريس: “تكون وقتها ملاحظاتٌ من قبل اللجنة التي تتولى العملية بالموانئ؛ من بينها ملاحظات مستعجلة، وأخرى تعطى بخصوص الاستجابة لها مدة 15 يوما على سبيل المثال. وإلى جانب هذا، نجد الإصلاحات المفروضة فيما يتعلق بحالة هيكل المراكب مرةً في كل سنتين حتى لا يكون هناك تسرب للمياه إلى الداخل؛ وهو ما نسجل التزام المهنيين به”.
واعتبر المصرح أن “السلامة البحرية بالسواحل المغربية تطورت بشكل كبير إذا ما قارناها بسنوات التسعينيات أو بما قبل العشر سنوات الماضية، وهو ما مكننا من تخفيض عدد الحوادث سنويا؛ فعلى العموم، تكون هناك أخطاء مهنية وبشرية بالأساس تكون وراء الحوادث في بعض الأحيان، وهو ما يرتبط أساسا بالتكوينات البحرية”.
وجوابا عن طبيعة متابعة الجانب الرسمي لهذه الحوادث، قال المسؤول ذاته: “بالفعل، تكون هناك متابعة متواصلة لهذا الموضوع، حيث يكون هاجسنا في الأساس الوصول إلى صفر حالة في كل سنة. فبهذا الخصوص يكون هناك فتح بحثٍ في ملابسات كل حادث على حدة من أجل تحديد الملابسات والأسباب التي كانت وراءه”، مؤكدا أن “الجوانب القانونية تكون دائما سليمة بالنسبة للمراكب، حيث لا يمكن الحصول على التراخيص الخاصة بدون احترام التعليمات الواردة في هذا الصدد”، خالصا بذلك إلى “وجود تحسن في تعزيزات الإنقاذ البحري، بعدما صارت المراكب تتوفر على الجيل الجديد من القمصان البرتقالية المضادة للغرق”.