“الناس لا يتحدثون عن الحزن المتعلق بالرضاعة الطبيعية”
لعدة عقود، سمعت العديد من الأمهات الجدد رسالة “الرضاعة الطبيعية هي الأفضل”.
كانت تلك الرسالة تهدف إلى تشجيع الرضاعة الطبيعية، رغم أنها قد تخلق أيضاً ضغوطاً هائلة على اللواتي تواجهن صعوبات عملية.
وتشعر بعض النساء برغبة شديدة في الرضاعة الطبيعية، ولكنهن مجبرات لأسباب مختلفة، على التوقف في وقت أبكر مما كن يخططن له.
تحدثت عدد من النساء إلى بي بي سي لمناقشة “الحزن المرتبط بالرضاعة الطبيعية”، وهي فترة تختلط فيها المشاعر بالحزن الشديد، وحتى الخجل، بعد قرارهن بالتوقف.
تصف جيما الأسبوعين التاليين لولادتها بأنهما كانا “جحيماً”، وتقول إنها كانت تخشى كل وقت للرضاعة.
كان ابنها يعاني من رباط اللسان، وهي حالة يكون فيها الشريط الجلدي الذي يربط اللسان بالفك السفلي للفم أكثر إحكاماً من المعتاد، مما يجعل من المستحيل تقريباً أن يلتصق بثديها.
وتستذكر جيما أكثر اللحظات سوءاً، حين طلبت من الزوار مغادرة منزلها بينما كانت تختبئ في غرفة نومها والستائر مغلقة، وهي تحاول يائسة جعل طفلها يلتصق بها.
وتضيف: “وجدت تجربة الرضاعة الطبيعية مرهقة ومحرجة”.
وبعد أسبوعين، بدأ طفلها يفقد وزنه، وفي مواجهة احتمال العودة إلى المستشفى، قررت التحول إلى إرضاعه حليباً صناعياً.
وُلد طفلها الثاني بعد عامين – وعلى الرغم من أن ابنتها المولودة حديثاً لم تعان من رباط اللسان، إلا أن جيما قررت في وقت مبكر أنها “لا تستطيع مواجهة” محاولة الرضاعة الطبيعية لفترة أطول من يومين.
ولا تزال تعاني بسبب هذا القرار، إذ تقول: “لم أكن قادرة على القيام بالأمر الأكثر طبيعية وفرادة لدى كل الأمهات، شعرت بالخجل، وما زلت أشعر بالخجل”.
وتعتقد أنها ربما كانت تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة، رغم عدم تشخيصها في ذلك الوقت.
ما هو حزن الرضاعة الطبيعية؟
توضح البروفيسورة إيمي براون، الباحثة في الصحة العامة التي ألفت كتاباً عن الحزن المرتبط بالرضاعة الطبيعية، أن مشاعر الحزن حول تجارب الرضاعة الطبيعية شائعة.
وتقول: “تتوقف العديد من النساء عن الرضاعة الطبيعية في وقت أبكر بكثير مما كن يرغبن، ويشعرن بخيبة أمل أو بأنهن فوّتن تجربة مميزة”.
وتشير الأبحاث إلى أن العديد من النساء ما زلن يرغبن في الرضاعة الطبيعية.
وعلى سبيل المثال، في المملكة المتحدة، تبدأ 81% من النساء في الرضاعة الطبيعية فقط، ولكن بعد ستة أشهر، تستمر حوالي 1% فقط من النساء بإرضاع أطفالهن بالحليب الطبيعي.
وفي الوقت الحالي، توصي منظمة الصحة العالمية بالرضاعة الطبيعية دون غيرها، خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الطفل، بينما تشير اليونيسف إلى أن الرضاعة الطبيعية تقلل من خطر متلازمة الموت المفاجئ للرضع (SIDS)، والسكري في مرحلة الطفولة، وأمراض القلب، والسمنة.
وعلى مستوى العالم، بلغت نسبة الرضع الذين تقل أعمارهم عن ستة أشهر والذين يرضعون طبيعياً 48%، بزيادة قدرها 10% عن العقد الماضي.
وتأمل ديبتي، الحامل في الشهر السابع بطفلها الثاني، أن تكون رحلة الرضاعة الطبيعية أفضل من رحلتها السابقة.
إذ أنجبت ابنها الأول في عام 2021 وواجهت صعوبة في إرضاعه بسبب رباط اللسان، وحتى بعد تصحيح الحالة، استمرت في مواجهة المشاكل.
وقررت ديبتي شفط حليبها وإرضاع طفلها بالزجاجة، لكنها وجدت أن هذا الروتين غير عملي، وتوضح: “كان من الصعب أن أقوم بذلك كل ساعتين، بما في ذلك أثناء الليل، مما جعلني أشعر بالاخفاق – وكأنني أقوم بعمل سيئ”.
ومنعها جدول الرضاعة من الخروج من المنزل بالكامل تقريباً، وبحلول الوقت الذي بلغ فيه ابنها 12 أسبوعاً، تحولت إلى الحليب الصناعي حتى تتمكن من الاستمتاع بالوقت معه في الخارج وحضور دروس الأطفال، وهو أمر اعتبرته مهماً لنموه.
وبعد شهر، علمت ديبتي أن إجراء رباط اللسان نُفذ بشكل خاطئ ويحتاج إلى مزيد من العلاج، وحينها كان قد فات الأوان للعودة إلى الرضاعة الطبيعية.
وشعرت ديبتي بالخجل و”ذنب الأم”، عند استخدام الزجاجة بين صديقاتها المرضعات، وتقول: “لم يحكم علي أحد أبداً، لكنني شعرت بالخجل لأنني كنت أرضع طفلي بالزجاجة، وحزنت لأنني لم أتمكن من إرضاعه طبيعياً مثلهم”.
لماذا تتوقف النساء عن الرضاعة الطبيعية؟
في حين أن طفلي جيما وديبتي كانا يعانيان من رباط اللسان، فهناك عدة أسباب قد تجعل الأم تكافح من أجل الرضاعة الطبيعية، ومن المشاكل الشائعة: الحلمات المؤلمة أو المتشققة أو النازفة بسبب مشاكل الالتصاق، وانخفاض أو ارتفاع كمية الحليب.
والاحتقان أيضاً، حين تصبح الثديين ممتلئتين بشكل مفرط بالحليب، بما يؤدي في بعض الحالات إلى التهاب الثدي، وهو عدوى ناتجة عن انسداد قناة الحليب مما يسبب الألم أثناء الرضاعة.
وتقدم ليزا ماندل من الرابطة الدولية لمستشاري الرضاعة المشورة والنصائح للنساء اللاتي يعانين من مشاكل في الرضاعة الطبيعية، وتقول إنه من الضروري أن تحصل النساء على استشارة ودعم من خبراء الرضاعة في أقرب وقت ممكن.
وتوضح ليزا أن الرضاعة الطبيعية “لا ينبغي أن تكون مؤلمة أبداً”، وأن الألم يشير إلى أن الطفل ليس في وضعية صحيحة أو لم يلتقم الثدي بشكل جيد.
وتضيف: “يجب ألا يُعتبر التوقف عن الرضاعة الطبيعية فشلاً من جانب الأم”.
أما كلير مورفي، مديرة منظمة “فيد يو كيه – Feed UK”، فتقول إن إطعام الرضيع ليس بالأمر السهل، وأنه ينبغي أن نركز على دعم النساء بغض النظر عن كيفية اختيارهن لإطعام أطفالهن.
وتضيف: “لا أحد – وخصوصاً الأمهات وأطفالهن – يستفيد من بيئة تشعر فيها النساء بالذنب وتتأثر صحتهن النفسية لأنهن اضطررن لاستخدام الحليب الصناعي بينما كن يأملن في تجنبه”.
وتخطط ديبتي لمحاولة الرضاعة الطبيعية مرة أخرى، لكنها تقول إنها لن تضع نفسها تحت الضغط ذاته في المرة القادمة، وتؤكد: “سأحاول مرة أخرى بكل تأكيد، وأشعر أنني أكثر استعداداً الآن لأنني مررت بهذه التجربة من قبل”.
ابن جيمّا، ماكس، يبلغ من العمر الآن سبع سنوات، لكنها تقول إنها لا تزال تشعر بالحزن، وتعترف وهي تبكي بأنها تشعر بـ”ندم عميق وساحق لأن الرضاعة الطبيعية لم تنجح”، لكنها تأمل أن يكون هناك الآن وعي أكبر بدعم جميع النساء بغض النظر عن اختياراتهن في التغذية.