حرب غزة: هل تتدخل قوات عربية “لإدارة” القطاع من دون حماس في اليوم التالي للحرب؟
- Author, عبدالمنعم حلاوة
- Role, بي بي سي عربي
عشرة أشهر مرت على حرب غزة، ولا يزال البحث مستمراً عن خطة واضحة المعالم لليوم التالي للحرب، ومن سيدير قطاع غزة ويتحمل مسؤولية توفير الأمن والغذاء والعلاج لنحو مليوني شخص، وإعادة بناء القطاع المدمر بالكامل تقريبا.
ويصرُ رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على المضي قدما في حربه ضد حماس، ويريد أن تكون غزة “منطقة منزوعة السلاح”، كما أشار في تصريحات سابقة له، وأن يكون بها حكم مدني لإدارة شؤون سكان القطاع وتقديم المساعدات لهم.
وقال نتنياهو في تلك التصريحات إن “أفضل طريقة للقيام بذلك هي التعاون مع رعاية عربية مشتركة، والحصول على مساعدة من الدول العربية لإقامة الحكم المدني في القطاع”، بحسب ما نقلته صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية.
وفي أعقاب تصريحات نتنياهو تلك، ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن مصر والإمارات “وافقتا على المشاركة في قوة حفظ سلام في قطاع غزة”، في اليوم التالي للحرب، إذا طلبت السلطة الفلسطينية ذلك، في حين أن دولاً أخرى مثل السعودية وقطر والأردن رفضت المشاركة في مثل هذه القوات، وفقا للصحيفة.
“قد يعتبرها الفلسطينيون قوات احتلال”
طالبت الدول العربية في البيان الختامي للقمة العربية التي استضافتها البحرين في مايو/آيار الماضي، 2024، بنشر قوات دولية في غزة لحماية الفلسطينيين، والإشراف على توزيع المساعدات.
لكن ظهرت مخاوف أخرى من وجود قوات خارجية، سواء عربية أو دولية، في غزة، بسبب عدم وضوح دور هذه القوات ومهامها، وخاصة في ظل استمرار عمليات القوات الإسرائيلية في غزة.
واستبعد اللواء شوقي صلاح، الخبير العسكري والقانوني في مصر، دقة هذه التقارير الإسرائيلية، وقال لبي بي سي نيوز عربي إن مصر “رفضت من قبل إرسال قوات إلى غزة”.
وقال صلاح لبي بي سي، إن إدارة غزة لن تكون لأحد خارج قطاع غزة، ويجب على إسرائيل أن “تتكيف مع فكرة التعايش” مع سكان غزة، لأن وجود أي قوة غير فلسطينية قد تصطدم بالفلسطينيين، أو بحركة حماس، وقد يعتبرها الفلسطينيون “قوة احتلال” بديلة لإسرائيل.
وجاءت التقارير الإسرائيلية عن موافقة مصر والإمارات على “إرسال قوات حفظ سلام إلى غزة”، بالتزامن مع زيارة وفد تفاوض من الموساد الإسرائيلي إلى مصر للقاء مسؤولي المخابرات المصرية في مدينة العلمين، في الخامس من أغسطس/ آب، وبالتزامن أيضا مع زيارة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد، إلى العلمين للقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وأضاف صلاح أنه لا يمكن الحديث حاليا عن اليوم التالي للحرب بعد إعلان اختيار يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي لحماس، بعد اغتيال إسماعيل هنية، “ومع استمرار نتنياهو وحكومته المتطرفة، فإنه من المستبعد انتهاء الحرب قريبا أو تحقيق السلام في غزة”.
كما حذر الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، من وجود مثل هذه القوات “من دون ترتيبات قوية وواضحة”، وضمانات من الولايات المتحدة، حتى لا تستغلها إسرائيل “لتنظيف جرائمها التي ارتكبتها في غزة”، على حد قوله.
وقال الرقب لبي بي سي نيوز عربي إن مثل هذه القوات من دون مهام محددة، وصلاحيات واضحة، وتنسيق مع السلطة الفلسطينية، قد تدخل في إشكاليات كبيرة على عدة مستويات، وخاصة السياسية منها والأمنية.
وكانت مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية، لانا نسيبة، قد أكدت في تصريحات لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، استعداد بلادها لإرسال قوات للمشاركة في قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات في غزة، بعد انتهاء الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس، بطلب من السلطة الفلسطينية، وبشرط أن تلعب الولايات المتحدة دوراً قيادياً، وتدعم الخطوات نحو إقامة دولة فلسطينية.
قوة أمنية “مؤقتة”
الانتقال من حالة الحرب إلى السلام في غزة لن يكون أمراً سهلاً في ظل تعثر المفاوضات الحالية، وكذلك بسبب المخاوف المستمرة من اتساع دائرة الصراع إلى لبنان، وتهديدات إيران ومحورها في اليمن والعراق وسوريا، باستهداف إسرائيل، في إطار الرد الذي وعدت به طهران بعد اغتيال إسماعيل هنية على أرضها، واتهام إسرائيل بالوقوف وراء العملية.
لذلك يقترح الخبير الأمني المصري شوقي صلاح، أن حل اليوم التالي للحرب يمكن من خلال الموافقة على “مرحلة انتقالية أمنية” في غزة، تقودها قوة فلسطينية مدربة على حفظ الأمن واستلام المساعدات، وتتولى معبر رفح ومحور صلاح الدين، وتكون تحت إشراف السلطة الفلسطينية ودولٍ عربية أخرى، لكن لا تشارك فيها حماس.”
لكن أيمن الرقب يرى أن الحل الأفضل حاليا هو تشكيل قوة أمنية “تضم جميع الفصائل الفلسطينية” تحت إشراف عربي.
وقال الرقب لبي بي سي، إن هذه القوة يجب أن تبدأ بالسيطرة على معبر رفح سريعا للإشراف على استلام المساعدات الإنسانية العاجلة، ثم تتدرج مهامها بعد ذلك، وتشارك فيها فصائل وتيارات مختلفة مثل التيار الإصلاحي الديمقراطي، الذي يقوده محمد دحلان.
لكن الرقب يرى أن هناك “إغفالا لمشاركة حماس” في إدارة غزة سياسيا أو أمنيا، ويضيف أن “إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة تحاولان استبعاد حماس تماما عن إدارة غزة، وهذا غير ممكن واقعيا”.
ويؤكد على أن أفضل حل لليوم التالي للحرب هو الترتيب مع حركة حماس، “لأن وجودها لا يزال قويا، كما أن جيوبها سواء المسلحة أو السياسية لا تزال تؤثر في قطاع غزة، ولا يمكن حل الأزمة الحالية بدون موافقتها”.
وأشار الرقب في حديثه لبي بي سي عن أطروحات إسرائيلية سابقة للحل، منها “استمرار الاحتلال الإسرائيلي” لغزة لفترة من الوقت، قبل تسليمها بشكل تدريجي إلى “قوة فلسطينية ناعمة من غزة”، لكنه أكد أن الوسيط المصري رفض هذا الطرح، وكذلك رفضته حركة حماس والسلطة الفلسطينية.
وأعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، من قبل عن أن الأمر “الأكثر منطقية” في مرحلة ما، هو وجود سلطة فلسطينية “فعالة ومتجددة” تتولى حكم غزة.
وقال خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إنه إذا لم تتمكن السلطة من ذلك، فهناك “ترتيبات مؤقتة” قد تشمل عددا من الدول الأخرى في المنطقة. وقد تشمل وكالات دولية تساعد في توفير الأمن والحكم.
وأضاف أن من بين الخيارات التي تدرسها الولايات المتحدة وإسرائيل “نشر قوة متعددة الجنسيات” قد تضم قوات أمريكية، أو وضع غزة تحت إشراف الأمم المتحدة بشكل مؤقت.
ويشير الدكتور عبد المهدي مطاوع، المحلل السياسي الفلسطيني، إلى أن أي قوة في غزة سواء كانت عربية أو دولية يجب أن تكون “مؤقتة”، وتخضع لإشراف مباشر من السلطة الفلسطينية، “صاحبة الولاية على غزة”.
ويشدد مطاوع على أن من يتحدث عن إصلاح السلطة وينتقدها، “فهو يهدف غالبا لفرض مشاريع معينة تتعلق بمصالح قوى أخرى، فجميع أمور السلطة المالية تخضع لتدقيق من الاتحاد الأوروبي، والحديث عن أي فساد يشكل ‘حصان طراودة’ لفرض مشاريع على السلطة”.
“الخروج الآمن” لإسرائيل وحماس
في بداية الحرب بين إسرائيل وحركة حماس بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن إسرائيل من احتلال قطاع غزة، وأكد حينها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن أن إسرائيل لا تريد أن تدير غزة، وأكد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان، أن بلاده “لا ترغب” في احتلال غزة لكنها ستفعل “كل ما يلزم” للقضاء على حماس.
وخلال الأشهر الماضية فشلت العديد من جولات المفاوضات بين إسرائيل وحماس، بسبب تمسك كل طرف بمطالبه، ربما لتحقيق مكاسب سياسية محددة، لكن الآن وبعد التطورات الإقليمية الأخيرة ومخاوف التصعيد في المنطقة، بات الحديث عن إنهاء الحرب في غزة أمراً ملحاً لوقف هذا التصعيد.
ويرى هاني الجمل، الباحث المصري في شؤون الشرق الأوسط، أن الجميع الآن يبحث عن “الخروج الآمن”، سواء في إسرائيل أو في حركة حماس.
وقال الجمل لبي بي سي نيوز عربي، إن نتنياهو “هو الأكثر احتياجا لخروج آمن” من غزة، خاصة في ظل استمرار وجود رهائن لدى حماس، واتجاه الأمور للتصعيد مع إيران وأذرعها في المنطقة، بعد اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران، وقيادات بارزة في حزب الله. ولذلك “بات الخروج الآمن من غزة ضرورة ملحة”.
ويتطلب الحديث عن سيناريو اليوم التالي للحرب وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار في البداية، يتم خلاله إدخال المساعدات الضرورية لإنقاذ حوالي مليون ونصف فلسطيني يواجهون خطر المجاعة، ثم يبدأ بعد ذلك التفاوض من أجل إدارة غزة ومن سيتولى الحكم فيها.
ويشدد المحلل الفلسطيني الدكتور عبد المهدي، على أن حماس لا يمكن أن تجد “مخرجا آمنا” بدون التشاور مع بقية الفصائل الفلسطينية.
وأضاف لبي بي سي، أن المضي قدما في “الاتفاق الفلسطيني الداخلي” هو ما سيضمن لحماس الحصول على ما تريد، وأن تجد لها دوراً في مستقبل غزة سياسياً وأمنياً، وعندها سيكون هناك حديث عن تفاصيل الحكم والإدارة، سواء بوجود قوة عربية أو دولية، أو حتى فلسطينية محايدة.
وعادت قضية المصالحة الفلسطينية لتطرح نفسها بقوة في الفترة الأخيرة، مع تصاعد حرب غزة، وقد وقع 14 فصيلا فلسطينياً اتفاقاً للمصالحة في العاصمة الصينية بكين، 14 يوليو/تموز الماضي، وهو الاتفاق رقم 13 الذي يُعلن عنه بين الحركتين الفلسطينيين الأبرز، فتح وحماس، وبمشاركة فصائل أخرى، ومنظمة التحرير الفلسطينية.
ويرى هاني الجمل أن حماس هي الأكثر احتياجاً للمصالحة الآن، “ليس فقط لضمان موقع لها في حكم غزة مستقبلا، لكن لأن الأصوات في غزة بدأت تتعالى ضدها، وترفض وجودها”، على حد قوله.
ومهما كان شكل أو دور تلك القوة التي يمكن أن تتدخل لضمان وقف إطلاق النار في غزة في اليوم التالي للحرب، فإن المخاوف الحقيقية من اتساع دائرة الصراع وخروجه عن السيطرة لا تزال قائمة، وقد تنذر بتطورات ضخمة في منطقة الشرق الأوسط.