حرب غزة: كيف اختارت حماس يحيى السنوار رئيساً؟
- Author, رشدي أبو العوف
- Role, مراسل بي بي سي لشؤون غزة – الدوحة
تابعت وسائل الإعلام العالمية، الأسبوع الماضي، توافد كبار قادة حماس إلى قطر، لاختيار قائد سياسي جديد للحركة.
وتوافد المندوبون من أنحاء الشرق الأوسط بعد ما يقارب عام على القتال بين إسرائيل وحماس في غزّة.
البعض وصل مصدوماً، بعد أن استفاق قبل أيام على أنباء مقتل رئيس المكتب السياسي السابق إسماعيل هنية، في انفجار في طهران، وزُعم أنّ إسرائيل تقف خلفه.
ولعب هنية، الذي أشرف على مفاوضي الحركة خلال المحادثات مع إسرائيل، دوراً مهمّاً في حركة حماس، موازناً بين رغبة الجناح العسكري في نقل القتال إلى إسرائيل، وبين دعوات للتوصل إلى تسوية وإنهاء الصراع.
وكان واضحاً أنه يجب ملء الفراغ في منصبه فوراً.
في صباح يوم الجنازة في الدوحة، اصطف قادة حماس كتفاً إلى كتف، في خيمة بيضاء عملاقة، فرشت بالبسط والكراسي الفاخرة المزيّنة بصورة إسماعيل هنية. اجتمع مئات الأشخاص لتكريم رئيس الحركة الراحل ومرافقه.
كان المشهد أكثر من مراسم جنازة، كان يجسّد انتهاء حقبة وبداية مرحلة جديدة، أكثر تطرفاً.
هذه ليست المرة الأولى التي أشاهد فيها كبار قادة حماس يجتمعون لاختيار قائد جديد بعد جنازة غير متوقعة. عام 2004 شاهدتهم مجتمعين بعد اغتيال إسرائيل لمؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين – عُقد الاجتماع في منزله في غزّة.
بعد أقل من شهر، اغتالت إسرائيل خليفته، عبد العزيز الرنتيسي.
لكن هذه المرة، عكست نقاشاتهم خلف الكواليس، حجم الأزمة والتحديات التي يواجهونها.
ونفذّت حماس هجوماً في السابع من أكتوبر العام الماضي في جنوب إسرائيل، نتج عنه مقتل 1200 شخصاً وخطف 251 رهينة، احتجزوا في قطاع غزّة. وقتلت إسرائيل في عملية انتقامية عسكرية أكثر من 39600 شخص، بحسب وزارة الصحة في غزة التي تديرها حماس، وتسببت بإصابة عشرات الآلاف الآخرين.
تعرّض أكثر من نصف المباني في غزة للتدمير أو ولأضرار، ونزح جميع السكان تقريباً.
وتصاعدت المعارضة ضدّ حركة حماس التي تحكم منذ 2007. وتعرّض التنظيم نفسه لخسائر قاسية.
وجاء مقتل إسماعيل هنية في 31 يوليو/تموز في طهران – المكان الذي شعر دائماً بأنه جنة آمنة – بمثابة صدمة حقيقية للحركة.
وتبدو حماس مقتنعة بأنّ هنية قُتل بواسطة صاروخ مضاد للأفراد خلال تصفحه هاتفه. وقال الحرس الثوري الإيراني إن الصاروخ الذي استخدم كان يحمل رأساً متفجراً وزنه 7 كلغ. بينما أفادت بعض وسائل الإعلام الغربية أنه قتل بعبوة زرعت داخل غرفته.
بالعودة إلى صباح يوم التشييع في الدوحة، رجل في منتصف الستين من العمر، بشعر أبيض ولحية قصيرة ظلّ واقفاً في زاوية بعيداً عن الأضواء.
قال لي أحد مسؤولي الإعلام في الحركة “انتبه له جيداً” من هو؟ قال “إنه رجل الظلّ، أبو عمر حسن”.
أبو عمر حسن، أو محمد حسن درويش، رئيس مجلس الشورى، أعلى هيئة استشارية في حماس. وفق دستور حماس، كان في موقع متقدم ليكون رئيساً مؤقتاً للمنظمة حتى قدوم موعد الانتخابات الذي أُقرّ في مارس/آذار.
قيل لي “إنه رجل المهمّات الكبيرة”.
مع إنهاء التكريم الصباحي، بدأ عمل القادة الجدّي. عقدت الوجوه المخضرمة ورجال الظلّ اجتماعات على مدى يومين لانتخاب زعيم جديد في الدوحة، التي استضافت المكتب السياسي لحماس منذ عام 2012.
وقع اختيارهم على يحيى السنوار، زعيم الحركة في قطاع غزة منذ 2017. الخيار شكّل مفاجأة لكثيرين، لكنّ كلّ من تابع سيرته منذ إفراج إسرائيل عنه في عام 2011 في صفقة تبادل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، كان يعلم أنه من المرجح دائماً أن يقود (السنوار) حماس يوماً ما.
ليس في حماس قائد سياسي أقرب منه إلى جناح الحركة العسكري. شقيقه محمّد يقود أكبر كتائب حماس. أمّا محمد الضيف – المخضرم المراوغ الذي قاد جناح حماس العسكري لعقدين، حتى قالت إسرائيل إنها قتلته الشهر الماضي – فكان جار يحيى السنوار وصديقه وزميله في الدراسة. نشأ الاثنان سوياً في غزّة في مخيّم خان يونس للّاجئين.
ورغم كلّ هذا، قد يرى كثيرون أن تعيينه في أهمّ منصب في حركة حماس، ضرب من الجنون. تعتقد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إن السنوار خطّط ونفّذ الهجوم على مناطق الجنوب، وهو على رأس قمة المطلوبين.
أخبرني أحد كبار المسؤولين في حماس أن “هناك أعضاء في قيادة حماس لم يؤيدوا هذا القرار”. قال “عبّر بعض القادة عن مخاوفهم، ودفع آخرون بشخص أكثر اعتدلاً، لكن في النهاية حصل على أغلبية الأصوات”.
مسؤول آخر في حماس حضر الاجتماعات قال إنّ الحركة شعرت أنها غير قادرة على اختيار رجل الظل القوي أبو عمر حسن، لأنّه لا يملك ملفاً شخصياً معروفاً، وكان مجهولاً خارج الحركة، بينما منح هجوم السابع من أكتوبر يحيى السنوار شهرة عالمية.
“لقد أصبح السنوار علامة تجارية بعد 7 أكتوبر، ويحظى بشعبية كبيرة في العالمين العربي والإسلامي”. وأضاف المسؤول: “إنّه يتمتع بعلاقات وثيقة مع محور المقاومة الذي تدعمه إيران، وتعيينه في خضّم الحرب يبعث برسالة تحدّ لإسرائيل”.
ويضمّ “محور المقاومة” منظمات مسلّحة مدعومة من إيران. من بينها حزب الله اللبناني الذي يشكّل أيضاً تهديداً لإسرائيل.
وحثّ كثيرون من العرب وبعض المسؤولين الغربيين، حماس على عدم تسمية السنوار، زعيماً لها بسبب صلاته بهجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وتصنف العديد من الحكومات الغربية السنوار وحركة حماس على لائحة الإرهاب.
قال المسؤول “أحد أسباب تصويتنا له هو أننا نريد تكريمه على التخطيط للهجمات”. وأضاف “السابع من أكتوبر يعود له، لذلك يستحق قيادة الحركة”.
بعد مرور 10 شهور على الهجوم، فشلت جميع محاولات الاتفاق على وقف إطلاق النار حتى الآن.
علمت بي بي سي أن الوسيطين الرئيسيين – مصر وقطر – يعملان على اقتراح جديد لوقف إطلاق النار.
وتشير التسريبات إلى أن الخطة تستند إلى إقناع إيران بعدم الرد على اغتيال هنية على أراضيها، مقابل إنهاء إسرائيل حربها في غزّة وسحب قواتها من ممر فيلادلفيا.
ممر فيلادلفيا هو منطقة عازلة بعض أجزائها يصل إلى مئة متر، تمتد على مسافة 13 كلم من جانب غزة الحدودي مع مصر. حدود غزة الأخرى هي مع إسرائيل.
أخبرني مسؤول فلسطيني مطلع على مفاوضات وقف إطلاق النار التقيته في الدوحة: “لقد أرسلت المخابرات المصرية بالفعل فريقاً إلى الدوحة وهناك اجتماعات لصياغة خطة عمل تقوم على تجنيب المنطقة رد فعل إيراني محتمل … مقابل وقف إطلاق النار”.
في الوقت الحالي، يتصاعد صوت قرع طبول الصراع، وسط استعداد السنوار، الشخصية الأكثر تطرفا في حماس، قيادة المجموعة في السنوات الخمس المقبلة – إذا نجا من الحرب.