إيران وإسرائيل: أيهما تمتلك قوة نيرانية أكبر؟
على مدار الأيام الماضية، شنت جماعة حزب الله اللبنانية سلسلة من الهجمات بالصواريخ والمسيرات على شمال إسرائيل، منوهة عن أن ثأرها لاغتيال قياديّها البارز لم يأت بعد.
يأتي ذلك في ظل احتداد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، على نحو ينذر باتساع دائرة الصراع.
وفي ضوء الحديث عن حرب موسعة، كيف يمكن أن تتأثر أطراف تلك الحرب حال اشتعالها؟
في الأسبوع الماضي، أعلنت حماس مقتل زعيمها السياسي إسماعيل هنية، في هجوم بالعاصمة الإيرانية طهران، فيما لم تؤكد إسرائيل وقوفها وراء الهجوم.
ومنذ يوم الـ 13 من أبريل/نيسان الماضي، احتدت التوترات بين إسرائيل وإيران بعد قيام الأخيرة بشن هجمات بصواريخ ومسيّرات على الأولى رداً على ما قالت إيران أنه استهداف لقنصليتها في دمشق مطلع الشهر ذاته إلا أن إسرائيل لم تتبنى الهجوم أو تعلق عليه.
وقامت إسرائيل، فيما يبدو، بضرب هدف عسكري في إيران بطائرة مسيّرة.
وعلى الرغم من عدم وقوع إصابات بالغة في إسرائيل، إلا أن إمطار الدولة العبرية بأكثر من 300 صاروخ أظهر وبوضوح قدرة إيران على الضرب من مسافة بعيدة.
أيّ الطرفين يمتلك اليد الطولى؟
حاولت بي بي سي الإجابة على هذا السؤال مستعينة بالمصادر الواردة أدناه، على أن كلا الدولتين ربما تمتلك أسلحة مُهمة لم تكشف عنها اللثام بعد.
ويعقد المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية مقارنة بين القوة النيرانية لدى الجيشين الإسرائيلي والإيراني، عبر الاستعانة بعدد من المصادر الرسمية والمفتوحة، في محاولة للوصول إلى أفضل ما يمكن من التقديرات.
وقدّمت مؤسسات أخرى، مثل معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تقديراتها في هذا الصدد، لكن الدقة تتفاوت، لا سيما وأن الدول عادة لا تتيح أرقاما.
لكن نيكولاس مارش، من معهد أوسلو لأبحاث السلام، يقول إن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية يمكن أن يمثل مرجعية معيارية لتقدير القوة العسكرية للدول حول العالم.
ترصد إسرائيل، بحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، نفقات للدفاع أكثر مما ترصد إيران، ما يضمن لإسرائيل قوة كبيرة في حال نشوب أي صراع.
ويقول المعهد إن ميزانية الدفاع الإيرانية في عامَي 2022 و2023 كانت حوالي 7.4 مليار دولار، بينما كانت ميزانية الدفاع الإسرائيلية في الفترة نفسها حوالي 19 مليار دولار – أي أكثر من الضِعف.
وبالمثل، تأتي نسبة ما تنفقه إسرائيل على دفاعاتها مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي – حوالي ضِعف النسبة في إيران.
الخطوة التالية
صعّدت كل من إسرائيل وحزب الله هجماتهما المتبادلة، وأعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن مقتل فؤاد شكر، القيادي البارز في حزب الله، في يوم 30 يوليو/تموز 2024.
وأطلق حزب الله صواريخ على شمال إسرائيل، تصدّى نظام القبة الحديدي لمعظمها.
ومع ذلك، فإن جيريمي بيني، المتخصص في شؤون الدفاع في الشرق الأوسط، يحذر من أن حزب الله تمتلك من الصواريخ والقذائف أعدادا كبيرة، لدرجة لن تستوعبها، ولو بشكل مؤقت، أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية؛ بسبب كثرة تلك الصواريخ حال إطلاقها في آن واحد.
وأشار بيني إلى اعتماد إسرائيل على نظام القبة الحديدية في التصدي لصواريخ وقذائف حزب الله.
ومن معهد أوسلو لأبحاث السلام، يقول نيكولاس مارش، إن “إيران نشرت بالفعل قائمة موسّعة بأهدافها، وربما حاولت بذلك تشتيت الانتباه، لكن إسرائيل ستجد صعوبة على أي حال، في تأمين كل الأهداف الإيرانية المحتملة”.
ويحذر نيكولاس مارش قائلا إن “إسرائيل بحاجة إلى حساب عدد القذائف التي تستطيع إسقاطها قبل أن تصيب أهدافا على الأرض”.
هل يمكن أن يقع تصعيد كبير؟
يرى تيم ريبلي، محرر موقع ديفينس آي للشؤون العسكرية، أن الاستراتيجيين العسكريين ينبغي أن يفكروا “خارج الصندوق” عندما يتعلق الأمر بردّ إيران وحزب الله.
ويقول ريبلي لبي بي سي: “عليكم أن تفكروا بعقلية القيادات في إيران وحزب الله والحوثيين. لماذا تضيعون جهدكم في عمل الشيء نفسه مرتين؟”.
ويتوقع ريبلي أن تقوم إيران بتشجيع حزب الله على شن هجوم حدودي، بعد ما رأت من نجاح هجمات حركة حماس التي شنتها فجأة على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لاسيما وأن الهجمات الصاروخية التقليدية تفشل في اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية بسهولة.
كما يتوقع ريبلي أن تفكر إيران في مصادرة ناقلات نفط أجنبية.
لكن جيريمي بيني المتخصص في شؤون الدفاع في الشرق الأوسط، يختلف في هذه النقطة مع ريبلي، قائلا إن مثل هذا التصعيد غير متوقع.
ويعتقد جيريمي أنه رغم “تدريب وحدة الرضوان النخبوية في حزب الله على القيام بعملية عبر الحدود، لكن شعوري يرجح أن تلك القوة لن تُستخدم في هذه العملية الانتقامية”.
ويبرهن جيريمي على اعتقاده هذا بأن “الجيش الإسرائيلي سيكون على استعداد أفضل هذه المرة لهذا السيناريو الذي وقع من قبل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن اختطاف عدد من الإسرائيليين حتى لو كان ضئيلا سيكون كفيلا بإشعال تصعيد كبير، كما حدث في 2006”.
وفي عام 2006، نفذت إسرائيل هجوما بريا في لبنان بعد أن اختطفت جماعة حزب الله جنديين إسرائيليين. ووقع اقتتال شديد أسفر بدوره عن سقوط عدد كبير من القتلى على الجانبين.
ويرى تيم ريبلي، محرر موقع ديفينس آي، أنه ينبغي على إسرائيل أن تصعّد من هجماتها على جماعة حزب الله، من أجل خفض معنويات جنودها، فضلا عن التأثير على عتادها العسكري.
يقول ريبلي: “هذا ما فعله الإسرائيليون في لبنان عام 2006 وفي غزة الآن”.
تقدم تكنولوجي
تشير بيانات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إلى امتلاك إسرائيل 340 طائرة قتالية، ما يضمن لها التفوق في مضمار القصف الجوي الدقيق.
ومن بين هذه الطائرات القتالية طائرات من طراز إف-15 ذات المدى البعيد، وطائرات من طراز إف-35 عالية التقنية، والتي يمكنها التهرب من أجهزة الرادار، فضلا عن المروحيات الهجومية.
وعلى الجانب الآخر، تشير بيانات المعهد الدولي إلى امتلاك إيران حوالي 320 طائرة قتالية، بعضها يعود إلى حقبة الستينيات من القرن العشرين، كما تضم طائرات من طراز إف-4 وأيضا إف-14.
لكن نيكولاس مارش من معهد أوسلو لأبحاث السلام يرى أنه من غير الواضح كم طائرة تستطيع التحليق بالفعل بين هذه الطائرات القديمة، لا سيما وأن الحصول على قطع غيار هذه الطائرات هو أمر شديد الصعوبة بفضل العقوبات الغربية المفروضة على إيران.
القبة الحديدية ونظام السهم
يُعَد نظامَا القبة الحديدية والسهم بمثابة العمود الفقري للدفاع الجوي الإسرائيلي.
ويُعد مهندس الصواريخ أوزي روبين، مؤسس منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلي بوزارة الدفاع. وهو حالياً باحث كبير في معهد القدس للاستراتيجية والأمن.
وفي حديث لبي بي سي ، أعرب روبين عن مدى شعوره بالأمان عندما رأى نظام القبة الحديدية مع الحلفاء الدوليين يدمرون تقريبا كل الصواريخ والمسيّرات التي أطلقتها إيران يوم 13 أبريل/نيسان.
وقال روبين: “شعرت بسعادة غامرة. إنه نظام متخصص جدا. نظام دفاعي مضاد للصواريخ قصيرة المدى. لا شيء شبيه بذلك في أي نظام آخر”.
كم تبعد إيران عن إسرائيل؟
تقع إسرائيل على مسافة أكثر من 2,100 كم من إيران. وتعدّ الصواريخُ الطريقةَ الوحيدة التي يمكن أن تضرب بها إحداهما الأخرى، بحسب تيم ريبلي محرر موقع ديفينس آي.
ويعدّ برنامج الصواريخ الإيراني، الأضخم والأكثر تنوّعا في الشرق الأوسط.
وفي عام 2022، قال الجنرال كينيث ماكنزي من القيادة المركزية الأمريكية، إن إيران لديها “ما يزيد على ثلاثة آلاف” صاروخ باليستي.
وعلى الجانب الآخر، تقوم إسرائيل بتصدير صواريخ لعدد من الدول، بحسب مشروع الدفاع الصاروخي التابع للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
صواريخ إيران ومسيّراتها
قامت إيران بعمل تحديثات موسعة على نُظمها الصاروخية منذ حربها مع جارتها العراق في الفترة ما بين 1980 و1988.
وبالفعل، طوّرت إيران صواريخ طويلة المدى ومُسيرات، العديد منها قامت بإطلاقه مؤخراً باتجاه إسرائيل.
ووجد محللون أن هناك صواريخ إيرانية الصُنع أطلقتها جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن على السعودية.
“العقاب” عبر هجوم طويل المدى
يستبعد تيم ريبلي، محرر موقع ديفنيس آي، أن تُقدِم إسرائيل على خوض حرب برية مع إيران، قائلا: “نقطة تميُّز إسرائيل الكبرى تتمثل في قوتها الجوية وأسلحتها الموجّهة، ما يجعلها أكثر ميلا إلى شن ضربات جوية ضد أهداف رئيسية في إيران”
ويرجح ريبلي أن تقتل إسرائيل مسؤولين إيرانيين وتدمّر منشآت نفطية إيرانية من الجو.
يقول ريبلي: “العقاب هو لُبّ الموضوع … القادة العسكريون والسياسيون الإسرائيليون يستخدمون كلمة العقاب طوال الوقت. هي جزء من فلسفتهم، التي ترى جدوى من توجيه ضربات مؤلمة لخصومهم حتى يفكّر هؤلاء مرتين قبل أن يهاجموا إسرائيل”.
وفي الماضي، لقيت قيادات عسكرية ومدنية إيرانية مصرعها عبر هجمات جوية، منها الهجوم الذي استهدف مبنى تابعا لقنصلية إيران في العاصمة السورية دمشق في الأول من أبريل/نيسان الماضي، وهو الهجوم الذي استتبع بدوره هجوما إيرانيا.
ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن هذا الهجوم ولا عن عدد من الهجمات التي استهدفت مسؤولين إيرانيين بارزين.
ومع ذلك، فإن إسرائيل في المقابل لم تنفِ تلك المسؤولية.
يضم الأسطول البحري الإيراني العتيق نحو 220 سفينة، في مقابل نحو 60 سفينة تابعة للأسطول البحري الإسرائيلي، بحسب تقارير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
ويرى مراقبون أن أسطول إيران البحري لا يمتلك القدرة على القتال في حرب.
الهجمات السيبرانية
تمتلك إسرائيل ما تخشى ضياعه أكثر مما تمتلكه إيران عند الحديث عن الهجمات السيبرانية أو الحروب الإلكترونية.
ويعدّ نظام الدفاع الإيراني أقل تطوراً على الصعيد التقني من نظيره الإسرائيلي، وعليه فإن هجوما إلكترونيا على الجيش الإسرائيلي كفيل بإيقاع قدر أكبر من الخسائر.
وتقول الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في إسرائيل، إن “الهجمات السيبرانية باتت أكثر كثافة من ذي قبل، على الأقل بمقدار ثلاثة أمثال، في كل القطاعات الإسرائيلية. وقد زاد التعاون بين إيران وحزب الله في أثناء حرب غزة”.
ورصدت الهيئة الإسرائيلية 3,380 هجوما سيبرانيا في الفترة ما بين السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ونهاية العام نفسه.
على الجانب الآخر، قالت منظمة الدفاع المدني في إيران إنها تصدّت لنحو 200 هجوم سيبراني في الشهر السابق للانتخابات التشريعية الأخيرة.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال وزير النفط الإيراني جواد أوجي، إن هجوما سيبرانيا تسبب في تعطيل محطات الوقود في عموم البلاد.
التهديد النووي
يُفترض أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية خاصة، لكنها تتبنى سياسة رسمية بالغموض المتعمد.
على الجانب الآخر، لا يُعتقد أن إيران تمتلك أسلحة نووية، وعلى الرغم من اتهامات تناقض ذلك، فإن إيران تنفي سعيها لاستغلال برنامجها النووي المدني لكي تصبح دولة نووية.
الجغرافيا والديموغرافيا
إيران أكبر حجماً من إسرائيل، كما أن تعداد سكان إيران يناهز الـ 89 مليون نسمة، أي ما يماثل تسعة أمثال تعداد سكان إسرائيل الذي يبلغ عشرة ملايين نسمة.
ويماثل تعداد الجيش الإيراني نحو ستة أمثال تعداد الجيش الإسرائيلي، بحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
ما هي الحرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران؟
على الرغم من عدم انخراط كل من إسرائيل وإيران في حرب رسمية حتى اليوم، إلا أنهما بالفعل في صراع غير رسمي.
وفي خضم هذا الصراع، تعرضت شخصيات إيرانية مهمة للقتل في دول أخرى بهجمات تشير معظم أصابع الاتهام فيها إلى إسرائيل.
بينما في المقابل، تستخدم إيران حلفاءها في مهاجمة أهداف إسرائيلية.
وتضطلع جماعة حزب الله اللبنانية بالنصيب الأكبر في حرب إيران بالوكالة ضد إسرائيل. ولا تنكر إيران دعمها حزب الله.
وبالمثل، تدعم إيران حركة حماس في غزة. وقد شنت الحركة الفلسطينية هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول على جنوب إسرائيل، كما أنها تطلق منذ عقود صواريخ من قطاع غزة على مناطق إسرائيلية.
وتعتقد إسرائيل، ودول غربية، أن إيران تدرّب مسلحي حماس وتمدهم بالعتاد.
ويُنظَر بشكل كبير إلى الحوثيين في اليمن على أنهم يحاربون بالوكالة نيابة عن إيران. وتقول السعودية إن صواريخ صُنعت في إيران يطلقها الحوثيون باتجاه الأراضي السعودية.
وفي العراق وسوريا توجد جماعات على قدر كبير من القوة مدعومة من إيران التي تدعم أيضا الحكومة السورية.
ويقال أيضا إن إيران تستخدم الأراضي السورية لشن هجمات على إسرائيل.