أولمبياد باريس 2024 : كيف تحدت شقيقتان أفغانيتان حركة طالبان لتحقيق حلمهما الأولمبي؟
- Author, فيروز رحيمي وبيتر بول
- Role, بي بي سي وورلد سيرفيس من إيغل، سويسرا
أثناء سيرها بسرعة بالدراجة على طريق في سفوح جبال الألب السويسرية، تضغط فاريبا هاشمي بقوة على دواسات دراجتها التي تبلغ قيمتها 15 ألف جنيه إسترليني، لتضييق الفجوة بينها وبين شقيقتها يولدوز، التي تبعد بضعة أمتار عنها.
إن مثل هذه الرحلات التدريبية هي الخطوات الأخيرة في رحلة بدأت مع الشقيقتين من ريف أفغانستان حيث كانتا تتسابقان متنكرتين على دراجات مستعارة، قبل أن تُضطرا إلى الهروب من البلاد عندما وصلت حركة طالبان إلى السلطة.
وتخوض الشقيقتان الألعاب الأولمبية في باريس. وعلى الرغم من قرار طالبان الذي يحظر على النساء ممارسة الرياضة، فإنهن تمثلان أفغانستان.
التحدي
لقد نشأتا في فارياب، وهي واحدة من المقاطعات النائية والمحافظة في أفغانستان، حيث لم يسمع من قبل عمليا عن رؤية النساء على الدراجات.
كانت فاريبا تبلغ من العمر 14 عامًا ويولدوز 17 عامًا عندما شاهدتا إعلانًا عن سباق دراجات محلي وقررتا المشاركة.
وكانت هناك مشكلتان، الأولى أنه لم يكن لديهما دراجة، والثانية أنهما لم تعرفا كيف تقودان الدراجات.
استعارت الأختان دراجة أحد الجيران بعد ظهر أحد الأيام. وبعد ساعات قليلة، شعرتا أنهما قادرتين على قيادة الدراجة.
وكان التحدي التالي الذي واجهنه هو تجنب معرفة الأسرة بما تفعلانه بسبب الوصمة المحيطة بالنساء اللاتي يشاركن في الرياضة في المناطق المحافظة في أفغانستان.
واستخدمت الأختان اسمين مستعارين وارتديتا ملابس فضفاضة كبيرة وغطائي رأس كبيرين ونظارات شمسية حتى لا يتعرف عليهما الناس.
وبزغ فجر يوم السباق، وجاءت الأختان في المركزين الأول والثاني بشكل لا يصدق.
وتقول فاريبا: “لقد كان شعورًا رائعًا، شعرت وكأنني طائر يستطيع الطيران”.
لقد استمرتا في دخول السباقات وواصلتا الفوز حتى اكتشف والداهما ذلك في النهاية عندما رأوا صورًا لهما في وسائل الإعلام المحلية.
وتقول فاريبا: “لقد كانا منزعجين في البداية، لقد طلبا مني التوقف عن ركوب الدراجات”. وتبتسم قائلة: “لكنني لم أستسلم، لقد واصلت العمل سراً”.
ولم يخلو الأمر من المخاطر، فقد حاول البعض دهسهم بالسيارات أو عربات الريكشو أثناء ممارستهما ركوب الدراجات، كما تعرضتا أيضا للرشق بالحجارة.
وتقول يولدوز: “كان الناس يسيئون معاملتنا، وكل ما أردت فعله هو الفوز بالسباقات”.
وكان الوضع على وشك أن يصبح أسوأ.
الفرار من أفغانستان
وفي عام 2021، بعد 4 سنوات من بدء الشقيقتين ركوب الدراجات، استعادت حركة طالبان السيطرة على البلاد وقمعت حقوق المرأة، وقيدت حصولها على التعليم وحددت كيفية سفرها، كما منعوا النساء من المشاركة في الرياضة.
وكانت يولدوز وفاريبا تحلمان بالمنافسة يومًا ما في الألعاب الأولمبية. وقد أدركتا بعد وصول طالبان للسلطة أنه إذا أرادتا المشاركة في السباق، فعليهما مغادرة أفغانستان.
وباستخدام علاقتهما في مجتمع ركوب الدراجات، تمكنتا من تأمين مقعدين على متن رحلة إجلاء إيطالية، إلى جانب 3 زميلات في الفريق.
وبمجرد وصولهن إلى إيطاليا، انضمت النساء إلى فريق ركوب الدراجات وحصلن على التدريب المناسب لأول مرة.
وتقول يولدوز: “في أفغانستان، لم يكن لدينا تدريب احترافي، كل ما كنا نفعله هو ركوب دراجاتنا”.
لكن ترك الوطن والعائلة لم يكن سهلاً.
وتقول فاريبا: “إن أكبر شيء بالنسبة لي هو الابتعاد عن والدتي، لم أعتقد قط أنه بسبب ركوب الدراجات سأنفصل عن إخوتي وأخواتي، لقد ضحيت بالكثير”.
كما ألقى استيلاء طالبان على أفغانستان بظلال من الشك على ما إذا كان سيتم السماح للبلاد بالمنافسة في الألعاب الأولمبية.
فمن المفترض أن تقوم اللجان الأولمبية الوطنية باختيار الرياضيين للألعاب دون أي تدخل حكومي.
وبما أن الحظر الذي فرضته حركة طالبان على ممارسة النساء للرياضة يخالف هذه القاعدة، ظهرت دعوات لمنع البلاد من المشاركة في الألعاب الأوليمبية، كما حدث عندما كانت طالبان في السلطة سابقا.
لكن اللجنة الأولمبية الدولية أرادت إيجاد طريقة للسماح للنساء الأفغانيات بالمنافسة في الألعاب.
وجرت خلف الكواليس محادثات بين رؤساء الهيئات الرياضية الأفغانية، بما في ذلك بعض الذين يعيشون الآن في المنفى، حول تشكيل فريق خاص لتمثيل البلاد في باريس.
التوجه إلى باريس
مع مرور الوقت، واقتراب دورة باريس 2024، بدا الأمر كما لو أنه لن يشارك أي رياضي أفغاني في الألعاب.
ثم أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية في يونيو/حزيران الماضي أنها رتبت لفريق خاص يمثل أفغانستان للذهاب إلى أولمبياد باريس، وسوف يتكون من 3 نساء و3 رجال، ومن بينهم الأختان.
وتقول فاريبا: “كانت هذه مفاجأة كبيرة لكلينا”.
ومن جانبها، تضيف يولدوز قائلة: “لقد حلمنا دائمًا بالمشاركة في الألعاب الأولمبية، وهذا هو حلمنا الذي تحقق”.
ومضت قائلة: “على الرغم من كل الحقوق التي سلبت منا، يمكننا أن نظهر أننا قادرتين على تحقيق نجاح كبير، وسنكون قادرتان على تمثيل 20 مليون امرأة أفغانية”.
وتقول اللجنة الأولمبية الدولية إنه لن يُسمح لأي مسؤول من طالبان بحضور أولمبياد باريس 2024.
الاستعدادات النهائية
واستعدت الأختان لفعالية سباق الدراجات على الطريق الأولمبي من خلال التدريب مع فريق تطوير يديره ويموله الاتحاد الدولي للدراجات ومقره في المركز العالمي للدراجات، وهو منشأة حديثة للغاية في مدينة إيغل السويسرية.
وتقع مرافق المنشأة في مكان بعيد كل البعد عن الطرق المتربة في أفغانستان حيث علمت يولدوز وفاريبا نفسيهما لأول مرة ركوب الدراجة.
لكن روحهما تبقى كما هي.
وتقول يولدوز: “نحن قوة بعضنا البعض، أنا أدعمها وهي تدعمني”.
وتضيف فاريبا: “إن إنجازنا يُنسب إلى أفغانستان، فهذا أمر يخص النساء الأفغانيات، سأذهب إلى الألعاب الأولمبية بسببهن”.