الجزائر تستنسخ “سيناريو إسبانيا” .. وفرنسا ملزمة بإقناع أوروبا
قال بيير لوي ريمون، أكاديمي ومحلل سياسي فرنسي مختص في العلاقات الدولية، إن “دعم فرنسا مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعزز مواقف مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، لتصل إلى دعم الموقف المغربي من ملف الصحراء”.
وأضاف ريمون، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن غضب الجزائر من القرار الفرنسي “هو السيناريو نفسه الذي حدث مع إسبانيا بعدما اتخذت خطوة دعم الموقف المغربي”.
واعتبر المحلل السياسي الفرنسي أنه على المستوى الطويل، وفي ظل الدعم الدولي المتزايد لمخطط الحكم الذاتي المغربي، “ستعي الجزائر الأمر الواقع، وتتقبله أيضا”.
وشدد ريمون على أن ملف الصحراء يسير بعد الدعم الفرنسي لمخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل وحيد للنزاع، ومواقف دولية مماثلة ومتزايدة، “في اتجاه حله بشكل سريع”.
نص الحوار:
أولا هل دعم فرنسا الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية على الصحراء يشكل دفعة لإنهاء النزاع لصالح المغرب؟
هو دعم إضافي سبقه دعم كبير من أمريكا ترامب، وإسبانيا. واليوم الموقف الفرنسي خطوة من النوع الخاص، مميزة للغاية، على اعتبار أن العلاقات الدبلوماسية بين باريس والرباط لها روابط جد متينة، رغم بعض التعثرات في فترات معينة؛ فالثقافة والاقتصاد والمنطق تعزز بشكل متواصل هذه العلاقة، وقضية الصحراء هي منطقية تحت السيادة المغربية. كما أن فرنسا بهذا الموقف إنما تتوج أحد العناصر الأساسية لدبلوماسيتها، وطيلة السنوات الماضية كانت تبحث عن عناصر تثبت موقفها بشكل أكبر.
كيف يمكن لهذا الدعم أن يدفع مجلس الأمن إلى تبني خطة الحكم الذاتي وحدها كحل سياسي للنزاع؟.
مهم جدا أن فرنسا لها عضوية في مجلس الأمن. وبعد هذا الموقف نجد عضوين ( فرنسا وأمريكا) يدعمان الموقف المغربي بكل وضوح، ما يعني أن الأمر أصبح يتجاوز الدبلوماسية الثنائية (بين المغرب وفرنسا) ليصل إلى دبلوماسية عالمية؛ وبالتالي يمكن لفرنسا أن تستثمر موقفها بجانب أمريكا في هذا الصدد، مهما كانت الإدارة المقبلة بعد الانتخابات.
على صعيد آخر، هل يمكن أن يضع الموقف الفرنسي الاتحاد الأوروبي أمام مرحلة جديدة من التفكير في خطوات متقدمة؟.
نعلم أن فرنسا وألمانيا تلعبان الثنائية الاقتصادية والدبلوماسية البراغماتية في أوروبا، وباريس كانت تسعى دائما إلى أن تثبت نفسها كقوة دبلوماسية أوروبية، وفي الوقت نفسه راكمت تجربة قوية في العلاقات مع حوض المتوسط، وعلى الخصوص مع المغرب. وبه وجب على باريس أن تقنع باقي الدول الأوروبية، خاصة الكبرى، بأهمية دعم مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
لقد كانت الجزائر غاضبة من هذا القرار، وسحبت سفيرها من فرنسا، كيف ترى هذه الخطوة؟.
أولا الموقف الفرنسي ليس عدائيا تجاه الجزائر بأي شكل من الأشكال، فيما ردود فعل الدبلوماسية الجزائرية كانت متوقعة. ونذكّر بأن فرنسا أعادت تفعيل المياه الباردة مع الجزائر عبر مجموعة من الإشارات الدبلوماسية القوية، خاصة منها رأب صدع ملف الذاكرة. وبه فالغضب الدبلوماسي يزول كما تزول فترات التوتر، خاصة أن الجزائر بعد كل هذا قد تعي أن الموقف الفرنسي لن يتغير.
هل يزيد القرار تأكيد الجزائر نفسها طرفا رئيسيا في النزاع؟.
الخطوة الجزائرية تقليدية، طالما أن دولة وازنة مثل فرنسا اتخذت مثل هذا الموقف؛ وبالتالي فالموقف الجزائري ليس مفاجئا، بل منتظر، وفي الوقت نفسه ليست للجزائر مصلحة أن تكون طرفا في النزاع، وأن تعمل على تأجيج أزمة ليست وليدة إلا موقف يجانب المنطق، ومن المفترض أن تتقدم تجاه المنطق وليس العكس.
هل كررت الجزائر خطأ إسبانيا بسحب سفيرها؟ وهل ترى أن السيناريو نفسه يعاد؟.
نعم، السيناريو نفسه يعاد، لسبب مهم جدا، هو أنه بين الجزائر وفرنسا علاقات اقتصادية قوية وأساسية، عبر استثمارات جالية جزائرية في فرنسا؛ وبالتالي يستبعد أن أن تلغي الجزائر فترات من التاريخ المشترك، والعلاقات الاقتصادية الدبلوماسية المشتركة، في لحظة. وبه أنا أعتقد بشكل جازم أن السيناريو الإسباني يتكرر أمامنا، خاصة أن العلاقات بين البلدين تاريخية ومميزة.
هل ترى أن الجزائر تستعمل ورقة الغاز ضد فرنسا؟ وهل ستكون هناك تأثيرات، علما أن إسبانيا لم تتأثر كثيرا؟.
السيناريو نفسه سيقع. نعم قد تستعمل الجزائر ورقة الغاز، لكن هذه المرة يتعلق الأمر بفرنسا، التي لديها احتياطيات كبيرة من هذه المادة، واستثمارات خارجية مهمة؛ وبالتالي لن يبلغ الأمر حدا كبيرا، وسيقع ما وقع مع إسبانيا التي تأثرت قليلا فقط، عكس اللهجة الدبلوماسية الجزائرية وقتها.
برأيك، هل تستوعب الجزائر مستقبلا أهمية مخطط الحكم الذاتي المغربي لحل النزاع؟.
بالطبع، عندما تتوالى قائمة البلدان الداعمة لمخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية أعتقد أن الجزائر مستقبلا ستستوعب توجّه الدبلوماسية الدولية نحو الأمر الواقع. وأشير إلى الفرق بين اللهجة الدبلوماسية اللحظية (الغضب والتوتر )، والانعكاسات طويلة الأمد. وهنا أنا متأكد أن الجزائر لن تستوعب فقط، بل ستقبل واقع الأمر، وتطوي صفحة الماضي، لتفتح جيل الدبلوماسية الناجحة الراغبة في الاستثمار والمنفعة، عوض تكبيل وشلّ الآفاق المستقبلية بما يعود بنتائج سلبية لا غير.
كيف ترى مستقبل العلاقات بين الجزائر وفرنسا في ظل هذا الوضع؟.
طبعا عندما تكون هناك أزمة دبلوماسية وتوتر، تطرح علامات استفهام حول المستقبل. وفي هذه الحالة يصعب وضع توقعات صائبة وملموسة؛ فلا أحد مثلا في فرنسا يريد أن تتأجل زيارة الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون. وبه بطبيعة الحال لا بد من أزمة تستمر لمدة محددة، على أن تعود المياه إلى مجاريها مستقبلا
في ظل هذا الدعم الدولي للمغرب في ملف الصحراء، هل اقتربت نهاية النزاع برأيك؟.
أتوقع بكل صدق وأمل، وأيضا برؤية براغماتية، أن يجد الملف قريبا طريقا سريعا إلى حل نهائي، فالاعتراف الدبلوماسي الدولي بالموقف المغربي لا يمكن إلا أن يشكّل أرضية تذهب بالأطراف الرافضة للحل المغربي إلى التفكير بشكل جدي، وأيضا في المستقبل.