جويطي يعود إلى عوالم إدمون عمران المليح في مختارات “مُربّي الكلمات”

بعنوان “مُربّي الكلمات”، يقدّم الروائي المغربي عبد الكريم جويطي مختارات تصون “صوت وأظافر” إدمون عمران المليح، الروائي والكاتب والسياسي المغربي البارز، مقدمة مساره وقارئة منجزه الأدبي وآراءه انطلاقا من تجربة بعض من عايشوه وحوارات منتقاة مقدمة باللغة العربية أو مترجمة إليها؛ من بينها الموقف الحاسم لمواطن ولد لعائلة مغربية يهودية، ناضل من أجل استقلال المملكة، هو من الأسماء الرئيسية المناهضة للصهيونية والمساندة لفلسطين والفلسطينيين ضد دولة الاحتلال إسرائيل.
محمد الأشعري، الروائي ووزير الثقافة السابق، ذكر، في تقديم للكتاب الصادر عن “فالية للطباعة والنشر والتوزيع”، أنه “تحية نحتاجها أكثر ممن يحتاجها؛ لأننا في هذه المرحلة التي تتهاوى فيها الجغرافيات والأحلام نحتاج جوهريا إلى قراءة موتانا نحن الذين بتأثير لعنة غامضة ندفن مع الراحلين أعمالهم”.
وأضاف الأشعري: “إنها حاجتنا إلى قراءة نصوص الغائبين مضاءة بغيابهم، نحتاج إلى هذه الزيارة التي يقودنا في ‘مجراها الثابت’ واحد من الذين استمعوا كثيرا لإدمون، وارتادوا معه نصوصا وأماكن جعلته يعتنق هو أيضا تلك القناعة التي كان إدمون متشبعا بها في الكتابة وفي الحياة، والتي تعتبر الكتابة سباقا مع الكتابة وليس مع الزمن، هو الذي لم ينشر كتابه الأول إلا وهو على مشارف الستين”.
هذه القناعة كانت، وفق الروائي المغربي، “تجسيدا لاختيار يعتبر الإبداع قضية حياة أو موت، لا يطلبها أحد من أحد، لا نستجيب بها لضرورات الاستعمال الظرفي؛ بل نقتطعها لحما ودما من عشقنا للجمال والحرية”، ثم أردف قائلا: “ذلك كان اختيار المليح والخطيبي ومحمد خير الدين وآخرين ممن بترنا الموت منهم وبترنا أنفسنا منهم بالنسيان”.
ثم تابع رئيس اتحاد كتاب المغرب السابق: “عندما تفتح اليوم كتاب إدمون عمران المليح فإننا نفتح أبواب تلك الأسئلة العميقة حول الأدب والمقاومة، والأدب والتجربة، الأدب والذاكرة، الأدب والحقيقة، وبنفس القوة نفتح أبواب الشك في ما يستطيعه الأدب أو لا يستطيعه، وأبواب اليقين بكون الكتابة لا تتوسل بنبل قضاياها؛ بل بإنجازها الجمالي الذي هو شرطها الأول والأخير”.
وزاد الأشعري: “في ‘عودة أبو الحكي’ يقدم إدمون عمران المليح نفسه كسارق حكايات يعترف بأن لا شيء في الكتابة يطابق حقيقة ما، إنها فقط ‘لعبة تتشابه دون تشابه’، ولأنها كذلك، فإنه يود ‘أن يصبح الحكي عنده ناعما أبيض، مجرد أسطورة جميلة، لا يتدخل العقل فيها لإيقاف تدفق ماء الكلام”.
واسترسل صاحب “ثلاث ليال”، في تقديمه كتاب صاحب “المغاربة” حول صاحبِ “أيلان أو ليل الحكي”، قائلا: “من المدهش حقا أن تحفل نصوص المليح بتفاصيل مذهلة تشكل النسيج الأصلي الذي يبذر فيها حكيه الناعم الأبيض، ومع ذلك نجد عنده كل هذا الإصرار على التخلص من الزائد على اللزوم، من ‘الاستعارة المتهورة’، وإطفاء كل ذلك اللهب الذي يشب في المشاعر والأفكار بنوع من نسيج الخواء يسمح ‘لنمو الحكي’ ، كما يسميه، أن يهب من مكمنه عندما ينجح الكاتب في تحضير البياض الفصيح الذي يشبه جير حائط في مدينة قديمة أو هوة من الغياب المتراكب كما في لوحة لخليل غريب”، التشكيلي صديق الراحل إدمون المليح.
وختم الأشعري كتابته حول “مربي الكلمات” خاطا: “بهذا التوتر في العلاقة بالكتابة وبالحقيقة التي تهرب من أصابعنا ونحن نراود الكلمات، ينسج المليح علاقته بالعالم ويمارس مرحا لعبة التشابه بين ما نعيشه وبين ما نكتبه”، ثم أجمل قائلا: “ولعل عبد الكريم جويطي وهو يستعيد هذا الوجه الاستثنائي في ثقافتنا الحديثة، يستعيد معه أيضا هذا التفكير الضروري في الكتابة كتوق دائم إلى بناء اليقين المرتبط بها وتقويضه أمام كل صفحة بيضاء”.