الشيخة حسينة: استقالة رئيسة وزراء بنغلاديش ومغادرتها البلاد، والجيش يتولى المسؤولية ويعلن تشكيل حكومة مؤقتة
- Author, أنبرسان إثيرجان وأميمة الشاذلي
- Role, بي بي سي نيوز – بي بي سي عربي
استقالت رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة من منصبها وغادرت البلاد اليوم الاثنين، بعد اقتحام المتظاهرين لقصرها، في الوقت الذي قُتل فيه المزيد من المواطنين فيما وصف بأنه واحد من أسوأ أعمال العنف في البلاد منذ أكثر من خمسة عقود.
وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية قُتل ما لا يقل عن 56 شخصاً خلال احتجاجات عنيفة وقعت اليوم الاثنين.
واقتحم محتجون مبتهجون قصر رئيسة الوزراء بعد سماع خبر فرارها، بعد أكثر من شهر من الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
ولوحت الحشود المبتهجة بالأعلام، ورقص البعض فوق دبابة في شوارع دكا صباح الاثنين، قبل أن يقتحم المئات بوابات المقر الرسمي لحسينة.
وبثت قناة (بنغلاديش 24) صوراً للحشود وهي تركض إلى المجمع، وتلوح للكاميرا أثناء الاحتفال.
وكان مصدر مقرب من حسينة، التي تبلغ 76 عاماً، قد صرح في وقت سابق لوكالة فرانس برس بأنها غادرت قصرها إلى “مكان أكثر أمانا”.
وبحسب التقارير، فإن “المكان الآمن” الذي اتجهت إليه الشيخة حسينة هو جارتها الهند، التي تعد أكبر حليفة لها، منذ انتخابها لأول مرة في عام 1996، حيث أكدت الشيخة حسينة على أن الهند ساعدت بنغلاديش خلال حرب الاستقلال في عام 1971.
وأعلن قائد الجيش في بنغلادش، وقر الزمان، في خطاب متلفز للأزمة بعد ظهر الاثنين، أنه “سيتولى المسؤولية كاملة” بعد استقالة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة وفرارها من البلاد، رغم أنه ما زال غير واضح إن كان سيرأس الحكومة الجديدة.
وقال هو يرتدي زيا عسكريا “لقد عانت البلاد كثيراً، وتضرر الاقتصاد، وقُتِل كثير من الناس. حان الوقت لوقف العنف”، مضيفاً أنه سيُجرى تشكيل حكومة مؤقتة، وأنه سيلتقي بالرئيس محمد شهاب الدين، آملاً في التوصل إلى حل بحلول نهاية اليوم.
كما تعهد وقر الزمان أيضاً بتحقيق العدالة لكل أبناء الشعب البنغلاديشي، وهو ما طالب به المحتجون في أعقاب مقتل المئات على مدى الأسابيع القليلة الماضية.
وأضاف قائد الجيش أنه تحدث بالفعل إلى الأحزاب السياسية المعارضة في البلاد، ولم يُجرِ محادثات مع حزب “رابطة عوامي” الذي تتزعمه حسينة، لكن لم يتضح بعد من سيتولى رئاسة الحكومة.
وقال مصدر مقرب من حسينة لوكالة فرانس برس إن حسينة فرت من البلاد بطائرة مروحية بعد وقت قصير من اقتحام المتظاهرين لقصرها في دكا.
يأتي ذلك في الوقت الذي أفادت فيه وكالة فرانس برس للأنباء، بمقتل نحو 300 مواطن حتى الآن، بينهم نحو 100 قتيل في يوم الأحد وحده، بما يشمل 13 ضابط شرطة، وهو أسوأ رقم للضحايا في يوم واحد خلال المظاهرات التي شهدها تاريخ بنغلاديش الحديث.
وتقول وسائل الإعلام والمحتجون في بنغلاديش إن الشرطة مسؤولة إلى حد كبير عن ارتفاع عدد القتلى، في حين تقول الحكومة إن عناصر الشرطة لم يفتحوا النار إلا دفاعاً عن النفس أو حمايةً لممتلكات الدولة.
وردت الحكومة في وقت سابق بتنفيذ حظر تجوال غير مسبوق على مستوى البلاد، ومواصلة قطع الوصول إلى الإنترنت في أجزاء من البلاد، التي يبلغ عدد سكانها 170 مليون نسمة.
الشيخة حسينة “محبطة”
صرح نجل الشيخة حسينة لبي بي سي بأن والدته لن تعود إلى الساحة السياسية، قائلاً إنها “محبطة للغاية بعد كل عملها الشاق، لأن الأقلية ثارت ضدها”.
وفي حديثه إلى بي بي سي، قال ساجيب وازد جوي، الذي كان مستشاراً رسميا لرئيسة الوزراء حتى آخر لحظة، إن والدته كانت تفكر في الاستقالة منذ أمس، وغادرت البلاد لضمان سلامتها بعد إصرار عائلتها.
وفي دفاعه عن تاريخ والدته في السلطة، قال إن الشيخة حسينة “قلبت بنغلاديش رأساً على عقب. كانت دولة فقيرة، واليوم كانت تعد واحدة من النمور الصاعدة في آسيا. إنها محبَطة للغاية”.
ويرفض جوي الاتهامات بأن الحكومة كانت قاسية في التعامل مع المحتجين، قائلاً إن عناصر الشرطة تعرضوا للضرب حتى الموت، مضيفاً أن 13 منهم قضوا أمس وحده.
وأضاف متسائلاً: “ماذا تتوقع من الشرطة أن تفعل عندما يضرب الغوغاء الناس حتى الموت؟!”
جدير بالذكر أن الغالبية العظمى من الوفيات نتيجة الاحتجاجات الأخيرة كانت من صفوف المحتجين.
ويقول لطفي صديقي، الأستاذ الزائر بكلية لندن للاقتصاد، إن تغيير النظام في بنغلاديش “أمر لا مفر منه من الناحية الاقتصادية”، وما حدث كان مسألة وقت.
وقال صديقي لبي بي سي: “يبدو أن حكومة الشيخة حسينة فقدت الحق والقوة في الحكم. وسوف تنفد قريباً الموارد اللازمة لذلك أيضاً. إن بنغلاديش على وشك الانهيار الاقتصادي”.
كيف بدأت الاحتجاجات؟
حكمت حسينة بنغلاديش من عام 2009 وفازت بانتخاباتها الرابعة على التوالي في يناير/كانون الثاني بعد تصويت دون معارضة حقيقية.
واتهمت جماعات حقوق الإنسان حكومتها بإساءة استخدام مؤسسات الدولة لترسيخ قبضتها على السلطة والقضاء على المعارضة، بطرق تشمل القتل خارج نطاق القانون لنشطاء المعارضة.
وبدأت المظاهرات الشهر الماضي بسبب إعادة تطبيق نظام الحصص الذي خصص أكثر من نصف الوظائف الحكومية لمجموعات معينة، وتصاعدت الاحتجاجات رغم أن المحكمة العليا في البلاد خفضت من حجم الخطة.
واندلعت الاحتجاجات، التي استمرت منذ أوائل يوليو/تموز، بمطالبَ سلميةٍ من طلاب الجامعات، بإلغاء الحصص في وظائف الخدمة المدنية، التي يُخصص ثلثها لأقارب المحاربين القدامى في حرب بنغلاديش من أجل الاستقلال عن باكستان عام 1971.
وزعم الناشطون أن النظام تمييزي ويجب إصلاحه، لكن وعلى الرغم من تلبية مطالبهم إلى حد كبير، فقد تحولت الاحتجاجات منذ ذلك الحين إلى حركة مناهضة للحكومة على نطاق أوسع.
وكانت الشيخة حسينة تحكم البلاد منذ عام 2009، وقد وصفت المتظاهرين ضد إدارتها بأنهم “إرهابيون يسعون إلى زعزعة استقرار الأمة”.
ودعت الأمم المتحدة إلى إنهاء “العنف المروع”، وحثت السياسيين وقوات الأمن في بنغلاديش على ضبط النفس.
وقال رئيس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك في بيان يوم الأحد: “يتعين على الحكومة أن تكف عن استهداف المشاركين سلمياً في حركة الاحتجاج، والإفراج فوراً عن المعتقلين تعسفياً، واستعادة الوصول الكامل إلى الإنترنت، وخلق الظروف لحوار هادف”.
وتقول الدكتورة سامينا لُطفا، الأستاذة المساعدة لعلم الاجتماع في جامعة دكا، لبي بي سي: “لم يعد الأمر يتعلق بالطلاب، بل يبدو أن الناس من جميع الخلفيات انضموا إلى حركة الاحتجاج”.
وقام عناصر الشرطة بإغلاق الطرق المؤدية إلى مكتب حسينة بمركبات مدرعة في دكا وبالأسلاك الشائكة صباح الاثنين، لكن حشوداً ضخمة تدفقت إلى الشوارع، وأزالت الحواجز.
وقدرت صحيفة بيزنس ستاندرد عدد المحتجين في الشوارع بنحو 400 ألف، لكن من الصعب التحقق من هذا الرقم.
وقال آصف محمود، أحد القادة الرئيسيين في حملة العصيان المدني على مستوى البلاد: “لقد حان الوقت للاحتجاج النهائي”.
وفي عدة حالات، لم يتدخل الجيش والشرطة لوقف احتجاجات يوم الأحد، على عكس ما حدث خلال الشهر الماضي من المظاهرات التي انتهت بقمع مميت.
وكان قائد سابق للجيش يحظى بالاحترام، قد طالب في وقت سابق الحكومة بسحب القوات “على الفور” والسماح بالاحتجاجات، في نوع من التوبيخ الرمزي للشيخة حسينة.
وقال قائد الجيش السابق الجنرال إقبال كريم بويان للصحفيين يوم الأحد “يجب تقديم المسؤولين عن دفع شعب هذا البلد إلى حالة من البؤس الشديد إلى العدالة”.
خط زمني للاحتجاجات
- 1 يوليو/تموز: بدء الحصار
طلاب الجامعات يقيمون حواجز لسد الطرق وخطوط السكك الحديدية، مطالبين بإصلاح نظام الحصص للوظائف المطلوبة في القطاع العام. ويقولون إن هذا المخطط يستخدم الخدمة المدنية لصالح الموالين لحزب “رابطة عوامي” الحاكم الذي تتزعمه حسينة.
الشيخة حسينة، التي فازت بولاية خامسة كرئيسة للوزراء في يناير/كانون الثاني بعد تصويت دون معارضة حقيقية، تقول إن الطلاب “يضيعون وقتهم”.
- 16 يوليو/تموز: تصاعد العنف
مقتل ستة في اشتباكات، في أول وفيات مسجلة في هذه الاحتجاجات، بعد يوم من أعمال عنف مريرة عندما اشتبك المتظاهرون والمؤيدون للحكومة في دكا بالعصي وألقوا الحجارة على بعضهم البعض.
حكومة حسينة تأمر بإغلاق المدارس والجامعات على مستوى البلاد.
- 18 يوليو/تموز: رفض من رئيسة الوزراء
الطلاب يرفضون تصريحات الشيخة حسينة، بعد يوم من مناشدتها الهدوء وتعهدها بمعاقبة كل “جريمة قتل” في الاحتجاجات.
المحتجون يهتفون “تسقط الدكتاتورة” ويحرقون مقر هيئة الإذاعة الحكومية في بنغلاديش وعشرات المباني الحكومية الأخرى.
الحكومة تقطع خدمة الإنترنت.
مقتل 32 شخصا على الأقل وإصابة المئات في اشتباكات استمرت في الأيام التالية على الرغم من حظر التجوال على مدار الساعة ونشر الجنود.
- 21 يوليو/تموز: حكم المحكمة العليا
المحكمة العليا في بنغلاديش، التي ينظر إليها المنتقدون على أنها تخضع لإرادة حكومة حسينة، قضت بأن قرار إعادة إدخال حصص الوظائف كان غير قانوني.
الحكم القضائي لم يرق إلى مطالب المحتجين بإلغاء الوظائف المخصصة لأطفال “المقاتلين من أجل الحرية” من حرب الاستقلال في بنغلاديش عام 1971 ضد باكستان.
- 5 أغسطس: فرار الشيخة حسينة
فرار الشيخة حسينة من دكا بطائرة مروحية بينما اقتحم آلاف المحتجين قصرها.
احتفال الملايين في الشوارع، ورقص بعضهم على أسطح المدرعات والدبابات، لتنتهي بذلك فترة حكم رئيسة الوزراء في بنغلاديش الشيخة حسينة التي استمرت 15 عاما بعد أسابيع من الاحتجاجات الدامية.
الجيش يعلن أنه سيشكل حكومة مؤقتة.
لماذا شعر الناس بالغضب؟
لقد كانت الاحتجاجات مستمرة منذ فترة طويلة. ورغم أن بنغلاديش تعد واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، إلا أن الخبراء يشيرون إلى أن النمو لم يُترجم إلى وظائفَ لخريجي الجامعات.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 18 مليون شاب بنغلاديشي يبحثون عن وظائف. ويواجه خريجو الجامعات معدلات بطالة أعلى من أقرانهم الأقل تعليماً.
وبحسب الإحصاءات، فإن أكثر من 40 في المئة من المواطنين البنغلاديشيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً لا يعملون ولا يتلقون التعليم.
جدير بالذكر أن بنغلاديش أصبحت قوة نشِطة في تصدير الملابس الجاهزة. وتصدّر البلاد ما قيمته نحو 40 مليار دولار من الملابس إلى السوق العالمية.
ويوظف هذا القطاع أكثر من أربعة ملايين بنغلاديشي، كثير منهم من النساء؛ لكن الوظائف في المصانع ليست كافية لتلبية طموح جيل الشباب.
في ظل حكم رئيسة الوزراء الشيخة حسينة الذي دام 15 عاماً، شهدت بنغلاديش بناء طرق جديدة وجسور ومصانع وحتى سكك حديدية للمترو.
ولقد تضاعف دخل الفرد في البلاد ثلاث مرات في العقد الماضي، ويقدر البنك الدولي أن أكثر من 25 مليوناً قد انتُشِلوا من براثن الفقر في السنوات العشرين الماضية.
ومع ذلك، فإن الكثيرين يقولون إن بعض هذا النمو لا يساعد سوى المقربين من “رابطة عوامي” التي تتزعمها السيدة حسينة.
وتقول الدكتورة لُطفا: “نحن نشهد الكثير من الفساد، خاصة بين المقربين من الحزب الحاكم. وقد استمر الفساد لفترة طويلة دون عقوبة”.
وقد شهدت بنغلاديش في الأشهر الأخيرة مناقشات واسعة حول مزاعم الفساد ضد بعض كبار المسؤولين السابقين للشيخة حسينة، من بينهم قائد الجيش السابق ورئيس الشرطة السابق وكبار ضباط الضرائب ومسؤولي التوظيف في الدولة.
في منتصف يوليو/تموز، وعدت الشيخة حسينة بأنها ستتحرك ضد الفساد، واعترفت بأنه مشكلة طويلة الأمد.
وخلال المؤتمر الصحفي ذاته في دكا، قالت إنها اتخذت إجراءات ضد مساعد منزلي، لم تحدد هُويته، بعد أن جمع 34 مليون دولار.
وكان رد فعل وسائل الإعلام البنغلاديشية هو أن هذا القدر من المال لا يمكن جمعه إلا من خلال الضغط من أجل عقود حكومية أو فساد أو رشوة.
وبدأت لجنة مكافحة الفساد في بنغلاديش تحقيقاً بشأن رئيسة الشرطة السابقة بنازير أحمد، التي كانت تعد ذات يوم حليفة وثيقة للشيخة حسينة، وجمعها ملايين الدولارات من خلال وسائل غير قانونية.
ولم يفوت هذا الخبر الموطنون العاديون في البلاد، الذين يكافحون مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
بالإضافة إلى مزاعم الفساد، يشير العديد من نشطاء حقوق الإنسان إلى أن مساحة النشاط الديمقراطي تقلصت على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية.
وقالت ميناكشي جانجولي، مديرة جنوب آسيا في هيومن رايتس ووتش، لبي بي سي: “لم تكن هناك عملية اقتراع حرة ونزيهة موثوقة لمدة ثلاثة انتخابات متتالية”.
وقالت السيدة جانجولي: “ربما قللت [الشيخة حسينة] من تقدير مستوى عدم الرضا الذي يشعر به الناس بسبب حرمانهم من الحق الديمقراطي الأساسي في اختيار زعيمهم”.
يُذكر أن حزب المعارضة الرئيسي، حزب بنغلاديش الوطني، قد قاطع الانتخابات في عامي 2014 و2024، قائلاً إن الانتخابات الحرة والنزيهة غير ممكنة في ظل حكم الشيخة حسينة.
وأضاف الحزب أن أعضاءه يرغبون في إجراء الانتخابات تحت إدارة مؤقتة محايدة، المطلب الذي طالما رفضته الشيخة حسينة.
وتقول جماعات حقوق الإنسان أيضاً إن أكثر من 80 شخصاً، كثير منهم من منتقدي الحكومة، اختفوا في السنوات الخمس عشرة الماضية، وإن أسرهم ليس لديهم معلومات عن مكان وجودهم.
وتُتهم الحكومة بقمع المعارضة والإعلام، وسط مخاوف أوسع نطاقاً من أن حسينة أصبحت أكثر استبداداً مع مرور السنين. لكن الوزراء كانوا ينفون هذه الاتهامات.
وتقول الدكتورة لُطفا: “لقد تراكم الغضب ضد الحكومة والحزب الحاكم لفترة طويلة”، مضيفة أن المواطنين أعربوا عن غضبهم الآن، حيث يلجأ “الناس إلى الاحتجاج إذا لم يعد لديهم أي سبيل آخر”.