“تحول إعلامي برسائل دبلوماسية” .. خريطة المغرب كاملة تُزيّن قنوات فرنسية
كما استشرفت توقعات معظم المتتبعين، الذين رأوا في رسالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس حول دعم السيادة المغربية على الصحراء، حاضرا ومستقبَلًا، لمْ يتأخر مفعول الرسالة في ضخ “دماء متجددة بأفق أرحب” في شرايين علاقة تاريخية بين الرباط وباريس اجتازت كل “مطبّات السنوات الأخيرة” بنجاح.
وكان الرئيس الفرنسي قد أعلن رسميا، في رسالة موجهة إلى الملك محمد السادس يوم 30 يوليوز المنقضي، أن “حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان في إطار السيادة المغربية”، مؤكدا “ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة”، وأن بلاده “تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي”.
“مصدر إزعاج للعسكر”
لم يكد الأسبوع يكمل دورته بعد الرسالة، التي قابَلَها الملك بأخرى مرحّبة بموقف قوي وتطلُّعٍ لتعزيز التعاون، حتّى غدَا هذا “التحرك المنسجم” فعلياً وليس مجرد “اعتزام”، مما تجسد في نشر القناة الفرنسية العمومية “France 5” خريطة المغرب كاملة بصحرائه وأقاليمها الجنوبية، وهو ما عدّه وليد كبير، الناشط الحقوقي والإعلامي الجزائري المقيم بالمملكة، “بداية التنزيل الرسمي للقرار الفرنسي القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه على مستوى الإعلام الرسمي الفرنسي”.
وأبرز كبير، الذي يرأس “الجمعية المغاربية للسلام والتعاون والتنمية”، في تعليق أدلى به لهسبريس حول الموضوع، أن مضمون رسالة ماكرون لم يكن فقط مصدر إزعاج بالنسبة للجزائر، التي سارعت إلى “سحب السفير”، بل اعتبر أن ما نشره الإعلام الفرنسي الرسمي العمومي “مزعج جدا لنظام العسكر الذي ظل يصف الخريطة بـ”الوهمية”.
وتابع قائلا: “نشرُ القناة الفرنسية العمومية خريطةَ المغرب كاملة في برامجها هو تنزيل رسمي للقرار الفرنسي القاضي بإقرار سيادة المغرب على صحرائه على مستوى الإعلام الفرنسي، وهذا طبيعيٌ لأنّ فرنسا الآن تعترف بمغربية الصحراء، وهذا يقتضي من المؤسسات، خصوصا العمومية، سواء في الإعلام أو باقي القطاعات، الالتزام بالموقف الرسمي الفرنسي الذي عبر عنه الرئيس الفرنسي في الرسالة التي بعثها إلى الملك”.
“هذه الخطوة لها دلالات قوية جدا وتؤثر بشكل كبير على النظام الحاكم في الجزائر، الذي يَعتبر أو يسمي تلك الخريطة وهمية، ولو أن الوهم هو ما عششَّ في ذهنية هذا النظام الذي يعيش خارج الزمن”، يضيف كبير، مُستنتجًا أن “خطوة مثل هذه هي تحصيل حاصل وستتبعها خطوات أخرى ستكون على مستوى مؤسسات الدولة الفرنسية بالدرجة الأولى، التي ستَحترم قرار الدولة الفرنسية القاضي بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه كاملة”.
وختم تصريحه بالقول: “سيُشكل هذا التحول التاريخي مصدر إزعاج وحرج بالنسبة للنظام الجزائري، الذي صُدم من اتخاذ فرنسا هذا القرار التاريخي الذي لا يخدم فقط المغرب، بل يخدم كل منطقة شمال إفريقيا”.
“حدث سياسي هام”
على المنوال ذاته ينسج المعطي قبال، الكاتب الإعلامي والناقد المغربي المقيم بفرنسا، قائلا: “أنْ تُنزّل قناة “فرانس 5″ الخريطة كاملة هو في حد ذاته حدث سياسي هام لأنه يُترجم التوجّه الرسمي، الذي أمْلته وزارة الخارجية وقصر الإليزيه على جميع قنوات الدولة”.
وأضاف قبال، في تصريح لجريدة هسبريس، “سيكون هناك استياء لدى قناة مثل “فرانس 24″، التي تُسيطر على طواقمها الإعلامية عناصرُ جزائرية، لكن في الأخير ستنزل الخريطة المغربية بحدودها الكاملة بالرغم من موقف المعارضة”.
ولم يفت الخبير بتطورات الشؤون الفرنسية أن يسجل أن “الاستعمار دأب على تسطير الحدود وترسيم الخرائط. وفيما يخص الصحراء المغربية، يشفع التاريخ والسكان والأرض لانتمائها للوطن الأم”، مشيرا إلى أنه “رغم محاولات الاستعمار بشتى أطيافه بقيت الصحراء تحافظ على هويتها الأم”.
وتابع قائلا: “لن يكون من السهل إنزالُ خريطة المغرب كاملة في المنشورات والكتب ونشرات الأخبار في المواقع المستقلة أو الحرة التي تؤيد الأطروحة الانفصالية”، مضيفا “في هذه الأثناء على المغربِ أن يقوم بحملة تقويم قوية وناجعة على شبكات التواصل الاجتماعي حتى لا يترك الفرصة للجزائر ولِـبَيَادقها، فالخرائط تبقى حجّة للانتماء الإثني والتاريخي والجغرافي، كما أنها دليل شرعي أمام المحاكم الدولية. ويبقى على المغرب أن يكسبَ عالميا ثمار هذا الإنجاز”.
“إشارة تحول إعلامي “
بدوره عدَّ محمد واموسي، إعلامي مغربي مقيم بباريس، “بث القناة الفرنسية الخامسة وقنوات تلفزيونية أخرى خريطة المغرب كاملة، بعد الموقف الرسمي لفرنسا بدعم سيادة المغرب على صحرائه، إشارةً واضحة إلى تحول في الموقف السياسي والإعلامي الفرنسي تجاه قضية الصحراء المغربية، مما يعزز مصداقية الموقف الفرنسي الرسمي ويعكس تغيرًا جوهريًا في سياسة باريس الخارجية تجاه المغرب”.
وأوضح المتابع لتحولات الإعلام الفرنسي أن “هذا الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام في فرنسا، وعرض خريطة المغرب كاملة سيكون له تأثير على وجهات نظر المشاهدين بخصوص النزاع المفتعل ليس فقط في فرنسا، بل في كل الدول الناطقة بالفرنسية في أوروبا والعالم؛ مع العلم أن الإعلام الفرنسي مؤثر بشكل كبير في دول فرنكوفونية مثل بلجيكا ولوكسمبورغ وغيرهما”.
وحسب واموسي، “هذه الخطوة لن تُعزز العلاقات بين المغرب وفرنسا فحسب، بل ستكون لها تداعيات كبرى لأنه يمكن أن تتبع هذا التوجه خطوات مماثلة من قبل وسائل إعلام أخرى، مما سيزيد الضغط على بعض الجهات التي تتبنى موقفًا معاديًا أو محايدًا”.
وبالإضافة إلى ما سبق، “يمكن النظر إلى هذا التغير في الإعلام الفرنسي كجزء من التحولات الجيوسياسية الأوسع في المنطقة لأن هذا الدعم يعكس رغبة فرنسا في إعادة تشكيل تحالفاتها الإقليمية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، من خلال اعتبار المغرب حليفا استراتيجيا قويا ورئيسيا في مواجهة التحديات”، يضيف واموسي.
وختم قائلا: “بثّ الخريطة المغربية كاملة هو رسالة دبلوماسية موجهة إلى دول أخرى في المنطقة والعالم، تشير إلى موقف فرنسا الصريح والثابت تجاه وحدة أراضي المغرب، ويعكس التزام فرنسا بمبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالصحراء المغربية، مما يعزز موقف المغرب في المحافل الدولية”.