اللجوء إلى “التقشف المائي” يضع مستقبل الفلاحة المغربية على المحك
وجد خبراء في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الـ25 لعيد العرش دقا لناقوس الخطر بشأن الوضعية المائية بالمغرب، ما أثار عدة تكهنات بشأن ما يُمكن أن تُرغم السلطات الحكومية على اتخاذه كإجراءات تدخل في إطار سياسة التقشف المائي المنتهجة خلال السنوات الأخيرة المتّسمة بجفاف متوال.
من بين هذه التكهنات تُطرح إمكانية اضطرار المغرب إلى تحويل فلاحته من قطاع استثماري تصديري إلى معيشي، يهدف حصراً إلى ضمان السيادة الغذائية للمملكة، لاسيما في ظل التأثيرات المتزايدة لقلة التساقطات المطرية، موازاة مع التأخر الحاصل في إنجاز المشاريع المائية، كمحطات تحلية مياه البحر التي من المقرّر أن تلبي في بدايتها حاجيات مياه الشرب.
ويرى عبد الله أبودرار، الأستاذ الباحث بالمدرسة الوطنية للفلاحة بمكناس، أنه في حالة استمرار توالي سنوات الجفاف فإن “الأولوية ستعطى للسيادة الغذائية، وذلك عبر تشجيع ودعم الإنتاج المحلي للمنتجات الضرورية، من حبوب وخضر وفواكه وزراعات علفية”.
وأشار أبودرار، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أن الدولة “بدأت بالفعل في السنوات الأخيرة دعم مدخلات إنتاج بعض الخضروات الضرورية، كالبطاطس والبصل، فضلا عن الحبوب”، لافتاً إلى أن “الاستيراد سيبقى -على كل حال- الحل البديل إذا ما تدهورت الأمور لا قدر الله”.
وبينما يتوقع الخبير الفلاحي ذاته أن تتواصل الاستثمارات الكبرى في الزراعات التصديرية -على الأقل- في المناطق التي لا تعرف عجزا كبيرا في المياه، كالغرب واللوكوس، لخلق شيء من التوازن بين الاستيراد والتصدير، نبّه إلى أن “التحدي الأكبر هو استمرارية بعض الاستثمارات الزراعية التصديرية الكبرى في المناطق التي تعرف عجزا مائيا كبيرا، كمناطق سوس، تادلة، دكالة، الشاوية وسايس”. فيما يحتفظ الأستاذ بالمدرسة الوطنية للفلاحة بـ”أمل عودة المياه إلى مجاريها إذا ما تغيرت الحالة المناخية ودخلنا في دورة من السنوات الفلاحية الممطرة”.
من جانبه أكد كمال أبركاني، أستاذ بالكلية متعددة التخصصات بالناظور التابعة لجامعة محمد الأول بوجدة، أن “الأولوية بالنسبة للمغرب في الوقت الحالي هي توفير الماء الصالح للشرب للمواطنين، وهو ما يمكن أن يستمر لفترة انتقالية إلى غاية سنة 2027 التي وردت في الخطاب الملكي الأخير، باعتبارها السنة المرتقب أن يصل فيها المغرب إلى مليار و700 مليون متر مكعب من المياه المحلاة، والحفاظ على المياه المهدورة في المحيطات عبر مشاريع الطرق السيارة المائية وتشييد السدود المبرمجة”.
وأضاف أبركاني، في حديث لهسبريس، أن “هذه السياسة لا تنتقص من أهمية قطاع الفلاحة بالمغرب”، معتبراً أن “الضرورة تقتضي تحديد الأولويات إلى غاية الانتهاء من هذه المشاريع”.
ومع ذلك لا يرى الخبير الزراعي ذاته أن ترغم هذه الظروف المغرب على “الاكتفاء بفلاحة معيشية فقط، رغم الانخفاض المتوقع في الإنتاج”.
ما يمكن أن تذهب إليه السلطات الحكومية المكلفة بالفلاحة في ظل هذه الظروف، وفق المصرّح، هو الاعتماد على “الفلاحة الدقيقة”، وهي نمط زراعي يقتضي وضع حسابات دقيقة لكل قطاع زراعي وحجم المياه التي يحتاج إليها من أجل إنتاج كاف، ثم القيمة المُضافة لهذه الزراعة، سواء من ناحية الاكتفاء الداخلي أو التصدير.
وخلص الأستاذ بالكلية متعددة التخصصات بالناظور إلى الدولة “قد تضطر إلى دعم الفلاحين في المناطق الأكثر تضررا من الجفاف من أجل خلق بدائل مؤقتة أو دائمة للأنشطة الزراعية التي كانوا يمارسونها للحفاظ على استقرارهم الاقتصادي والاجتماعي”.