إيمان خليف وجدل التستوستيرون: هل المنافسة غير عادلة؟
بعد 46 ثانية فقط من انطلاق أولى منازلاتها في منافسات الملاكمة (وزن تحت 66 كيلوغرام)، اضطرت الإيطالية أنجيلا كاريني للانسحاب بعد تلقيها عدة لكمات من منافستها الجزائرية إيمان خليف، التي تسببت في شبه كسر في الأنف، وبكت في زاوية الحلبة، معلقة: “ليس عدلاً!”
خليف تحدثت بعد المباراة عن رغبتها في تحقيق ميدالية للجزائر وإسعاد الجماهير، وقالت إن الحرب النفسية بالتأكيد ستكون موجودة، لكنها مستعدة لها، ووصفت نفسها بأنها “ابنة أي جزائري وأي جزائرية”. وفي تصريحات لبي بي سي قالت: “أنا هنا من أجل الذهب، أنا أحارب الجميع”.
بعد المباراة، تعرضت إيمان خليف لانتقادات شديدة، فيما أعربت الملاكمة الإيطالية عن أنها لم تتعرض لمثل هذا النوع من اللكمات من قبل. من بين المنتقدين، لاعبي التنس مارتينا نافراتيلوفا وبوريس بيكر، وحتى الملياردير إيلون ماسك، الذي قال إنه “من الواضح أن هذا غير عادل، أن تتنافس خليف وهي تتهم بامتلاك قدرات بدنية تتجاوز ما هو مألوف في المنافسات النسائية”. كما كتبت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني رسالة لكاريني قائلة إنها “ستحظى يوما بما تستحق”، في منافسة عادلة.
الملاكمة الجزائرية خسرت في بطولة العالم 2018 و2019 من الدور الأول، ثم شاركت في أولمبياد طوكيو عام 2021، حيث خسرت في ربع النهائي أمام ملاكمة إيرلندية. وصلت إلى نهائي بطولة العالم للملاكمة في 2022، وخسرت أمام ملاكمة أيرلندية أخرى، قبل الوصول مرة أخرى لنهائي بطولة العالم في 2023، قبل أن تُستبعد لارتفاع مستوى هرمون الذكورة (التستوستيرون) لديها. العديد من المنتقدين قالوا إن إيمان خليف “تملك قدرات بدنية غير عادلة” للمنافسة ضد النساء، واستندوا إلى قرار الاتحاد الدولي للملاكمة سابقاً باستبعادها من المنافسات.
هل كان الاستبعاد صحيحاً بالأساس؟
الاتحاد الدولي للملاكمة استبعد خليف التي وصلت للنهائي مع التايوانية لين يو-تينج، لأنهما لم تنجحا في الاختبارات التي تسمح لهما بالمشاركة في منافسات النساء. تقدمت خليف بشكوى لدى المحكمة الرياضية، لكنها سحبتها لاحقاً.
سحبت اللجنة الأولمبية الدولية اعترافها بالاتحاد الدولي للملاكمة في 2023، بعد تعليقه في 2019، بسبب تدخلات حكومية ومشاكل مالية. وذكرت اللجنة الأولمبية الدولية أن الرياضيتين المستبعدتين من بطولة العالم كانتا ضحيتي قرار مفاجئ ومتعسف. قرار الاستبعاد جاء قرب نهاية بطولة العالم 2023، من دون إجراءات قانونية، كما تؤكد اللجنة الأولمبية الدولية.
هجمات “غير أخلاقية”؟
اللجنة الأولمبية الجزائرية في بيان لها نددت بما وصفته “بالتصرفات غير الأخلاقية” التي استهدفت إيمان خليف من قبل وسائل الإعلام الأجنبية. وقال بشير مختار المكلف الإعلامي بالبعثة الأولمبية الجزائرية في تصريحات لبي بي سي: “نراها زوبعة في فنجان، رياضيتنا ليست أول مرة تشارك في المسار الأولمبي، شاركت في التصفيات التي كانت تحت لواء اللجنة الأولمبية الدولية”.
وأضاف: “اللجنة الأولمبية الدولية قالت إنه لا توجد قضية ملاكمات غير مؤهلات، جميع الملاكمات خضعن للتحليلات اللازمة وكل الملاكمات الموجودات في باريس مقبولات مائة بالمائة للمشاركة. هي زوبعة إعلامية من بعض الأفواه الخارجية، أغلبهم من المنافسين، وصارت موضة كل ما إيمان تتغلب على منافسة يخرج إعلام بلدها ويهاجم إيمان”.
من جهته، دافع المتحدث باسم اللجنة الأولمبية الدولية مارك آدامز عن موقف خليف قائلاً إن كل من يتنافس في فئة السيدات يمتثل لمعايير الأهلية، وإن كل المتنافسات سيدات كما هو مذكور في جوازات سفرهن. كما أكد أن اختبار التستوستيرون ليس هو الاختبار المثالي، وأن العديد من النساء لديهن نسبة عالية من هرمون التستوستيرون، “ولكنهنّ تبقين نساء، وستتنافسن كنساء”.
“امرأة شجاعة”
خليف قالت قبل الأولمبياد إنها أرادت أن تظهر للعالم بأسره كم أن إيمان خليف “امرأة شجاعة”، ونشرت صوراً لها وهي طفلة ترتدي ملابس الطفلات الصغيرات. وتحدثت عنها صحيفة “لا غازيتا ديلو سبورت” الإيطالية قائلة إن خليف، وبناءً على رأي طبي، ليست “عابرة جنسياً”، ويجب احترام موافقة اللجنة الأولمبية الدولية على مشاركتها باعتبارها أنثى.
وفي حوار مع الصحيفة، قال رئيس الجمعية الإيطالية للغدد الصماء إن هناك أشكال مرضية نادرة تسبب مشكلة في الكروموسومات، وإن خليف في هذه الحالة لديها نسبة مرتفعة من هرمون التستوستيرون، هرمون الذكورة.
الكثيرون تحدثوا عن عدالة مشاركة خليف في منافسات النساء لأنه لن يكون من العدل أن تشارك أمام ملاكمات أقل قوة، ولكن الكثيرين تحدثوا أيضاً عن مدى عدالة استبعاد ملاكمة ولدت أنثى بيولوجياً من المنافسات أمام النساء بسبب اختلالات هرمونية.
البعض قال إن إيمان خليف لو كانت من جنسية أخرى ربما لما تعرضت لكل هذا الهجوم، مؤيداً موقفه بعدم وجود ضجة حالياً على اللاعبة الأخرى التي استبعدت مع خليف من بطولة العالم 2023، وهي الملاكمة التايوانية لين يو-تينج التي تشارك في الألعاب الأولمبية.
وفي الوقت الذي ينادي فيه الكثيرون باستبعاد خليف من الألعاب الأولمبية، لا تمنع قوانين اللجنة الأولمبية الدولية مشاركة العابرين جنسياً. بل إن منافسات الملاكمة الحالية في دورة باريس تشهد تواجد عابر جنسياً. الفلبيني هيرجي باكيادان Hergie Bacyadan، الذي يعرّف عن نفسه كرجل، يشارك في منافسات النساء حالياً، لأنه لم يخضع لعملية استبدال هرمونات، ولا تزال هرموناته تسمح له بالمشاركة في منافسات النساء، وقد فاز بالعديد من البطولات في الملاكمة وقبلها الووشو.
وتعرض باكيادان لهجوم من قبل روسيا التي احتجت رسمياً على مشاركته في منافسات النساء في البطولات الدولية، إلا أن الاتحاد الفلبيني أكد أن اللاعب ولد كأنثى ولم يتلق علاجاً بالهرمونات أو يخضع لجراحة.
وفي لقاء سابق، قال باكيادان إنه ولد كامرأة، ولكن قلبه وعقله كرجل، وفي ظل تعريف نفسه بالرجل، تزوج باكيادان من امرأة في 2022، إلا أنه لم يلق اهتماماً إعلامياً ضخماً وهو يشارك في منافسات النساء في الأولمبياد. وقال بعد مواجهة خليف، إنه يجب حرمان النساء ذوات المستوى المرتفع من التستوستيرون من المشاركة في الألعاب.