الوثائق الأثرية تجعل المغرب قبلة العالم .. وطلبة أمام معضلة انتماء
قال الكاتب والناشط الحقوقي أحمد عصيد إن الاكتشافات الأركيولوجية الأخيرة في المغرب، بدءاً من 2017، تعد “مدخلا هوياتيا يطرح السؤال التالي: هل يمكن أن ننهض بدون الانطلاق من الذات؟ وعندما ننطلق من الذات هل يصلحُ ذلك دون معرفتها؟”، مشددا على أن “هذه الاكتشافات لها صلة كبيرة بموضوع الوعي الوطني بالانتماء إلى وطن”.
وأضاف عصيد، الذي كان يناقش “المغرب أرض البدايات”، في ندوة ضمن فعاليات الدورة الـ18 لمهرجان “ثويزا” بطنجة، أن “المغاربة كان لديهم دائما مشكل كبير من حيث الشعور بالانتماء”، مسجلاً أن “المغرب لم يكن في وعي الناس مركزاً لذاته؛ بل كان هناك دائماً مركز في مكان آخر، إمّا في الشرق أو الغرب”، وزاد: “هذا كان حاضراً في وعي النخب المثقفة أيضا”.
وعلى هامش اللقاء المهدى للراحل بودريس بلعيد أوضح الكاتب المغربي أنه “لمدة عقود طويلة عشنا ممزقين بين مركزين: مركز المشرق والمركز الفرنسي، على اعتبار أننا تبنينا النموذج الفرنسي اليعقوبي بعد الاستقلال”، مردفا: “ووصلنا في هذا التمزق إلى مستوى أن أدرنا ظهرنا للقارة التي نضع عليها أقدامنا، وهي إفريقيا، فتخيلنا في لحظات كثيرة أن هناك الأفارقة وهناك ‘نحن’ الذين لا ننتمي إلى هذه الرقعة القارية”.
وعاد الباحث إلى منطلق مداخلته ليؤكد أنه عندما يُجري إطلالة على الاكتشافات الأركيولوجية يكتشف أنها “نقلتنا من منظومة إلى منظومة ثقافية أخرى”، وأوضح: “بالنسبة للنخب التقليدية كعلال الفاسي والمختار السوسي وأبي شعيب الدكالي ومحمد بن العربي العلوي، إلخ، من فقهاء الحركة الوطنية التقليديين؛ سنجدهم يربطون بداية التاريخ في المغرب بمجيء الإسلام، أي قبل 1400 سنة”.
واستدرك عصيد: “هم لا يعرفون ما قبل هذه المرحلة، لأنهم يعتمدون الوثيقة الأدبية ولم يكن لديهم اطلاع على الوثيقة الأثرية”، مشيرا إلى كون “الدراسات الأركيولوجية الحديثة، بهذا المعنى، نقلتنا من المنظومة التقليدية التي تعتمد فقط الوثيقة الأدبية، أي المرويات، إلى مستوى معرفة التاريخ من منطلق الوثائق الأثرية”.
وسجل الباحث سالف الذكر أن “هذه الاكتشافات منحتنا معطيات غاية في الأهمية، أولها أننا صرنا قبلة للعالم”، موردا: “نحن قبلة الكوكب، وفقا لمقولات الأركيولوجيا، بما أن الجميع صار يتحدث عن أقدم الآثار في العالم بالمغرب؛ ففي هذه الأرض عُثر على أقدن عقد للتزيين بالصدف البحرية، وأقدم أدوات لصناعة الملابس الجلدية في العالم، وأقدم آثار زراعة الزيتون، إلخ”.
وربط المتحدث هذه المستجدات بـ”الحاجة إلى إعادة بناء الذات”، مشددا على أن ذلك يتأتى أساساً “انطلاقا من درس التاريخ بصفته علما داخل المدرسة”، وأضاف: “وحده معطى أقدم إنسان عاقل في العالم دخل إلى المناهج التربوية، وذلك بعد اتصالات عديدة مع وزارة التربية الوطنية، لكن الاكتشافات الأخرى مازالت غائبة؛ ولا يعرف عنها أطفالنا أي شيء”، وتابع: “هذا يحتاج إعادة النظر حتى تكون الأجيال القادمة أكثر علما ومعرفة بالبلد من الأجيال السابقة التي لم تكن تعرف شيئا”.
وواصل عصيد: “كنا سابقا نأخذ البكالوريا ونحن لا نعرف شيئا عن المغرب، لكننا في المقابل كنا نعرف الكثير عن الأمويين والعباسيين ودمشق وبغداد وبيروت وعن ميخائيل نعيمة وخليل جبران، إلخ. في الحي الذي نسكنه مثلا لا علم لنا بوجود أديب أو مبدع مغربي كبير فيه. لم يكن ذلك وارداً في المقررات الدراسية”، واسترسل: “لقد أدرنا ظهرنا لأنفسنا. وتركّب عندنا مركب نقص خطير جدا، وهو تمجيد الأجنبي واحتقار الذات”.
ومضى الحقوقي ذاته قائلا: “اليوم نعيش عودة إلى الذات، والعالم يساعدنا ويدعمنا بهذه الاكتشافات الأركيولوجية التي تجعل المغرب مركزاً”، معبرا عن اعتزازه بـ”الفريق المغربي في البحث الأركيولوجي لأنه ترسخ في أذهاننا أن الاكتشافات من هذا النوع يقوم بها أجانب، بيد أن الحقيقة أن لدينا اليوم فرق بحث محترفة وجيدة التكوين ولديها إمكانيات للبحث والاكتشاف؛ وهذا أمر رائع”.
وحسب ما أثاره عصيد في مداخلته فإن “الدراسات المتعلقة بالتنمية أكدت أن الشعور الوطني له دور خطير جدا في رفع إنتاجية الفرد (…) فكلما كان شعورنا الوطني قويا بالانتماء إلى بلدنا كانت إنتاجيتتا أكبر لأننا نعمل من أجل الوطن ومن أجل تنميته”، مضيفا أنه يتألم كثيرا دائما عندما يجد المغرب “ينفق الكثير من المال على تكوين طلبة لكي يتخرجوا بعد ذلك ليخدموا بلدانا أخرى”.
وأورد المتحدث: “هنا كان النقاش بين طلبة كلية الطب ووزارة الصحة، فالمشكل الحقيقي بالنسبة لي هو أن هؤلاء الطلبة بنسبة 70 في المائة بمجرد أن يأخذوا شهادة التخرج سيغادرون البلد للعمل في ألمانيا وفي كندا، ونحن ننفق عليهم في السنة الواحدة للفرد الواحد 140 ألف درهم، ما يعني 100 مليار طيلة سنوات التكوين بخصوص مجمل خريجي الدفعة؛ وسبب كل هذا ضعف الشعور الوطني بسبب الفساد المنتشر، وبسبب محطات كثيرة تجعل الشباب يشعر بالإحباط ويغادر”.