أخبار العالم

الملك محمد السادس “المحامي الدائم” لمغاربة العالم منذ ربع قرن



وصف عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنساني، الملك محمد السادس بـ”المحامي الدائم لمغاربة العالم منذ ربع قرن”، مشيرا إلى أن “الاهتمام الخاص للملك بمغاربة العالم ظهر منذ أول خطاب للعرش في 30 يوليوز 1999”.

وذكّر بوصوف، في مقال له، بالخطب الملكية والمحطات التاريخية للمغرب، خاصة في سنوات 2005 و2006 و2007 و2015 و2016، إلى أن وصل إلى “خطاب ثورة الملك والشعب لسنة 2022”.

وأضاف أن “قراءة الخطابات الملكية في علاقتها مع مغاربة العالم طيلة ربع قرن يجب أن تُقرأ في شكل كــرونولوجي وتطور تاريخي”، مذكرا بـ”التكامل والانسجام والتماهي طيلة ربع قرن من خدمة الملك محمد السادس لقضايا رعياه بالخارج”.

نص المقال:

لقد كان لمغاربة العالــم موعد مع حسنات العهــد الجديــد، حيث شكــل الحديث عنهم وعن مشاكلهـم وعـن استراتيجيات تدبيــر ملف الهجرة والمهاجرين حيــزا مهما في كل الخطب والرسائل الملكيــة باعتبارهم مواطنين كاملي المواطنة أولا وأخيرا.

وقد ظهر الاهتمام الخاص لـجلالة الملك محمد السادس بمغاربة العالــم منذ أول خطاب للعــرش في 30 يوليوز 1999: “ومن الأمور التي سنوجه لها اهتمامنا الخاص قضايا جاليتنا القاطنة بالخارج والتفكير الجدي في تذليل الصعاب التي تعترض طريقها والعمل على حل مشاكلها وتمتين عرى انتمائها للوطن الأم”.

وسيستمر الاهتمام بملفات الجالية وبمشاكلها وبالثناء عليها وعلى ما تقوم به لصالح الوطن ومساهمتها في التنمية الاجتماعية في كل المناسبات والخطب والرسائل الـملكية لنصل إلى محطة خطاب ذكرى المسيرة الخضراء 6 نوفمبر 2005. وهي المحطة التي يُـمكن اعتبارهـا “سرعـة جـديــدة” في ملف الجالية المغربية من خلال إقــرار أربــعة قــرارات مهمة واستراتيجية ستقلب معدلات الجالية وستُـعتبر “ثــورة جديــدة” في طريقـة الاشتغــال على ملفــات ساخـنة للمهاجرين، واعـترافــا بالــدور الــفعال للجاليــة المغربية المقيمة بالخارج “باعتبارها في طليعة الفعاليات التي تساهم بكل صدق وإخلاص في تنمية بلادنا والدفاع عن وحدتها الترابية وإشعاعها الخارجي في ارتباط وثيق بهويتها المغربية الاصيلة”، كما قال جلالة الملك محمد السادس.

من جهة أخـرى، أكــد هـذا الخطاب على مُعْطى مهم يتعلق بالإنصات إلى نبض الجالية، ومن ثــم التجاوب العميق والإيجابي مع تطلعاتها المشروعة في إطـار “المواطنة الكاملة”، وما يرتبط بذلك من حقوق ومشاركة في تــدبير الـشأن العــام.

لـقد تــرك هـذا الخطاب أثـرا عظيما في نفـوس أفراد الجالية وجعلهـم يشعرون بحق بأنهم مـواطنون كاملو المواطنة.

أما خطاب المسيرة لسنة 2006 وقبل حديثه عن المجلس الأعلى للجالية المغربية بالخارج، فـقـد أعـاد التأكيـد على النهج الديمقراطي التشاركي من خلال حق المشاركة السياسية لأفراد لجالية كناخبين ومنتخبين في العمليات الانتخابية بأرض الوطن، وهو ما جاء به خطاب المسيرة لسنة 2005، أي القرارات الأربعـة.

وبعد أن كـلف خطاب المسيرة لسنة 2005 الحكومة باتخاذ التدابير اللازمة لتفعيل القرارات الثلاثـة، فـإن خطــاب المسيرة لسنة 2006 كــلف بدوره المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، باعتباره مؤسسة وطنية مستقلة ومتعـددة ومن بين مهامها الدفاع عن قضايا المغاربة بالخارج، بإجــراء مشاورات واسعة مع كل المعنيين، من قنصليات ومسفارات وجمعيات للمجتمع المدني بالخارج وكل الفاعلين بالخارج، من أجل إبداء رأي استشاري بخصوص إحداث المجلس الجديد بكيفية تجمع بين الكفاءة والتمثيلية والمصداقية والنجاعة، على أن يتولى جلالة الملك محمد السادس تنصيب هــذا المجلس خلال سنة 2007.

وبالفعل في 21 دجنبر من سنة 2007 نصب جلالته المجلس الجديد بظهير ملكي شريف رقم 1.07.08، تحت اسم مجلس الجالية المغربية بالخارج كمؤسسة استشارية واستشرافية.

وبهذا اكـتمل العقــد فيما يخص أدوات وآليــات الاشتغال في موضوع الهجرة وقضايا المهاجرين المغاربة، حيث إلى جانب الوزارة كهيئة تنفيذيـة ومؤسسة الحسن الثاني كهيئة اجتماعية، جـاء مجلس الجالية كهيئة استشارية واستشرافية لتكتمل بذلك هندسة الدولة في مجال الاشتغال على ملف الهجرة.

سيـاسة الإنصات والاستجابة الإيجابية لتطلعات المواطنين ستُـدخل المغرب في مشاورات تعديـل الـوثيقة الدستورية لسنة 1996 لأنــها لم تعــد قادرة على استيعاب طموحات المغرب والمغاربة والمشاريع والأوراش الكبرى المغربية، وفي مقدمتها المسلسل الديمقراطي وقــاطرة التنمية والجهوية المتقدمــة، وهو ما تــم التوافق عليه بخصوص دستور يوليــوز 2011، الذي حمل معه العديــد من الحسنات، وفي مقدمتها دسترة المشاركة السياسية في الفصل 17، والمشاركة في مؤسسات الحكامة والهيئات الاستشارية في الفصل 18، ومجالات الديمقراطية التشاركية فيما يخص جمعيات المجتمع المدني للجمعيات المغربية بالمهجر في الفصول 13 و14 و15. كما تمت دسترة التزام الدولة بالدفاع عن المهاجرين في دول المهجر في الفصل 16، بالإضافة إلى دسترة مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج في الـفصل 163.
وهــذه كلهــا مكتسبات دستورية عززت مكانة الجالية المغربية بالخارج، وعـززت مؤسساتها الاستشارية، مما أدى إلى تفاعل الفاعلين بالمهجر بكل الاستحسان والكثير من الاستقبال.

إن التسلسل والتدرج السلس للخطب الملكية في التعامل مع قضايا مغاربة العالــم يدل على أن إطلاق البرامج أو خلق المؤسسات التنفيذية أو الاستشارية ليس بالحدث الارتجالي أو للاستهلاك الإعلامي، بـل هــو نسق وتوجه مبني على تصور واضح واستشراف قــوي.

لـكــن قــراءة العناية الملكية للجالية من خلال استقراء الخطب الملكية الموجهة إلى مغاربة العالــم لا تكتمل بدون الحديث عن خطاب العــرش في يونيــو 2015 لأنه مثــل بالفعل زلــزالا للديبلوماسية المغربية وللإدارة المغربية بالخارج.

وقــد جاء مضمون هــذا الخطاب الــقوي جوابـا عن كل الانتقادات التي وجهها الفاعلون ومغاربة العالــم بصفة عامة بخصوص تردي الخدمات المقدمة بالقنصليات والسفارات المغربية بالخارج وســوء الاستقبال وسوء المعاملة أو احترام الآجال وكذا العراقيل.

من جهة أخرى، تعمد الخطاب الإفصاح عن مصدر كل تلك الانتقادات، التي تلـقاها جلالة الملك محمد السادس مباشرة من أفراد الجالية المغربية في لقاءاته المباشرة خلال جولاتـه بالخارج، حيث وقـف جلالـته على انشغالاتهم الحقيقية وتطلعاتهم المشروعة.

من جانب آخرى، فإن مغاربة العالــم وقضاياهــم وانشغالاتهم وطموحاتهم ومشاكلهم كانت حاضرة دائما وبقــوة في كل المحطات التاريخية، وفي كل الخطب التاريخية والمحطات والاحداث الدولـية.

وهــنا نسـوق خطاب 20 غشت لـسنة 2016 وما عرفته تلك السنة من أحداث إرهابية جبانـة باسم الديــن الاسلامي وباسم الجهــاد، والتي كانت ساحتهـا هي بعض الدول الأوروبية حيث يُـقيــم الــقسم الأكبر من مغاربة العــالــم، حيث أطلق أميــر المؤمنين الملك محمد السادس عبــارة “كلنا مستهدفـــون”، ودعــا مغاربة العالـــم إلى التشبث بالــدين الإسلامي الوسطي، والحفاظ على السمعة الطيبة للمغرب وللمسلمين، والـــدفاع عن السلــم والعيش المشترك داخل مجتمعات الإقامــة، ولهـــم في نموذج التعايش بين الحضارات في الأندلس واحدة من النقــاط المنيرة في التاريخ الإسلامي.

لقد شكل جلالة الملك محمد السادس بحق المحامي القوي لمغاربة العالم طيلة ربع قرن في أكثر من ملف شائك كالفصل في جنسيات اطفال المغربيات في الزواج المختلط، وتحريك ملفات ومساطر قضائية لحماية عقارات مغاربة العالم، ودفاعه عن سمعة مغاربة العالم واعتدال تدينهم في خطابه الشهير بعد محاولة اليمين المتطرف الأوروبي ربط كل العمليات الإرهابية بمغاربة العالم، فكان رده جامعا مانعا ضد كل اتهامات الكراهية والعنصرية الموجهة ضد مغاربة العالم وضد طريقة تدينهم.

وحتى تُصان كرامة القاصرين المغاربة غير المرافقين بأوروبا، ومنع عمليات المضاربة بمستقبلهم أو سقوطهم في أيدي عصابات الإرهاب وتجارة السلاح والأعضاء، أمر جلالة الملك في بداية شهر يونيو من سنة 2021 الحكومة المغربية باتخاد كل التدابير من اجل استقبال كل القاصرين المغاربة غير المرافقين بأوروبا. وهو إجراء لقي استحسانا قويا من طرف منظمات وهيئات حقوقية دولية لحقوق الإنسان وحقوق الطفل.

ولم يكن مفاجئًا إصدار “الأمر الملكي” يوم الأحد 13 يونيو إلى السلطات المعنية وكافة المتدخلين في مجال النقل، سواء الجوي أو البحري، لتسهيل عودة الجالية إلى المغرب وبأثمنة مناسبة. كما تم إشراك الجالية في لجنة النموذج التنموي الجديد سنة 2021 لأن المعروف عن جلالته قوة إنصاته لنداءات الجالية ولقِوَاهَا الحية.

من جهة أخرى، فإن خطاب الثورة في 20 غشت لسنة 2022 شكل إعلانًا عن حالة مكاشفة قوية دعت إلى إعادة قراءة علاقة جميع مؤسسات الهجرة بالمغرب، سواء التنفيذية أو الاستشارية، مع قضايا مغاربة العالم. كما طالب الخطاب الملكي بتقديم “كشف حساب” عن تلك المنجزات وماذا يجب فعله من أجل جالية وصفها بـ”العزيزة” وأنزلها “مرتبة خاصة”.

هـذا بعدما خصص الخطاب ذاته إشادة خاصة بدور الجالية أولًا في مجال الدفاع عن القضايا الوطنية وفي مقدمتها الصحراء المغربية انطلاقا من بلدان الاستقبال، وفي في مجال التحويلات المالية، وحملات الدعم الاجتماعي، خاصة في زمن كورونا سنة 2020، أو زلزال منطقة الحوز سنة 2023.

الأكيد أن خطاب ثورة الملك والشعب لسنة 2022 سيكون لـه ما بعده، والمؤكد أنه سيُؤسس لمرحلة جديدة فيما يتعلق بقضايا ومؤسسات الهجرة، سواء من خلال الإطار التشريعي لتلك المؤسسات أو من خلال نموذج الحكامة وسؤال السياسات العمومية المتعلقة بقضايا مغاربة العالم، في أُفُـق الإجابــة عن انتظارات مغاربة العالم فيما يخص عراقيل المساطر الإدارية أو مآلات ملفات الاستثمار وكذا التاطير الديني والتربوي ووشائج الهوية المغربية واحتضان الكفاءات والموهوبين المغاربة بالخارج ومواكبة الشباب حامل المشاريع والمبادرات.

إن الخطب الملكية المتعلقة بمغاربة العالم شكلت طيلة ربع قرن لحظات تاريخية الـتحم فيها العرش المغربي بمغاربة العالم من خلال الإشــادة بــدورهم الفعال في التنمية والسلم المجتمعي والتطور المجتمعي والديمقراطي المغربي، وبــادلته الجالية بكل مشاعر الحب والوفاء والولاء في كل محطات رحلاتـه وترحالـه، في مشاهــد تـقشعـر لـها الأبــدان وصور تُخلـد الالتحام الروحي بين الملك محمد السادس ومغاربة العالــم. لــذلك لا غرابــة من هذا العطف الخاص والاهتمام الاستثنائي لجلالة الملك بمغاربة العــالـم.

وعليه، فإن نشر خطاب ملكي واحد فقـط حول الجالية أو خص مغاربة العالم في إحدى فقراته يعــدو غير مجد وغــير كاف لأننا نــرى أن مناقشـة وتناول الخطابات الملكية لقضايــا مغاربة العالــم هــي نـسق كامل ومتكامـل، وهــو تصور مبني على بــرامج استراتيجية ورؤى استشرافية واضحـة.

ومن هنا فإن قــراءة الخطابات الملكية في علاقتها مع مغاربة العالم طيلة ربع قرن يجب أن تُــقرأ في شكل كــرونولوجي وتطــور تاريخي يضم مجموعة من الخطب قــد تمتد عشرات السنوات بــدون أن نُـحس بأن هنــاك فــرقا أو تناقضا، بــل هــو تـكامل وانسجام وتمـاه طيلة ربع قرن من خدمة جلالة الملك محمد السادس وأمير المؤمنين لقضايا رعاياه بالخارج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى