أخبار العالم

الصيد بالمسيرات يهدد الثروة السمكية



يعتبر الصيد بالمسيرات اختراعا حديثا نسبيا يلجأ إليه بعض هواة الصيد بالشص أو السنارة من الأثرياء، ويعتمد على استخدام طائرات صغيرة بدون طيار (درون) تثبت فيها خيوط الصيد والطعوم ويتم توجيهها إلى أماكن الصيد النائية أو التي يصعب الوصول إليها، فضلا عن إمكانية استخدام هذه الدرونات لرصد أماكن تجمع الأسماك وتحديد أفضل المصايد.

ويمثل الصيد بالشص للأغراض الترفيهية أحد الهوايات أو الأنشطة الرياضية الشائعة في جنوب إفريقيا التي يصل طول سواحلها إلى 2850 كيلومترا، علماً أن أحدث التقديرات تشير إلى أن عدد الصيادين بالشص في البلاد يربو عن 400 ألف شخص.

ويقول الباحث ألكسندر كلاوس وينكر، خبير المصايد البحرية من جامعة رودز بجنوب إفريقيا، إنه رصد بالاشتراك مع فريق بحثي متخصص اتساع نطاق الصيد بالمسيرات على مدار السنوات العشر الأخيرة على نحو مثير للقلق. ونقل الموقع الإلكتروني The Conversation المتخصص في الأبحاث العلمية عن وينكر قوله إن مبعث هذا القلق هو أن زيادة عدد هواة الصيد وتحسن إمكانياتهم ربما يكون له تأثير ملموس على الثروة السمكية وأشكال الحياة المختلفة، مثل الطيور البحرية على امتداد شواطئ البلاد.

وأضاف الباحث ذاته أن الصيد بالمسيرات قد يؤدي أيضا إلى احتدام النزاعات بين جماعات الصيادين المختلفة التي تتنافس على أنواع الأسماك نفسها، علماً أن أعمال الصيد بالشص تعتبر مصدر البروتين الرئيسي والدخل بالنسبة لنحو 30 ألف صياد من الشاطئ و2400 مركب صيد صغير الحجم في البلاد. وأظهرت دراسات مسحية أن أنشطة الصيد بالمسيرات شهدت زيادة كبيرة عام 2016 بلغت نسبة 357%، في ظل مؤشرات مقلقة حول تأثيرها على جهود الحفاظ على بعض أنواع الأسماك.

وحاول الفريق البحثي أن يتتبع أسباب هذه القفزة غير المسبوقة في الصيد بالمسيرات عام 2016، ووجد أن الاهتمام بهذه التقنية يعود إلى مقطع فيديو أورده موقع يوتيوب لعملية صيد سمكة تونة طويلة الزعانف بواسطة مسيرة قبالة السواحل الأسترالية، إذ بلغ معدل البحث عن هذا المقطع نحو 3600 مرة شهريا. كما تم تأسيس مجموعات على موقع “فيسبوك” للتواصل الاجتماعي تحت مسمى “الصيد بالمسيرات”، ووصل عدد أعضائها إلى أكثر من 17 ألف شخص. وتم بعد ذلك تحميل نحو 38 ألفا و700 مقطع فيديو لعمليات صيد بالمسيرات على الأنترنيت. ورصد الباحثون تزايد الاهتمام عبر الشبكة الدولية بهذه الصيحة الجديدة في ثلاث دول رئيسية، هي نيوزيلندا وجنوب أفريقيا وأستراليا.

وخلص الفريق البحثي إلى أن أعمال الصيد بالمسيرات في أستراليا ونيوزيلندا تستهدف بشكل أساسي سمكة النهاش الأحمر، وهي ليست من الفصائل المهددة بالانقراض. لكن على العكس كانت أسماك القرش هي الهدف الأكثر شيوعا للمسيرات في جنوب إفريقيا، حيث شكلت القروش 97% من ضحايا عمليات الصيد، بما في ذلك بعض الأنواع المهددة بالانقراض، مثل سمكة القرش الداكنة.

وأكد الفريق العلمي في الدراسة التي نشرها عام 2021 أنه لا توجد أي ضوابط تنظم أنشطة الصيد بالمسيرات في أي دولة بالعالم، بما في ذلك جنوب إفريقيا، ودعا إلى ضرورة إصدار تشريعات لتنظيم هذه الممارسات. وبعد عرض الدراسة على وزارة الغابات والمصايد والبيئة في جنوب إفريقيا عام 2022 بادرت الوزارة باتخاذ إجراء ملموس في هذا الشأن للمرة الأولى على الإطلاق، إذ أصدرت مذكرة تحذيرية تقضي بأن استخدام المسيرات أو أي أجهزة إلكترونية في أنشطة الصيد الترفيهية بالشص يعتبر مخالفا للقانون بموجب قانون الموارد البحرية الحية في البلاد، ما دفع الشركات التي تصنع هذه المسيرات إلى اللجوء للقضاء للحصول على فتوى قانونية في هذا الشأن، في محاولة للدفاع عن أعمالها وأنشطتها. وقد قوبل طلب الاستئناف على قرار حظر الصيد بالمسيرات في جنوب إفريقيا بالرفض في نهاية المطاف.

ويتطرق الباحث وينكر في المقال الذي نشره موقع The Conservation إلى أوجه الخطورة التي تنطوي عليها هذه الظاهرة الجديدة، إذ إن المسيرات المزودة بكاميرات تسمح للصيادين بتحديد مواطن السمك المثالية على امتداد الشواطئ، ما يمثل تهديدا للثروة السمكية في البلاد، ويقول إنه حتى الأسماك الكبيرة التي يتم اصطيادها ثم إطلاقها في البحر مجددا تكون في حالة من الإنهاك بعد سحبها بواسطة خطاطيف لمئات الأمتار قبالة الشواطئ، بحيث قد لا تظل على قيد الحياة، وقد تنفق أو تسقط ضحية لأسماك أو كائنات بحرية أخرى.

ويقول وينكر إن الصيد بالمسيرات تترتب عليه كميات ضخمة من النفايات، مثل مئات الأمتار من الحبال وخيوط الصيد التي تتقطع أثناء محاولة اقتناص القروش والأسماك الكبيرة من الأماكن الصخرية وتبقي كمصدر للتلوث في المحيطات، بل وقد تمثل تهديدا للأشكال البحرية الأخرى، مثل الطيور وسلاحف البحر والفقمات التي قد تسقط في حبائل هذه الخيوط المميتة وتنفق نتيجة لذلك.

ويشير الباحثون إلى أنه نظرا لأن أنشطة الصيد بالمسيرات في جنوب إفريقيا تقتصر بالطبع على هواة الصيد من الأثرياء فإن استمرارها بالوتيرة الحالية قد يؤدي إلى حدوث توترات اجتماعية بين هذه الفئة وبين الصيادين الذين يعتمدون على الأسماك كمصدر للغذاء أو الزرق. ومن ناحية أخرى يرى الباحثون أن عمليات التصوير الجوي للمصايد وتبادل هذه المعلومات أو البيانات بشكل مباشر عبر الإنترنت قد يمثل انتهاكا لخصوصية مرتادي الشواطئ عن طريق تصويرهم بشكل غير قانوني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى