منظمة “الفاو” تشيد بالمقاربة التشاركية في تحفيز جمعيات الرعي المغربية
في سياق جردها للابتكارات السياسية والمؤسسية والاجتماعية في قطاع الغابات، لا سيما تلك التي يعوّل عليها في ازدهار النظم الرعوية، أشارت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة “الفاو” إلى إطلاق المغرب “برنامج تعويض مبتكر، باستخدام الإطار القانوني الذي وضع عام 2002، والذي تقدم الدولة بموجبه حوافز مالية لمستخدمي الغابات –المنظمين في جمعيات الرعي المحلية- الذين يوافقون على احترام استبعاد الرعي من مواقع الإصلاح”.
ولفتت المنظمة الأممية الانتباه، في تقرير لها عن “حالة الغابات في العالم 2024″، إلى أنه بموجب هذا البرنامج “تتولى المجتمعات المحلية، من خلال جمعياتها، مسؤولية حماية أراضيها؛ وتقوم بجدولة فترات الرعي لتجنب الرعي الجائر والسماح للأرض بالتعافي”، مسجلة أنه منذ بدء برنامج التعويضات “ارتفع عدد جمعيات الرعي وأعضائها بشكل مطرد.
وبحلول عام 2019، أنشئت أكثر من 175 جمعية رعي محلية، وتم إغلاق 101 ألف هكتار من غابات الأراضي الجافة أمام الرعي للسماح بإصلاحها، مع تعويض أعضاء الجمعيات. وتزامنت هذه الزيادة مع تحسن معدلات نجاح إعادة التشجير والانخفاض الكبير الذي شهدته انتهاكات الرعي”.
وأضاف التقرير ذاته، عارضا دراسة حالة حول تحسين الحوكمة المحلية للموارد الحرجية لتحسين منافع الزراعة وإصلاح الغابات حالتي تونس والمغرب، “أن إنشاء برنامج تعويضات بشكل مشترك بين الحكومة المغربية والمجتمعات المحلية والجماعات الرعوية يشكل جانبا أساسيا لنجاحه”.
ووصف خبراء بيئيون تحدثوا لهسبريس الأرقام الواردة في التقرير بـ”المهمة”، والتي جاءت ثمرة “لمقاربة اجتماعية” تجد امتدادات لها في استراتيجية غابات المغرب 2020-2030، ويعوّل عليها لأن تكون سدا أمام الممارسات المضرة بالغابات مع حفظ حق الساكنة المحيطة بها في الاستفادة منها، خاصة بعد “عدم وفاء المقاربة الزجرية بالغرض المطلوب”.
مقاربة اجتماعية
قال المصطفى العيسات، خبير في المجال البيئي والتنمية المستدامة والمناخ، إن “الرعي الجائر يعتبر من بين الأسباب المباشرة التي تدمر الغطاء الغابوي. ولذلك، لجأ المغرب إلى برنامج التعويضات المندرج ضمن مقاربة اجتماعية بالأساس؛ بالنظر إلى أن الساكنة المحيطة بالغابة تؤثر على المحيط الغابوي، سواء بواسطة الحطب غير المشروع أو الرعي الجائر وغيرها. إنها مقاربة للدعم الاجتماعي لهذه الفئات التي تتسبب في تدهور الغطاء الغابوي”.
وأضاف العيسات، في تصريح لهسبريس، أن “المقاربة تُحقق أيضا مبدأ استدامة التنمية في المغرب، إذ هي تضمن الاستفادة من الغطاء الغابوي المحيط بالساكنة؛ ولكنها تحرص في الآن نفسه على تغيير أنماط استغلال الأخيرة لهذا الفضاء ودفع الضرر عنه”.
وأورد الخبير في المجال البيئي والتنمية المستدامة والمناخ أن تعويض أعضاء جمعيات الرعي المحلية موازاة مع عمل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في بعض المناطق على تغيير طرق كسب وعيش الساكنة لتحفيزها على تثمين الثروة الغابوية “كلها إجراءات من شأنها أن تعطي حلول متوازنة دائمة من شأنها أن تتلاءم مع الحالة الاجتماعية للساكنة التي تحيط بالغابات”.
وزاد المتحدث ذاته: “تأكد بالملموس أن المقاربة الزجرية، التي تعتمد على معاقبة المستغلين للفضاءات الممنوع فيها الرعي بعقوبات تصل إلى السجن أحيانا، لم تفِ بالغرض المطلوب؛ بل قد تفاقِم أحيانا الوضعية الاجتماعية للأسر التي تعتمد على الرعي في القطاع الغابوي”.
ودعا العيسات “إلى اعتماد مقاربة تشاركية في التواصل ما بين الوكالة الوطنية للمياه والغابات والجمعيات والتعاونيات، بغية تنوير الساكنة المعنية بالانخراط في برنامج التعويض المذكور”.
أرقام مهمة
مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية للتنمية والمناخ، قال إن 100 ألف هكتار من غابات الأراضي الجافة التي جرى استصلاحها، كما ورد في تقرير المنظمة الأممية، “رقم مهم جدا” ويدل على المساهمة في إذكاء الوعي لدى سكان المناطق الغابوية حيال الموضوع. كما من شأنه مساعدتهم على الاعتناء بالمساحات المستصلحة والاستفادة من خدماتها، خاصة أنهم تعرضوا للعديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية نتيجة اجتثاث الغابات”.
وأضاف بنرامل، في تصريح لهسبريس، أن هذه المقاربة تجد “امتدادا لها في استراتيجية المغرب 2020-2030، والتي ترمي إلى استعادة مساحات شاسعة من المجال الغابوي الذي تم تدميره، عبر عمليات دعم مادي تعضد عمليات التحسيس بضرورة الاستغلال الأمثل للغطاء الغابوي وعقلنة الأنشطة الاقتصادية المتصلة به”.
ولفت رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية للتنمية والمناخ إلى أن الأرقام المذكورة تشكل “بشارة خير باستعادة غابات المغرب التي كانت تكتنز تنوعا بيولوجيا، اندثر بشكل كبير نتيجة التهامها من طرف النيران والرعي الجائر وعمليات الحطب فيها”.
وأيد المتحدث ذاته ما ذهب إليه العيسات بخصوص اعتماد المقاربة الزجرية للحد من الرعي في الأماكن الممنوعة وارتكاب مخالفات بحق الغابة، قائلا: “حسب تصريح للمدير العام للوكالة الوطنية للمياه والغابات بمناسبة تخليد اليوم العالمي للغابات، كشف عن تحرير 12 ألف مخالفة زجرية في حق مرتكبي التجاوزات بالغابة؛ وهو رقم صغير بالمقارنة مع ما يلحق الغابات من سلوكات بشرية متضررة لا يتم رصدها. وبهذا، يتأكد أن المقاربة الزجرية لا يمكن أن تقدم الحل بقدر ما تثير الانتباه. وإنما الحل الجذري والأمثل هو تعزيز إحساس الساكنة بارتباطها بالغابات والمساهمة في تنميتها ومراقبتها”.