أخبار العالم

اليهودية لم تؤسس حضارة إنسانية .. و”مملكة إسرائيل” مجرد وهم


قال المؤرخ والمفكر العراقي البارز الباحث في تاريخ الحضارات، خزعل الماجدي، إن “اليهودية لم تستطع قطّ أن تؤسس حضارة” وظلت “عبارة عن ديانة”، مسجلاً أن هذا الشكل العقدي الذي يتخذ من التوراة كتابا مقدساً لا يمكن عده حضارة لسبب بسيط، هو أن “اليهود لم يؤسسوا دولة”.

وتكريساً لموقفه المعروف بخصوص إبعاد اليهودية عن “سباق الحضارات”، وصف الماجدي، وهو يتحدث ضمن الندوة الافتتاحية للدورة الـ18 لمهرجان “ثويزا” بطنجة، مساء أمس الخميس، اعتقاد المتدينين العبريين بوجود مملكة إسرائيل، بأنه “الوهم”، مشددا على أنه تصور “غير صحيح على الإطلاق ولم تثبته أي آثار مطلقاً”.

وأضاف المفكر العراقي أنه “بدون دولة، وبدون مجتمع مستقر يمضي قروناً، لا يمكن تأسيس حضارة، واليهود لم يتمكنوا من بلوغ هذه الأشياء قبل أن تطردهم روما من فلسطين (…) وتشتتهم بهذا الشكل المعروف الذي عجل بانتشارهم في العالم العربي وفي أوروبا”، ليخلص إلى أن اليهودية بهذا المعنى لم تفلح في تأسيس هذا المفهوم، وبقيت “دينا مغلقا”.

هو مغلق، حسب تفسير المتحدث عينه، لكونه “لا يقبل أن يتفاعل مع الآخرين ولا يقبل أن يدخل إليه أحد ولا أن يمتعض ويخرج منه أحد”، مشددا على أنه دين “يُورث عن طريق الأم”، منتقلاً إلى التفصيل في تأثر اليهودية بالديانة الزرادشتية، التي كانت “أول دين توحيدي ظهر في بلاد إيران، والذي هو عقيدة مبكّرة على اليهودية والمسيحية والإسلام”.

وسجل المفكر ذاته أن هذا الدين “كان في بداية التوحيد فقط (…) ولكنه تشوه مع دخول المجوسية”، مضيفاً أنه “أثر تأثيرا كبيرا وواضحا في اليهوديّة. تأثير غير عادي، لكن لماذا؟”. وتابع: “ببساطة شديدة لكونها كانت حاضنة لليهود؛ هم في ذلك الزمن أغلبيتهم بقوا في بابل، وتعلموا من هذه الديانة الشيء الكثير، ونقلوا عنها أشياء كثيرة جدا، وبلوروا صياغة الكتاب”.

وتفاعلاً مع أسئلة مُحاوره الباحث المغربي البارز أحمد عصيد، قال الماجدي إن “الأديان التوحيدية التي بقيت قوية ومؤثرة في حياة الشعوب هي اليهودية والمسيحية والإسلام”؛ وزاد: “اليهودية إذا لم تنجح في تأسيس حضارة، فالمسيحية بحكم انتشارها وتبشيرها تمكنت من تشكيل إمبراطورية ضخمة في الشرق والغرب، فانتهت إلى حضارة مسيحية ذات طابع ديني”.

وبالعودة إلى الحضارة الإسلامية، قال المفكر العراقي إن هذه الحضارة أيضا “طابعها ديني” خالص، بالإضافة إلى الحضارة البوذية، خالصا إلى أن “هذه الحضارات ليست دنيوية على غرار الحضارات القديمة” التي بدأت في بلاد سومر وبعدها مصر، وتابع: “الحضارات الدينية صبت في كتبها جام غضبها على الحضارات القديمة، وهذا أول كسر أخلاقي في هذه الحضارات، ومن ثمّ استولى الدين على الأخلاق”.

وأورد المتحدث عينه الذي وصفه عصيد بأنه “أحد أبرز المشاكسين”، أن “الحضارات القديمة والدول القديمة لا حروب دينية بينها إطلاقاً؛ قد تكون أسباب التصدع اقتصادية أو سياسية، ولكن ليست دينية”، وأوضح: “هم كانوا يعتبرون أن كل شعب له دين، فلا نحتاج أن نتنابز معه ليكون له ديننا أو العكس، هو يحترم إلهي وأنا أحترم إلهه، ولذلك نجد عبارة مدونة تحيل على نضج: لا تشتم إلهاً لا تعبده”.

وباعتماد منهج مقارنة، سجل المؤرخ العراقي أن “أهل التوحيد اقتتلوا في ما بينهم، بل وأضافوا شيئا أكثر إزعاجا، أن الطوائف داخل الديانة التوحيدية كل واحد يكفر الآخر أو يقتله، وقامت حروب دينية بين الطوائف، كله بسبب احتكار الله، كل موحّد يقول: الله لي، سيرعاني، الجنة معي والآخرون في الجحيم، وهذا خطأ مرعب سقطت فيه الأديان في شكلها الحضاري وشكلها الدّيني وحكمت على نفسها بالذبول”.

ومرّ المثقف المغربي بضيف الندوة الافتتاحية نحو الحضارة الحديثة، التي تشكل وجها ضمن 30 وجهاً للحضارات عبر التاريخ، فاعتبر الماجدي أن الأوروبيين لم يدر في خلدهم أنهم سيؤسسون حضارة جديدة، لكن طلائع الفكر “تخلصت من الثقل المسيحي الشرقي، وأعادت الدين لحجمه الطبيعي”، حين تصدى الفلاسفة والمفكرون للكنيسة في الغرب بقوة وشراسة، فاستسلمت خلال أواخر القرن التاسع عشر.

وانتقل إلى الحضارة المعاصرة التي شكلت بوارا أخلاقيا حقيقيا، بحيث اهتزت الأخلاق مع الحربين العظمتين، وما تلاهما في العالم، مسجلا أنه “أمام كل ما يجري، فنحن في هذه المنطقة عاجزون، لا نمتلك أي رد فعل قوي. ردود فعلنا صامتة لكوننا نعيش فشلا حضاريا. لم نخلق قوة اقتصادية رغم توفر الثروات. نحن مجرد فريسة، فريسة سهلة جدا بالمناسبة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى