السياحة: لماذا يتظاهر الإسبان ضد السائحين؟
- Author, نِك بيك
- Role, مراسل بي بي سي أوروبا
إذا استطعت أن تؤمّن لنفسك مكاناً بين المصطافين على شاطئ جزيرة مايوركا الإسبانية، فسترى هنالك أمرين لا سبيل إلى مواجهتهما.
الأول، قديم جداً، وهو أمواج البحر البالياري، القادرة على محو أي قِلاع رملية قد يعكف المصطافون طوال النهار على بنائها.
والأمر الثاني، ليس بذلك القِدم، وهو زيادة أعداد السائحين بشكل هائل على نحو يهدد بمحو كل ما في طريقه.
كل شِبر على الشاطئ محجوز، حتى أن مهمة العثور على مكان تشبه في صعوبتها مهمة العثور على ذهب.
وإذا تركت مكانك على الشاطئ بعض الوقت، فلن تجده شاغراً إن عُدت إليه، ذلك أن أحدهم في طابور طويل من المتطلّعين إلى مكان شاغر سيكون قد أخذه.
علامات الثراء مرصودة هنا وهناك لا تُخطئها العين في أنحاء جزيرة مايوركا، ومن ذلك: صوت ماكينات الدفع اللمسيّ الذي لا ينقطع في الفنادق والمطاعم والحانات.
هذه الزيادة الهائلة في أعداد السائحين القادمين إلى الجزيرة تسببت في إثراء حركة التجارة والبيع والشراء.
ولكنْ، ليس كل مَن على جزيرة مايوركا أثرياء، فهذه سونيا رويز، تبلغ من العمر 31 عاما، وهي أُمّ لطفل واحد، وقد التقينا بها في متنزه على مسافة مئات الأمتار من الشاطئ في العاصمة بالما.
ويبلغ ابن سونيا من العمر أربعة أعوام، واسمه لوقا، وكان يلعب دون أن يبدو عليه أي قلق، بخلاف أمّه التي كانت تعاني.
وكان مالك المنزل الذي تسكنه الأسرة قد طالبهم بالمغادرة، في حين تقول سونيا إن مهمة تأمين مسكن جديد هي مهمة مستحيلة، وتوضح: “أبحث في كل يوم عن سكن، وفي كل يوم أجد قيمة الإيجار قد ارتفعت أكثر”.
وتضيف: “حتى إنني أستوقف المارّة في الشوارع وأسألهم إذا كانوا يعرفون مكاناً شاغراً لأن موعد الإخلاء اقترب، وأكاد أرى شبح التشرّد يطاردني أنا وطفلي”.
وعلى الرغم من انفصال سونيا عن شريكها، إلا أنهما مضطران إلى العيش معا في مكان واحد لعدم قدرة أي منهما منفرداً على سداد قيمة الإيجار – ويتقاسم الشريكان مبلغ 2,400 يورو كل شهر.
وتنضم سونيا إلى آلافٍ آخرين من سكان مايوركا في مظاهرة احتجاجية ضدّ ارتفاع تكاليف المعيشة على السكان المحليين بالجزيرة بسبب ارتفاع أعداد السائحين والمصطافين.
ويعزي ناشطون ارتفاع تكاليف السكن في جزيرة مايوركا إلى إقبال السائحين على شراء أو استئجار أعداد كبيرة من الوحدات السكنية، لا سيما في فصل الصيف.
ويرى بير خوان، ذو الـ 25 ربيعاً، أنه “يستحيل استيعاب هذا الوضع”، وانضم بير خوان إلى حركة تطلق على نفسها اسم “سياحة أقلّ، حياة أكثر”.
ويرى خوان أن هذا العدد الهائل وغير المسبوق من الزائرين للجزيرة، ترك سُكانها المحليين يعانون من ارتفاع تكاليف الحياة – أسعار السلع والسكن، فضلا عن استنزاف الخدمات العامة والموارد الطبيعية.
وكان بير خوان قد بدأ نشاطه المجتمعي هذا قبل خمس سنوات، بالانضمام إلى حركة الناشطة السويدية غريتا تونبرغ على صعيد تغيّر المناخ ووقف الاحتباس الحراري.
لكن بير أخذ يركّز نشاطه على تكاليف المعيشة التي يعاني في ظلها أبناء جزيرته مايوركا.
ويرصد بير ملمحاً من ملامح تغير النشاط التجاري في الجزيرة قائلاً إن “المحلات التجارية تحولّت من بيع بضائع تقليدية محلية إلى أخرى عالمية، حتى بدأنا نفقد هويتنا. إننا نريد الحفاظ على ثقافتنا”.
ويشير بير خوان إلى شاطئ الجزيرة، بعيداً عن الشوارع وباعتها المتجولين والميادين بزحامها، ويقول إن المراكب تأتي إلى مايوركا بنحو 12 ألف زائر يوميا.
ويرى خوان أنه من العبث القول إن جزيرة مايوركا تحتاج إلى هذا الكَمّ من السائحين لكي تعيش، إن كثيرين من السكان المحليين بدأوا يفكرون في مغادرة الجزيرة لأنهم لا يستطيعون التحمُّل أكثر.
ويقترح بير خوان تقييد حركة الوصول إلى شاطئ الجزيرة، بما يخفف من الضغط على سُكانها.
ويعدّ هذا المقترح مطلباً في الجزيرة، ويرفعه المتظاهرون كشعار في مسيرة خلال عطلة الأسبوع الجاري.
وبحسب معهد الإحصاء الوطني في إسبانيا، زار جُزر الباليار العام الماضي 14.4 مليون سائح أجنبي، وكان نصيب جزيرة مايوركا هو الأكبر من الزوار.
ويقول معهد الإحصاء إن عدد الزائرين من جنسيات مختلفة للأرخبيل الإسباني زاد بنسبة 9.1 في المئة مقارنة بعام 2022، فيما زاد حجم إنفاق هؤلاء الزائرين بأكثر من 16.4 في المئة.
وإذا ما وضعنا في الحُسبان عدد الزائرين الإسبان للأرخبيل، فإن العدد الإجمالي لزائري جٌزر الباليار هذا العام يناهز الـ 20 مليوناً، بحسب تقديرات الناشطين.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، أثارت هذه الزيادة في أعداد السائحين جدلاً واسعاً بين السكان المحليين.
وقد شهد هذ العام غضباً بين كثير من هؤلاء السكان على مستوى غير مسبوق، وقد ظهر هذا جلياً في برشلونة مؤخراً، في مشهد تعرّض فيه الزائرون للرشّ بمسدسات المياه من جانب السكان المحليين.
وخرجت للسبب نفسه مظاهرات احتجاجية في مناطق أخرى من إسبانيا مثل مدينة مالقة الشاطئية جنوبي البلاد، فضلاً عن جزر الكناري.