صمود “البراغماتية الحزبية” يفاقم ظاهرة الترحال السياسي قبل انتخابات 2026
رغم مختلف الإجراءات التي قام المغرب من الناحية القانونية، بفرضها من أجل تثبيت النسق السياسي، يبدو أن “الترحال السياسي” للمنتخبين بين الأحزاب المغربية، أغلبية ومعارضة، مازال متواصلا، وسط توقعات بارتفاع حدته مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية لسنة 2026 التي تبقى هدفا لمختلف الأحزاب.
ومن آخر مظاهر هذا “الدوران الحزبي”، بغض النظر عن الأسباب، قرر حوالي 13 عضوا في جماعة تزروت التابعة إداريا لإقليم العرائش إنهاء ارتباطهم السياسي بحزبهم الأصلي الأصالة والمعاصرة، مصوبين نظرهم تجاه حزب الحركة الشعبية.
وتمكن هؤلاء من مجالسة محمد أوزين، الأمين العام لـ”حزب السنبلة”، قصد تباحث إنشاء فرع محلي للهيئة السياسية ذاتها بتراب إقليم العرائش، وهو ما لقي ترحيبه حسب الموقع الرسمي للحزب ذاته.
ورغم أن سبب هذه الحركية يعود إلى طرد حزب الأصالة والمعاصرة رئيس الجماعة سالفة الذكر، وتضامن زملائه في الحزب والمؤسسة الترابية ذاتها معه، إلا أن باحثين في العلوم السياسية لفتوا في مداخلاتهم لجريدة هسبريس الإلكترونية إلى أن الأمر يبقى في عمومه “جزءاً من دوران المنتخبين بين الأحزاب السياسية باختلاف مواقعها، أغلبية ومعارضة”، موردين في ما معناه أن “الأسباب التي قد تقف وراء ذلك لا يمكنها أن تسمح بإنكار النظرة البراغماتية لعدد من المنتخبين للأحزاب السياسية، بما يؤثر على نتائج الانتخابات ولا يجعل النسيج السياسي سليما”.
في قراءته للموضوع وأبعاده السياسية أفاد حفيظ الزهري، باحث في العلوم السياسية، بأن “هذه واحدة من الحالات التي تؤكد وجود ظاهرة دوران المنتخبين بين الأحزاب السياسية بالمغرب أو ما يسمى الترحال السياسي، وهي تبقى غير صحية ومؤثرة في المشهد السياسي المغربي ومتحكمة في طبيعة نتائج الانتخابات، على اعتبار أن المنتخب يكون ذا قاعدة جماهيرية موالية له وتسانده أينما حط الرحال”.
متحدثا لهسبريس أكد الزهري أن “هذه الظاهرة ليست بالجديدة على النسق السياسي المغربي، بل تعود إلى بداية التسعينيات، نتيجة للبلقنة الحزبية، قبل أن تتقوى خلال السنوات الأخيرة بعد تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة على أنقاض أحزاب صغرى وحركة الديمقراطيين”.
وعاد المتحدث ليشير إلى أن “عدم قدرة هذه الأحزاب السياسية على الاندماج الفعلي والعملي أدى إلى بروز ظاهرة الترحال السياسي بالمغرب؛ فبتحرك المنتخب من حزب إلى آخر نكون أمام تحرك آخر للقاعدة الجماهيرية التي لا تكون مستقرة، في حين تساعد المنتخب على التموقع داخل أي حزب جديد يلجه وافدا عليه من حزب آخر ضمن النسق السياسي نفسه”.
وبيّن الباحث نفسه أن “هذه الظاهرة السياسية غير الصحية مازالت وقعا في السياسة المغربية، حيث نلاحظ اليوم أن برلمانيين كانوا ينتمون إلى أحزاب الأغلبية خلال الحكومة السابقة باتوا اليوم متموقعين بأحزاب سياسية تنتمي إلى أحزاب الأغلبية الحكومية الحالية رغم أن أحزابهم الأصلية متموقعة اليوم في صفوف المعارضة”، خالصا إلى أن “أحزابا كانت بالأمس كبرى صارت اليوم صغرى بعدما فقدت منتخبيها الراحلين عنها”.
على النحو ذاته سارت شريفة لموير، باحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، التي ساندت الطرح القائل بكون “ظاهرة نزوح المنتخبين عن الأحزاب بالمغرب ليست جديدة، ما يجعل المسؤولية تقع بشكل كبير على الأحزاب السياسية التي تخلت عن أدوارها التي كفلها لها المشرع؛ الأمر الذي يجعل هذه الظاهرة تتقوى مع اقتراب كل محطة انتخابية”.
مُصرّحة لهسبريس أشارت لموير إلى أن “المشرع المغربي عبر القوانين الانتخابية الجديدة أعطى لأمناء الأحزاب الحق في تقديم طلبات تجريد منتخبيهم الذين غيروا انتماءهم إلى أحزاب أخرى من مهامهم الانتخابية، في وقت لم تنجح القيادات الحزبية في تخليق المشهد السياسي والحد من ظاهرة الترحال السياسي بعد”.
وزادت المتحدثة: “في المقابل لا يمكن إنكار النظرة البراغماتية من طرف المنتخبين تجاه الأحزاب السياسية، في حين أن الأخيرة تتسابق هي الأخرى على محترفي النجاح الانتخابي بغية الظفر بأكثر المقاعد، وبالتالي نجحت هاته الظاهرة في الإساءة للعمل السياسي، خاصة من طرف الأحزاب التي تتخذها كإستراتيجية انتخابية”.