حرب غزة: تقرير لهيومن رايتس يتهم جماعات فلسطينية مسلحة بارتكاب جرائم حرب في 7 أكتوبر
“لا أستطيع محو كل تلك الدماء من ذهني” هو عنوان التقرير الذي أعدته منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الذي يأتي في 236 صفحة، والذي استند على مقابلات مع 144 شخصا، من بينهم 94 ناجياً وناجية إسرائيلية من هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول ودقق في أكثر من 280 مقطع فيديو وصورة لأحداث ذلك اليوم.
أوضحت هيومن رايتس ووتش أنها قضت تسعة أشهر تدقق في تسجيلات مأخوذة من كاميرات المسلحين الفلسطينيين، وكاميرات الهواتف المحمولة، والكاميرات المثبتة على السيارات، وكاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة في مواقع الهجوم، كما فحصت المنظمة الحقوقية صور الأقمار الصناعية وحللت عشرات التسجيلات الصوتية التي تم مشاركة معظمها على قنوات تليغرام تابعة للجماعات المسلحة.
خمسة فصائل مسلحة تحت المجهر
يقول أحمد بن شمسي المتحدث باسم منظمة هيومن رايتس ووتش لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حديث مع بي بي سي عربي، إن التقرير حدد مشاركة الأجنحة العسكرية لخمسة فصائل فلسطينية، مؤكداً أنه من الصعب التحقق من مدى التنسيق بين القيادات السياسية وأجنحتها العسكرية.
ويضيف بن شمسي أنه تم التعرف على تلك الفصائل من خلال زيها العسكري وعصائب الرأس التي يرتديها مقاتلوها، إضافة إلى علامات وعبارات مميزة أخرى مثل أسماء الأجنحة العسكرية المسلحة للجماعات الفلسطينية، وهي: كتائب القسام – الجناح العسكري لتنظيم حماس، سرايا القدس – الجناح العسكري لمنظمة الجهاد الإسلامي، كتائب المقاومة الوطنية (قوات عمر القاسم) الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، كتائب أبو علي مصطفى- الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كتائب شهداء الأقصى المرتبطة بحركة فتح.
وبحسب بن شمسي فإن “النتيجة الأساسية لهذا التقرير هي أن الفصائل الفلسطينية المسلحة ارتكبت انتهاكات عديدة لقوانين الحرب، منها هجمات متعمدة وعشوائية ضد المدنيين، والقتل العمد بحق المحتجزين – ومنهم مدنيون- وكذلك المعاملة القاسية وجرائم تتعلق بالعنف الجنسي وأخذ الرهائن والتمثيل بالجثث وغيرها من جرائم الحرب”.
“جرائم حرب ممنهجة ومخطط لها مسبقا”
ويصف تقرير هيومن رايتس ووتش عمليات قتل المدنيين واحتجاز الرهائن بأنها كانت “ممنهجةً ومخططاً لها مسبقاً” بسبب “أوجه التشابه العديدة في كيفية تنفيذها في مواقع الهجوم المختلفة”، واستنتج أنها كانت “أهدافًا مركزية للهجوم المخطط له”، وخلص التقرير إلى أنها تندرج تحت تصنيف “جرائم الحرب”.
وأضاف التقرير أن ما رصدته المنظمة من أحداث يناقض البيانات التي أصدرتها قيادة حماس بعد الهجوم والتي قالت فيها إن مقاتليها تلقوا تعليمات بتجنب النساء والأطفال وكبار السن.
ويتهم التقرير المسلحين الفلسطينيين “في كثير من الأحيان” بإلحاق أضرار بالممتلكات “عن طريق التحطيم والتخريب، وكذلك عن طريق حرق بعض المباني وتسويتها بالأرض، مما عرّض المدنيين داخلها لخطر جسيم”.
وتلقت المنظمة رداً من تسع صفحات من حماس قبل نشر التقرير أفادت فيه الحركة أن العقيدة القتالية لجناحها المسلح، كتائب القسام، لا تستهدف المدنيين.
حماس تنفي وتطالب بسحب التقرير
وفي اتصال مع بي بي سي عربي، أوضح وليد كيلاني، أحد الناطقين الإعلاميين لحركة حماس، أن المرحلة التي تلت الهجوم الأولي شهدت اندفاعاً من أهالي قطاع غزة وقوى مسلحة غير منتمية لها عبر السياج الذي اخترقه جنود القسام.
ويقول كيلاني: “حينما تم كسر الجدار وعلم الناس أن هناك دخولاً إلى غلاف غزة، بدأ الكثير من المدنيين يدخلون إلى المستوطنات من أكثر من جهة، وهنا قد تكون وقعت بعض التجاوزات من قبل المدنيين وغيرهم وتمّ أسر بعض كبار السن”.
ويضيف كيلاني: “هذا لم يكن في مخططات المقاومة، فتركيز المقاومة كان استهداف جنود وضباط فرقة غزة”.
وفي بيان أعقب نشر تقرير المنظمة الحقوقية، الأربعاء، أعربت حماس عن رفضها الشديد للتقرير، معتبرة أنه يتبنى الرواية الإسرائيلية بالكامل، وابتعد عن أسلوب البحث العلمي والموقف القانوني المحايد، مما يجعله أشبه بوثيقة دعائية إسرائيلية.
واستنكرت حماس ما اعتبرته خطأً من المنظمة عندما اعتبرت أن السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي هو بداية القصة، وأهملت ما سبقها، وحمّلت حماس هيومن رايتس ووتش كامل المسؤولية عن التقرير، الذي تراه “يبرّر جرائم الاحتلال ويسوّغ استمرارها”.
وطالبت الحركة المنظمة الحقوقية الدولية بسحب التقرير وتقديم اعتذار عنه.
واتهم التقرير أيضا الفصائل المسلحة بارتكاب أعمال تعذيب وسوء معاملة ضد الأفراد الذين تمّ أسرهم، بما في ذلك أولئك الذين تمّ أخذهم كرهائن، مما يعد انتهاكاً لقوانين الحرب.
ويقول أحمد بن شمسي إن المنظمة “اتّبعت معايير قوانين الحرب أو معاهدات جنيف المعروفة ايضا بالقانون الإنساني الدولي، ووفقا لتلك المعايير، فإن ارتكاب جرائم حرب على نطاق واسع يضعها مجملها تحت تصنيف جريمة ضد الإنسانية”.
اتهامات العنف الجنسي هي “أكبر الأكاذيب”
ووجد تقرير هيومن رايتس ووتش أدلة على أن أعضاء الفصائل المسلحة ارتكبوا “أعمال عنف جنسي وعنف قائم على النوع (…) بما في ذلك أعمال التعرية القسري ونشر صور جنسية دون موافقة على وسائل التواصل الاجتماعي”.
وبعد نشر التقرير يوم الأربعاء 17 يوليو/ تموز 2024، أصدرت حركة حماس بياناً، رداً على تقرير المنظمة تناولت فيه – ضمن نقاط عدة – اتهامات العنف الجنسي ووصفتها أنها “أكبر الأكاذيب” التي احتواها التقرير، واستشهد الرد بفقرة وردت في التقرير تقول: “لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من جمع معلومات يمكن التحقق منها من خلال مقابلات مع ضحايا الاغتصاب أو شهود عليه أثناء هجوم 7 أكتوبر”، وكذلك فقرة تقول: “طلبت هيومن رايتس ووتش الوصول إلى معلومات حول العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي بحوزة الحكومة الإسرائيلية لكن لم تتم الموافقة على هذا الطلب”.
وعلى صعيد آخر، لم تتطرق المنظمة إلى ما تردد خلال الأسابيع الأولى من الحرب، من مزاعم حول ارتكاب ما وُصِف بـ”فظائع” بحق الأطفال على وجه الخصوص، باعتبار أن هذه المزاعم كُذِبَّت بعد ذلك، ويقول أحمد بن شمسي المتحدث باسم منظمة هيومن رايتس ووتش لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “ليس من منهجيتنا التطرق إلى الادعاءات العامة والأخبار المزيفة التي سمعناها في وسائل الإعلام، هدفنا هو التحقيق فيما وقع وليس فيما لم يقع”.
واختتمت هيومن رايتس ووتش تحقيقَها بمطالبة الحكومات التي لديها نفوذ على الفصائل الفلسطينيّة المسلّحة بالضغط من أجل الإفراج العاجل عن الرهائن المدنيين، وخصّت بالذكر حكومات مصر وإيران وتركيا وقطر ودول الخليج الأخرى التي لها علاقات مع الفصائل المسلحة التي شاركت في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
“نحقق في الانتهاكات من الطرفين”
وأكد بن شمسي أن هيومن رايتس ووتش تسعى للتحقيق في الانتهاكات التي يشتبه طرفا الصراع بارتكابها، ويضيف: “نشرت هيومن رايتس ووتش منذ اندلاع الحرب في غزة أكثر من 120 تقريراً وبياناً صحفياً ومقاطع فيديو وغيرها من الوثائق التي تشير بدقة إلى الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب التي ارتكبتها إسرائيل”.
وقال إن تلك الانتهاكات “شملت القصف المتواصل للمدنيين الفلسطينيين بما في ذلك غالبية عظمى من الأطفال والنساء دون مبرر عسكري، والاستخدام المتكرر وغير القانوني للفسفور الأبيض من قبل الجيش الإسرائيلي، ومنعه المتكرر لوصول الغذاء والماء وإعاقة المساعدات الإنسانية إلى الغزاويين – ما يشكل عقاباً جماعياً، أي جريمة حرب ضخمة الحجم والأبعاد”.
وأضاف: “لا زلنا نحقق في الانتهاكات الجماعية، منها ما قد يرقى إلى الجريمة ضد الإنسانية – وهذا ما سميناه قبل عامين سياسة الفصل العنصري التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين”.
وأشارت حماس في بيانها إلى أن التقرير يتحدث عما وصفه بـ”الجرائم التي ارتكبتها الفصائل الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر حسب زعمه، لكنه يتجاهل عمداً الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال في ذات اليوم ضد أهل قطاع غزة”.
ويأتي هذا التقرير في وقت يسعى فيه الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات توقيف في حق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير دفاعها يوآف غالانت بالإضافة إلى عدد من قادة حماس، ولكن حتى هذه اللحظة، لم تُحدث التقارير والإجراءات التي تستهدف طرفي النزاع تغيّراً ملموساً في مجريات الصراع على الأرض.