سوريا وتركيا: كيف سيؤثر التقارب بين دمشق وأنقرة على المعارضة السورية؟
شهدت الأسابيع الأخيرة تطورات ملفتة وسريعة على مستوى العلاقة بين تركيا وسوريا.
إذ قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة على متن الطائرة أثناء عودته من برلين في 8 يوليو/تموز، “سنوجه دعوتنا (الرئيس السوري) للأسد، وبهذه الدعوة، نريد استعادة العلاقات التركية السورية إلى نفس المستوى الذي كانت عليه في الماضي”.
وجاء ذلك بعد أسبوع على تصريح مماثل لأردوغان أبدى خلاله استعداده لعودة العلاقات بين البلدين بعد أكثر من عقد من القطيعة على خلفية دعم أنقرة فصائل سورية مسلحة معارضة للحكم في دمشق.
وسبق تصريح أردوغان، مواجهات في عفرين شمال سوريا، بين فصائل من المعارضة السورية وقوات الجيش التركي.
كما شهدت مدينة قيصري جنوب تركيا، أعمال عنف ضد اللاجئين السوريين، على خلفية انتشار شائعات لم يتم تأكيدها حول تحرّش شاب سوري بطفلة تركية.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تشهد فيها تركيا اعتداءات على السوريين وعلى أملاكهم.
ورأى خبراء تحدثوا لبي بي سي، أنّ تصريح أردوغان حول استعادة العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد، أكثر جدّية من السابق، وأنّ الأمور قد تتجه قريباً باتجاه التطبيع الرسمي بين البلدين.
فما هو مصير العلاقة بين أردوغان والمعارضة السورية في ظلّ هذا التقارب المحتمل؟ وما هو مصير المناطق السورية في الشمال، الواقعة تحت سيطرة الأتراك؟
الدوافع خلف التقارب التركي السوري
- الهاجس الكردي
يقول خضر خضور، الباحث في معهد كارنيغي، في اتصال مع بي بي سي، إنّ أساس هذا التقارب “هو أمني متجذر في الكيان الرسمي والشعبي في تركيا وهو أبعد من حدود حكومة أردوغان”. ويتعلّق “بخطر شبح حزب العمّال الكردستاني”.
وخاضت الحكومات التركية المتعاقبة على مدى نحو أربعة عقود، صراعاً مسلحاً مع حزب العمال الكردستاني الذي نشأ في أواخر السبعينيات.
وقال الباحث اللبناني المتخصص في مركز تحليل السياسات في إسطنبول، محمود علوش لبرنامج بودكاست “يستحق الانتباه” على بي بي سي، إنّ “مشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية، يشكّل هاجساً مشتركاً بين أنقرة ودمشق، لا سيما بعد إعلان (الوحدات الكردية) عن إجراء انتخابات للمجالس المحلية”.
ورأى علوش أنّ هذا الهاجس هو من أهمّ أسباب ودوافع هذا التقارب بين الدولتين.
- مصالح إقليمية وعين على شرق سوريا
يقول خضر خضور إنّ هناك مصلحة إقليمية مشتركة خلف التقارب التركي السوري.
ويوضح أنّ الموضوع لدى الروس، أمني أيضاً.
“يمكننا أن نرى ذلك في إطار اتفاقيات الآستانة التي تمثّل تقارباً روسياً إيرانياً تركياً، لرسم خطوط صراع جديدة وتجميد الصراع في سوريا”
ويضيف قائلاً إنّ “هذا الإطار يتوسّع اليوم. والمصلحة التي تجمع الإيرانيين والروس والأتراك أساسها إبعاد الأمريكيين عن سوريا، وبالتالي – بالنسبة للأتراك – إضعاف تنظيم قسد (قوات سوريا الديمقراطية).
وتأسست “قوات سوريا الديمقراطية (قسد)” عام 2015 بدعم من الولايات المتحدة وبمعارضة شديدة من الجانب التركي، بسبب ضمّ فصائل كردية معادية لتركيا.
وتابع خضور قائلاً: “بالنسبة للروس، الأمريكيون سيخرجون من سوريا. وبالنسبة للإيرانيين هذه مصلحة لأنهم قد يرون في ذلك فرصة للتوسع في بعض المناطق في شرق سوريا”.
وقال إنّ هذا التقارب يجري ضمن هذا السياق، وإنّ الأولوية على أجندة هذا التقارب هي خروج الأمريكيين من شرق سوريا وبالتالي تفكيك إدارة “قسد”.
وبحسب خضور فإنّ البحث يكمن في “الإطار الذي يمكن أن يدمج فيه مناطق شرق سوريا مع الحكومة المركزية في دمشق دون حرب، وفي الوقت ذاته برضا تركي”.
وفي الوقت ذاته، وفق خضّور، “سيتقدم الأتراك خطوة باتجاه النظام في سوريا، الذي لديه أولوية في هذه المناطق (شرق سوريا)، بسبب حاجته إلى موارد هناك مثل النفط والقطن وغيرها التي ستنعشه اقتصاديا إن استطاع استعادتها”.
ويرى الباحث محمود علوش أنّ هناك عاملاً يتعلّق بالسياسة الأمريكية في المنطقة.
ويقول إنّ هناك قناعة متزايدة لدى دول المنطقة بأنّ الانتخابات الرئاسية الجديدة “ستعيد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وإنّ أي عودة محتملة لترامب ستصحب معها تغييراً في السياسات الأمريكية في المنطقة وبالتالي قد يؤدي ذاك إلى انسحاب أمريكي من سوريا”.
وأضاف علوش قائلاً إنّ “الهاجس المشترك بين إيران وروسيا وتركيا هو ملئ أي فراغ يتركه الانسحاب الأمريكي”.
- مسألة اللاجئين وتحوّل تركي في مقاربة الملف السوري
ويرى علوش أنّ مسألة اللاجئين وأحداث العنف الأخيرة في قيصري، تشكلّ ضغطاً متزايداً على السياسات التركية في سوريا.
ويشير إلى وجود تحوّل في النظرة التركية إلى الملفّ السوري بعد مرور 13 عاماً على بدء الصراع. ولم يعد الملف السوري يحظى بذات الأهمية لدى السياسات الدولية فضلاً عن تهميشه، نتيجة نشوب صراعات إقليمية أخرى في المنطقة.
مصير الشمال السوري
التساؤلات حول نتائج أو تداعيات استعادة العلاقات بين أردوغان والأسد، كثيرة وأهمّها تأثير ذلك على المعارضة السورية المدعومة من تركيا وعلى مناطق النفوذ التركي العسكري والإداري في الشمال السوري.
ويرجّح خضّور أنّ مسار التطبيع سيكون طويلاً جداً، وهو مرتبط بقدرة الجانب السوري، وليس بإرادة تركيا، “إذا لا يمكن للأتراك الانسحاب فجأة من المناطق وتسليمها للنظام لأن ذلك سيؤدي إلى حرب”.
ويوضح الباحث في معهد كارنيغي أنّ “هذه المناطق مسلّحة وأنّ هيئة تحرير الشام كتلة وازنة في الشمال. لكن يجب النظر إلى قدرة النظام على استعادة مناطق جديدة”.
ولكن هل يمكن للحكومة السورية أن تحقق هذا بالفعل بمساعدة إيرانية روسية؟
ينفي خضور إمكانية حدوث ذلك انطلاقاً من تجربة استعادة حكومة دمشق السيطرة على الجنوب السوري.
يقول: “رأينا ما حدث في الجنوب السوري عندما استعاده النظام السيطرة على تلك المناطق، الأقل تعقيدا، بمساعدة إيرانية روسية”
“ورغم تفكّك مشروع المعارضة وفتح الحدود مع الأردن، لا زالنا نرى كل يوم انفلاتاً في الجنوب كما حدث في السويداء، التي خرجت من سلطة دمشق”.
ويتساءل “ماذا لو تعمّم هذا النموذج في الشمال؟
ويشير خضور إلى عقبة أخرى وهي وفق ما يرى أنّ “النظام في سوريا غير مؤهل” لاستعادة مناطق جديدة. ويعني بذلك أنّه غير مؤهل مالياً وبشرياً.
ويوضح قائلاً إنّ “أغلب الكوادر من التقنيين والنخب السورية خارج سوريا”.
وإنّ “دائرة النظام الآن من خبراء وأمنيين وعسكريين، لا تستطيع تشكيل رؤية لما بعد الحرب”.
ويقول خضور “إنّ مساعدة الروس والإيرانيين في الجانب العسكري فعّالة ولكن ليس في جانب الحوكمة الإدارة. هذه شؤون محلية”.
ويرى أنّ “الأولوية لدى النظام هي الاعتراف السياسي بأنّه، السلطة الوحيدة الشرعية في سوريا. وقد حصل على ذلك من السعودية وجامعة الدول العربية والأتراك”. و أنّ “النظام لا يزال يعيش في حقبة الحرب، ولا يملك رؤية لليوم التالي”.
هل تتخلى تركيا عن المعارضة وعن مناطق نفوذها في سوريا؟
يقول خضّور إنّ المخرج الوحيد هو أن يقوم الأتراك بالخطوة الأولى لتفكيك “الثورة” ، أي تفكيك كامل البنية التي تأسست هناك منذ سنوات “بما تتضمنه من فصائل وإدارة ومنهج تعليمي واقتصاد”.
لكنّ، حتى هذه الخطوة، وفق الباحث في معهد كارنيغي، تحتاج إلى سنوات.
وفي حال قرر الأتراك القيام بهذه العملية، يستبعد خضور أن يؤدي ذلك الى اشتباكات بين قواتهم والفصائل المعارضة، “لأنّ لدى الأتراك هيبة قوية في الشمال، لكني لا أرى أنهم سيقدمون على هذه الخطوة لأن نتائجها غير مضمونة”.
ويضيف: “لذا لا أستطيع أن أرى انعكاساً عملياً لهذا التقارب أو لمرحلة ما بعد الاعتراف السياسي، سيبقى الوضع على ما هو عليه لفترة”.
ويقول الباحث في مركز تحليل السياسات في إسطنبول محمد علوش، إنّ مسار التقارب التركي السوري سيكون مساراً طويلاً ومعقداً وقائماً على مبدأ “الخطوة بخطوة” من الجانبين.
لكنّه يرى أنّ الوجود العسكري التركي في سوريا سيبقى قائماً”.
“تركيا ليست بوارد التخلي عن الوجود العسكري ولا عن مهماتها الإدارية اليومية في شمال غرب سوريا”.
قلق لدى المعارضة السورية؟
ردّت الحكومة السورية على المبادرة التركية ببيان جاء فيه أنّ أي استعادة للعلاقات يجب أن “تبنى على أسس واضحة”، وفي مقدمتها “انسحاب القوات الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سوريا فقط، بل أمن تركيا أيضاً”.
ويقول الباحث محمد علوش أنّ تركيا تواجه تحدياً كبيراً في الموازنة بين الانعطاف في العلاقة مع دمشق، وما تفرضه من متطلبات في العلاقة مع المعارضة”.
لأن هذه العلاقة، بحسب علوش، “تشكّل ركيزة أساسية ومن غير المتصور أن تتخلى تركيا عنها”.
ويرى أنّ “قلق المعارضة ليس من تخلي تركيا عن العلاقة معها، بل من أن تدخل تركيا التسوية السياسية، وفق نظرة روسيا وإيران”.
ويرجح أنّ “تركيا لن تتخلى عن العلاقة مع المعارضة، لكن التسوية ستفرض على تركيا إعادة تصميم هذه العلاقة ودورها”.
ويوضح أنّ وظيفة هذه العلاقة قد تتحوّل اليوم “لأنّ تركيا كانت تقدم نفسها حليفاً للمعارضة، بينما اليوم تقدم نفسها وسيطاً بين المعارضة والنظام في سوريا”.
ويضيف علوش: “في الوقت ذاته لا يمكن للمعارضة التخلي عن هذه العلاقة، فهذا أشبه بالانتحار”.
وبالتالي، بحسب علوش، إنّ أفضل الخيارات السيئة لدى المعارضة السورية، “هو الحدّ من آثار هذه التحولات على مصالحها ووجودها وتجنّب ما يمكن ان يكون أسوأ”.