يوم عاشوراء: من المآتم والأحزان إلى البهجة وأطباق الحلوى في مصر
- Author, أميمة الشاذلي
- Role, بي بي سي عربي – القاهرة
“انقسم المسلمون بعد زمن إلى سنة وشيعة، وأصبح كل منهم ينظر إلى عاشوراء من وجهة نظره”، هكذا قال الدكتور محمود إبراهيم حسين، أستاذ التاريخ الإسلامي والآثار بجامعة القاهرة، في حديثه عن يوم عاشوراء، الذي يحييه المسلمون حول العالم بطرق مختلفة، في العاشر من شهر محرم الهجري.
وأضاف أستاذ التاريخ الإسلامي لبي بي سي، “أهل السنة ينظرون إليه كيوم عبادة وصيام وتقرب إلى الله. أما الشيعة فيكون بالنسبة لهم يوم بكاء وحزن”.
من هذا المنطلق، شهدت مصر تغيراً في شكل إحياء هذا اليوم عبر تاريخها. وتقول الدكتورة نهلة إمام، أستاذة “العادات الشعبية والمعتقدات والمعارف التقليدية”، إن “مصر تحب الاحتفال بالمناسبات الدينية بالكثير من البهجة، حتى لو كانت ذكرى أليمة تاريخياً”.
سنة وشيعة
أوضحت الأستاذة بالمعهد العالي للفنون الشعبية في مصر، لبي بي سي، أن “المصريين يحتفلون في المناسبات الدينية بالكثير من البهجة التي قد تنسيهم أحياناً أصل الموضوع”، مضيفة “نحن نمارس عاشوراء كتراث حي، وله عمق تاريخي واعتقادي”.
وقالت أستاذة الفنون الشعبية إن هناك اعتقاداً سائداً أن العاشر من محرم هو اليوم الذي التقى فيه آدم وحواء، والذي رست فيه سفينة النبي نوح على جبل “الجوديّ”، وهي معتقدات شعبية لا دليل عليها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه وفق المعتقد الديني لدى السنة، فإن يوم عاشوراء هو اليوم الذي نجى الله فيه النبي موسى وبني إسرائيل من بطش فرعون بعد خروجهم من مصر.
كما ورد في الأحاديث أنه كان يومًا “تصومه قُرَيشٌ في الجاهليَّةِ” وأن النبي محمد صامه ودعا إلى صيامه.
أما أهل الشيعة فيكرهون الصيام في ذلك اليوم، ويرون أنه “صَوْمٌ مَتْرُوكٌ بِنُزُولِ شهرِ رمضان”، وأن الدعوة إلى صيامه محاولة للتغطية على ذكرى الحادثة التاريخية، التي لا يُنكرها أيٌّ من الفريقين، وهي مقتل الحسين حفيد النبي محمد في معركة كربلاء منذ أكثر من ألف عام وثلاثة قرون، في حدث يُعَد الأفظع في التاريخ الإسلامي.
وعلقت الدكتورة إمام على بعض ممارسات الشيعة التي تتسم بالعنف في هذا اليوم قائلة: “لم يسبق للمصري أن احتفل بالمناسبات الدينية بهذه الطريقة، ولكن حولها بطريقة تناسب شخصيته لأنه يحب البهجة”.
كيف بدأ إحياء عاشوراء في مصر؟
لم يتحدث التاريخ بشكل واضح عن بداية إحياء المصريين لعاشوراء قبل الدولة الفاطمية في منتصف القرن الرابع الهجري، وكان الفاطميون شيعة على المذهب الإسماعيلي، ويقولون إن نسبهم يعود للسيدة فاطمة بنت النبي محمد وزوجة الإمام علي بن أبي طالب.
ويقول المؤرخ تقي الدين المقريزي في كتابه المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار، الذي عرف بخطط المقريزي، إن مذهب الشيعة “فشا بديار مصر” في القرن الرابع الهجري، بدءاً من عام 358هـ مع قدوم القائد العسكري جوهر الصقلي من بلاد المغرب في عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي.
ومع ذلك، فقد تحدث المؤرخون عن “تشيع” المصريين للإمام علي، والد الإمام الحسين وابن عم النبي وزوج ابنته، من قبل حتى توليه الخلافة بعد عثمان بن عفان، الذي يُعرف بثالث الخلفاء الراشدين بعد وفاة النبي محمد.
ويقول المقريزي “كان التشيع بأرض مصر معروفاً قبل ذلك” مستنداً إلى ما نقله المؤرخ المصري أبي عمرو الكنديّ عن يزيد بن أبي حبيب الذي عاش في القرنين الأول والثاني للهجرة، والذي كان يعد مفتي الديار المصرية في عهد الأمويين، حيث قال: “نشأتُ بمصر وهي عَلَوية، فقلبتُها عُثمانية”، في إشارة إلى علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان.
ويعود تاريخ التشيع للإمام علي بن أبي طالب في مصر إلى أيام خلافة عثمان بن عفان التي شهدت جدلاً واسعاً بسبب من ولاهم على شتى بقاع الدولة الإسلامية آنذاك، وبعضهم من أهله من الأمويين، ولاقى الكثير من هؤلاء الولاة معارضة لسياساتهم.
وبحسب المؤرخين، فقد شارك وفد من مصر إلى جانب وفود من الكوفة والبصرة، في قتل الخليفة عثمان. وأراد وفد مصر تنصيب الإمام علي بدلاً عنه، بعد ثورتهم واستيائهم من سياسة من ولاهم عثمان على مصر.
وجاء في كتاب “عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك” للأديب والمؤرخ المصري محمد حسين هيكل، أن وفد مصر قال لعثمان: “اعزل عنا عُمّالك الفُسّاق، واستعمل علينا من لا يتّهم على دمائنا وأموالنا، واردد علينا مظالمنا”، فكره عثمان ذلك ورفض أن يكون الأمر أمرهم، وكأنه كخليفة لا يملك من الأمر شيئا.
وأضاف هيكل: “وهكذا أراد الثوار حسم الأمر، فخيروا عثمان بين أن يمحو مظالمهم أو ينزل عن الخلافة، وإلا قتلوه. فأبى عثمان تحقيق الأمرين الأول والثاني”.
وفي عام 36 هـ في خلافة الإمام علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين، كانت “مصر يومئذ من جيش عليّ” بحسب المقريزي، إلى أن قُتل واستقرّ الأمر لمعاوية فـ”كانت مصر جندها وأهل شوكتها عثمانية” أي من أنصار عثمان بن عفان، أو بمعنى آخر، من أنصار معاوية بن أبي سفيان، ابن عم عثمان.
واستمر التضييق على أنصار الإمام علي في مصر، بل وأُخرِج من بقي من آل البيت منها، “واستتر من كان بمصر على رأي العلوية” حتى في الدولة العباسية، بحسب المقريزي.
ومع ذلك، أخذ أمر الشيعة يقوى بمصر بعد ذلك وصولاً إلى عصر الدولة الإخشيدية، وتحديدا في عام 350هـ، حيث يذكر المقريزي في خططه أن يوم عاشوراء من هذا العام، حدثت منازعة بين الجند وبين جماعة من الرعية عند قبر السيدة كلثوم “بسبب ذكر السلف والنوح، قُتِل فيها جماعة من الفريقين”.
وكان الشيعة قبل وصول رأس الحسين إلى مصر لاحقاً – – يتوجهون في يوم عاشوراء إلى قبر السيدة كلثوم والسيدة نفيسة، وهما من أحفاد الإمامين الحسن والحسين، ومن أبرز شخصيات آل البيت في مصر.
وأضاف المقريزي أن الجند في ذلك اليوم كانوا يسألون كل من يلقونه: من خالك؟ “فإن لم يقل معاوية بطشوا به وشلّحوه”، ما يوضح التضييق السياسي الشديد، على من كان يود إحياء عاشوراء، الذي كان يأخذ طابع الحزن إلى حد كبير.
إغلاق الدكاكين وتعطيل الأسواق
في كتابه “سيرة المعز لدين الله”، الذي بنى مدينة القاهرة، يقول المؤرخ المصري الحسن بن زولاق الذي عاش في القرن الرابع الهجري، إنه في عهد هذا الحاكم الفاطمي، وتحديداً في يوم عاشوراء من سنة 363 هـ، توجه جماعة من الشيعة إلى قبر السيدة كلثوم والسيدة نفيسة.
ويقول ابن زولاق إن الشيعة ومعاهم فرسان من المغرب بدأوا “بالنياحة والبكاء على الحسين عليه السلام، وكسروا أواني السقائين في الأسواق، وشققوا الروايا، وسبّوا من يُنفِق في هذا اليوم”، فتصدت لهم جماعة أخرى، حتى كاد الأمر يتحول إلى “فتنة” لولا الفصل بين الفريقين، وإغلاق الدرب وعودة الجميع، الأمر الذي استحسنه المعز.
وأوضح ابن زولاق بأنه “لولا ذلك لعظمت الفتنة، لأنّ الناس قد غلقوا الدكاكين وأبواب الدور، وعطلوا الأسواق”.
ويروي المؤرخ عز الملك المُسَبِّحيّ أنه في يوم عاشوراء بداية من عام 396 هـ، “جرى الأمر فيه على ما يجري كل سنة من تعطيل الأسواق وخروج المنشدين إلى جامع القاهرة [الأزهر] ونزولهم مجتمعين بالنوح والنشيد”.
وأضاف المُسَبِّحيّ أن قاضي القضاة في ذلك الوقت عبد العزيز بن النعمان، جمع سائر المنشدين الذين يتكسّبون بالنوح على كربلاء، ونهاهم عن سب السلف والتكسب من النوح، وأمرهم ألا يُلزموا الناس بإعطائهم شيئاً إذا وقفوا على “حوانيتهم” أي محالهم التجارية.
السِّماط العظيم
في العصر الفاطمي، كان إحياء يوم عاشوراء في مصر مسؤولية الدولة، وكان يوماً يتشارك فيه رجال الدولة والدين والشعب المصري، فتنصب فيه الموائد وتوزع فيه الأموال على عامة الشعب.
وفي كتابه “نصوص من أخبار مصر”، ذكر الوزير والمؤرخ المصري في عهد الفاطميين الأمير جمال الدين بن المأمون، أنه في يوم عاشوراء سنة 515هـ، “عبىء السماط بمجلس العطايا من دار الملك بمصر، التي كان يسكنها الأفضل بن أمير الجيوش”.
والسماط هو ما يعرف بالمائدة، يُمد ليوضع عليه الطعام في المآدب، لكنها لا تكون مأدبة بالمعنى المعروف لما لذ وطاب من المأكولات، بل تتكون وفق ما حكاه ابن المأمون من “أجبان وسلائط ومخللات وخبز من الشعير وعدس أسود، ثم يرفع ذلك وتقدم صحون عسل النحل”.
ويقول المؤرخ المصري ابن الطوير القيسراني الذي كان شاهداً على الدولتين الفاطمية والأيوبية، إنه “كان إذا جاء يوم العاشر من محرم يحتجب الخليفة عن الناس، فإذا علا النهار ركب قاضي القضاة والشهود وقد غيروا زيّهم. ثم صاروا إلى المشهد الحسيني”، وذلك بعد وصول رأس الإمام الحسين إلى مصر بسنوات.
علما أن معظم المؤرخين يعتقدون أن دفن رأس الحسين في مصر هو أمر رمزيّ.
وقد قال المقريزي وعدد من المؤرخين إن رأس الإمام الحسين نُقل من عسقلان في فلسطين إلى قصر الزمرد في القاهرة في عام 548هـ، ثم دفن عند قبة الديلم.
ومنذ ذلك الحين، كان الفاطميون “ينحرون في يوم عاشوراء عند القبر الإبل والبقر والغنم، ويكثرون النوح والبكاء، ويسبون من قتل الحسين، ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم”، بحسب المقريزي.
ويضيف ابن الطوير في كتابه “نزهة المقلتين في أخبار الدولتين” أنه قبل وجود المشهد الحُسيني، كان يحدث ذلك في الجامع الأزهر، ومعهم قراء القرآن والشعراء الذين ينشدون في رثاء أهل البيت.
ويروي المقريزي أنه في العام التالي 516هـ، كان الخليفة الفاطمي العاشر، “الآمر بأحكام الله” يجلس على أحد أبواب القصر على كرسيّ من الجريد “بغير مخدّة متلثما هو وجميع حاشيته” ويسلم على جميع الأمراء والأشراف “وهم بغير مناديل ملثمون حفاة”.
ويقول المقريزي إن سماط الحزن في عاشوراء كان يشهد مقدار ألف طبق من “العدس والملوحات والمخللات والأجبان والألبان والأعسال والفطير والخبز المغير لونه إلى السواد بالقصد”.
ويضيف أن البياعين كانوا يغلقون حوانيتهم إلى عصر يوم عاشوراء، وبعد ذلك “يفتح الناس ويتصرفون”.
الاكتحال وتجديد الأواني في عهد الأيوبيين
كان زوال حكم الفاطميين وبداية حكم الأيوبيين، إيذاناً بتغير شكل إحياء ذكرى عاشوراء في مصر.
ويقول المقريزي في خططه إن “ملوك بني أيوب اتخذوا يوم عاشوراء يوم سرور يوسعون فيه على عيالهم ويتبسطون في المطاعم ويصنعون الحلاوات ويتخذون الأواني الجديدة ويكتحلون ويدخلون الحمام”.
ويوضح المقريزي أن هذه السُنّة الجديدة التي سنها الأيوبيون في مصر، كانت تقليداً لعادة أهل الشام التي كانت مركزاً للأمويين، “سنها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان ليرغموا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالب الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن على الحسين”.
ويصف الباحث المصري المعاصر صالح الورداني في كتابه “الشيعة في مصر”، أن ذلك حدث في إطار ما وصفه بـ”الانقلاب الأيوبي” في مصر، الذي يقول إن الفقهاء والمؤرخين “باركوه بعد أن أراحهم من خصومهم الشيعة”.
ويتفق مع الورداني، محمد صلاح، الباحث المصري في تاريخ آل البيت، الذي أشار إلى أن صلاح الدين الأيوبي أغلق الجامع الأزهر، وظل مغلقاً لنحو 100 سنة، بهدف “تغيير جيل كامل يحمل الانتماء للفاطميين”.
وأضاف محمد صلاح في حديثه لبي بي سي إن من كان يفكر في إحياء يوم عاشوراء في ذلك العصر كان يُعد معارضاً لحكم الأيوبيين “فكان لابد لهذه الذكرى أن تموت”.
أما الدكتور محمود إبراهيم حسين، أستاذ التاريخ الإسلامي، فيرى أن الدولة الأيوبية “جاءت بأجندة سياسية من الدولة العباسية لتطهير مصر من آثار الفاطميين، وبالتالي لن يبقوا على أي ثقافة للفاطميين من فرح أو حزن، ولا علاقة لذلك بالدين”.
الحناء وطبخ الحبوب في الدولة المملوكية
بانتهاء الدولة الأيوبية ووصول مصر إلى حكم الدولة المملوكية في منتصف القرن السابع الهجري، يبدو أن مظاهر عاشوراء في مصر اتخذت شكلاً أكثر بهجة مما كانت عليه في السابق.
ويتضح ذلك من خلال فتاوى ابن تيمية، أحد أبرز العلماء المسلمين في تلك الفترة، الذي قضى حياته بين الشام ومصر، حيث سُئل عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من “الكحل والاغتسال والحناء والمصافحة وطبخ الحبوب وإظهار السرور”.
ورفض ابن تيمية ما وصفها بـ”الأحاديث الموضوعة المكذوبة” التي تقول إن يوم عاشوراء هو يوم “توبة آدم واستواء سفينة نوح على الجوديّ ورد يوسف على يعقوب وإنجاء إبراهيم من النار، وفداء الذبيح بالكبش”.
وانتقد ابن تيمية كلا الفريقين، الذي ينوح ويندب والذي يفرح ويحتفل، قائلاً إن ذلك من فعل “النواصب” أعداء آل البيت، أو الجهلة “الذين قابلوا الفاسد بالفاسد”.
ويؤكد انتشار الاحتفال بعاشوراء أيضاً ما قاله أبو الحسين الجزار، الشاعر في العصر المملوكي، الذي أراد أن يداعب الشريف شهاب الدين ناظر الأهراء، فكتب إليه في ليلة عاشوراء يدعوه للمجيء وإلا “لأحضرنّ للهناء في غد … مكحل العينين مخضوب اليدِ”.
ولم تنقطع عادة الطعام عن العهد المملوكي، وفق ما جاء في “الخطط التوفيقية الجديدة” لعلي باشا مبارك، تحت باب “مسجد السلطان حسن”، الذي بناه الملك الناصر الحسن بن قلاوون في عهد المماليك عام 757هـ.
ويقول المبارك في خططه، إنه “كل سنة في يوم عاشوراء، يصرف برسم الصدقة قيمة أربعين قنطاراً من خبز البُر [القمح]، وعشرة قناطير من لحم الضأن، وأردبين من الحبوب التى تُعمل فى عاشوراء”.
وأضاف من ضمن ما يُصرف في الدولة “أربعة قناطير من العسل، وعشرين رطلا من الشيرج [السمسم]، وقيمة الأبازير [التوابل] والحطب، وأجرة الطبخ وتفرقته، وبعد طبخه يفرق نصفه على أرباب الوظائف وطلبة العلم، ونصفه على الفقراء والمساكين”.
“يا سي علي لوز”
يكشف لنا كتاب “الإبداع في مضار الابتداع” للشيخ علي محفوظ الذي عاصر دولة مصر الحديثة في عهد سلالة محمد علي باشا قبل أكثر من 100 عام، جانباً من مظاهر الاحتفال بعاشوراء في ذلك الوقت في مصر.
ويقول محفوظ إن من بدع عاشوراء “البخور الذي يطوف به على البيوت في مصر قوم من العاطلين الذين لا خلاق لهم، فيرقون منه الأطفال مع كلمات ساقطة، يقولونها بمحضر من أمهاتهم، ويسمونه: بخور العشر، وهو ملح ونحوه يصبغونه ألوانا”.
ومما أنكره أيضاً وكان يُفعل في عاشوراء “طواف البنات في شوارع مصر بأطباق الحلوى ينادين عليها بقولهن: يا سي علي لوز”.
وبحسب “قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية” للأديب والمفكر أحمد أمين، فإن الأطفال كانوا “يعقِدون السكر ويصبونه في صوان صغيرة، ويضعون عليه اللوز المقشر وينادون عليه (علي لوز)”.
ويرجح أمين أن تعود تلك الحلوى إلى أيام الفاطميين، بالنظر إلى ارتباط اسمها بـ”علي” الذي ارتبطت به الكثير من المسميات في الثقافة الشعبية المصرية منذ ذلك الحين، في إشارة إلى الإمام علي بن أبي طالب.
ويقول الباحث المعاصر صالح الورداني في كتابه، إن مواكب الشيعة لإحياء ذكرى عاشوراء استمرت حتى فترة قريبة، مرجحاً عودة تلك المواكب إلى “بقايا العهد العثماني” الذي أتيحت في أواخره فرصة لبروز شيعي وإن كان محدوداً”، مضيفاً أن علي باشا مبارك ذكر في الخطط التوفيقية ما يشير إلى ذلك.
حلوى عاشوراء
تقول الدكتورة نهلة إمام، أستاذة الفنون الشعبية، إن كتابات المستشرقين عن مصر في القرن التاسع عشر، ذكروا أن المصريين يحتفلون في هذا اليوم ويصنعون حلوى من القمح واللبن والسكر ويعدون منها أطباقاً ويوزعونها هدايا، مضيفة أن التهادي بالأكل “عادة منتشرة في المجتمع المصري”.
وأوضحت أن حلوى “عاشوراء” ذُكرت في كتب التاريخ، كما أن المستشرقين حين وصفوا ما وجدوه، فإن هذا يعني أن وجودها كان أقدم من ذلك، لكن تحديد بدايتها أمر صعب ككل الميراث الشعبي، لاسيما وأن لها مسميات أخرى لدى ثقافات أخرى.
وأضافت إمام أن حلوى “العاشوراء” في بعض الثقافات الأخرى تُصنع من سبعة حبوب، وليس القمح فقط كما جرت العادة في مصر، ويطلق عليها “عصيدة نوح” في اعتقاد منهم أن النبي نوح صنعها بعد رسو سفينته.
ولا تزال حلوى “العاشورا” كما ينطقها المصريون، موجودة حتى اليوم، لاسيما في القرى والأرياف والمناطق الشعبية، وتدعو أستاذة الفنون الشعبية المصريين إلى صناعة الحلوى وإقامة الطقس “للحفاظ على تراث البلد”.
“موسم عاشورا”
يقول محمد صلاح، الباحث في تاريخ آل البيت، إن شكل إحياء عاشوراء في مصر منذ موقعة كربلاء، اعتمد على وجهة نظر الدولة الحاكمة.
وأضاف لبي بي سي: “نحن ندرس وجهة نظر الدولة الحاكمة في كل عصر، ففي عصر الدولة الأموية وما بعدها، لو قال أحدهم إن عاشوراء هو يوم حزن، فهذا يعني أنك معارض للحزب الحاكم، والعكس بالعكس في الدولة الفاطمية، وكان على الشعب التكيف مع ذلك”.
وتقول الدكتورة نهلة إمام أستاذة الفنون الشعبية إن “المصريين لا يربطون يوم عاشوراء بمقتل الإمام الحسين”، ويعدونه “موسماً” كغيره من المواسم الدينية، تُصنع فيه أكلات مميزة في البيوت.
وتقول إن عاشوراء في مصر، فرصة في البيوت المصرية لإعداد ما لذ وطاب، ودعوة أبنائهم المتزوجين للالتفاف حول “البط” والحلوى.
وتضيف: “طبيعة المصري أنه لا يحب أن يقرن الدين بالتخويف والتشاؤم والعذاب، بل بالبهجة، ويجد إليها سبيلاً في أكل أو حلوى أو زينة، ويضفي عليها هذه الغلالة من التقاليد والطقوس المصرية جدا”.
وتضيف أن المصريين يمارسون الاحتفال بعاشوراء اليوم “كتراث حي” له عمق تاريخي واعتقادي، مضيفة أنه ليس قاصراً على مصر إلا أن “المعتقد الشعبي المصري يضفي على المناسبات هالة من العمق التاريخي ومن مبررات الاحتفال”.
في المقابل، يرى صلاح، أن المصريين اليوم أخذوا من الفاطميين فكرة إقامة الولائم، بدون ذكر كربلاء، وأن الدول المتعاقبة على مصر، تعمدت طمس تاريخ عاشوراء، بالحديث عن رحلة الهجرة النبوية، التي لم تكن أصلاً في شهر المحرم، بل بدأت في أواخر صفر وانتهت في ربيع الأول.
وأشار صلاح، الذي يؤكد عدم انتمائه للسنة أو الشيعة، إلى أن اليهود الذي يُنسب إليهم صيام عاشوراء، “لا يستخدمون التقويم القمري، ويحتفلون بخروجهم من مصر في 15 أبريل/نيسان”.
وأضاف أن الاحتفال عبر التاريخ الإسلامي بالهجرة وبنجاة النبي موسى من الغرق في يوم عاشوراء، جاء “للتغطية على حدث مقتل الإمام الحسين، ورحلته من الحجاز إلى العراق، لما تحملها قصته من رسالة سياسية مفادها “التصدي للظلم والفساد حتى الموت كما فعل الإمام الحسين”.