عاشوراء في المغرب.. معتقدات قديمة وأعمال شعوذة تنعش “اقتصاد الخرافة”
كدأبهم كل سنة، يحتفل المغاربة بيوم عاشوراء الذي يصادف العاشر من شهر محرم الهجري، في أجواء عائلية وطقوس فريدة من نوعها، بالنظر إلى المكانة التي يحتلها هذا “اليوم المقدس” لدى عموم المسلمين، إذ يعد من الأيام المستحب صيامها بالنظر إلى ورود مجموعة من الأحاديث التي تذكر فضل صيامه.
وإلى جانب ذلك، لا تخلو هذه المناسبة من ممارسات ترسخت في المخيال الجمعي لبعض المغاربة، على غرار ممارسة أعمال السحر والشعوذة التي يُعتقد أن مفعولها يكون مضمونا خلال عاشوراء، إذ يلجأ البعض إلى هذه الأساليب بحثا عن إجابات للمشاكل العاطفية والأمراض والهزات النفسية التي يعاني منها، وهو ما يساهم في انتعاش “اقتصاد الخرافة”، وذلك على الرغم من وضوح موقف الدين الإسلامي منها، وكذا ارتفاع منسوب الوعي في المجتمع المغربي الذي بات يرفض هذه الممارسات.
طقوس قديمة ووعي متنام
في هذا الإطار، قال خالد التوزاني، باحث في الشأن الديني رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، إن “مناسبة عاشوراء ارتبطت عند كثير من المغاربة بأعمال السحر والشعوذة، إلى جانب مظاهر احتفالية غريبة، مثل: زمزم، وبابا عيشور، والشعالة، والتطبال، والقديدة…، حيث يُروّج السحرة أن السحر في يوم عاشوراء له فعالية أكثر من الأيام العادية، ولذلك تشهد أماكن بيع البخور ولوازم الشعوذة اكتظاظاً، وتشهد أيضاً بيوت السحرة إقبالا كبيراً في أيام عاشوراء، خاصة من لدن النساء”.
وأضاف المصرح لهسبريس أن “هذه الأعمال السحرية كانت شائعة في الماضي، إذ تستغل الاحتفالات التي يقوم بها المغاربة للقيام بأعمال السحر، مثل رمي السحر المدبر في نيران الشعّالة التي يشعلها الشباب والأطفال في ليلة عاشوراء، أو رميه في الماء وتشتيته في عدة أماكن ليمر فوقه الشباب، وأحياناً صب هذا الماء على المرغوب في سحرهم، حيث تقوم النساء في الغالب بعمل سحر المحبة وتقريب القلوب بقصد الزواج، وهي العادة التي ارتبطت بهذه المناسبة، لكن رافقتها أيضاً عادة الانتقام من الأعداء بسحر التفريق وسحر الشقاق والمرض والعذاب”.
وتفاعلا مع سؤال لهسبريس حول سر استمرار هذه المعتقدات في المجتمع، أوضح الباحث ذاته أن “السبب يكمن في استمرار وجود السحرة والشوافات المستفيدين من اقتصاد الخرافة، علماً أن الزبائن الذين يترددون على هذه الأماكن لطلب السحر ليسوا فقط من محدودي التعليم، بل نجد منهم شخصيات وازنة، وهذا راجع للاعتقاد الشائع بأن سحر عاشوراء فعال ومضمون النتيجة، ولذلك يرتفع الطلب على خدمات السحر لتحقيق بعض الأمنيات مثل الوصول إلى منصب أو التقرب من شخص معين، وفي المقابل القضاء على المنافسين وتدميرهم، وهذا فيه إغراء للإقبال على هذه الممارسات”.
وشدد التوزاني على أن “هذه الاعتقادات هي من بقايا الثقافات التي مرت بالمغرب خلال القرون الماضية، فقد استوطنه الرومان والقرطاجيون والأندلسيون والأفارقة، كما عرف معتنقين لمذاهب كثيرة، على رأسهم الشيعة، وبقي تأثير هؤلاء في بعض عادات المغاربة، ومنها طرق الاحتفال بعاشوراء، وأعمال السحر والشعوذة”، مضيفا أن “حضور الوازع الديني عند أغلب المغاربة، وخاصة الشباب، يجعلهم يرفضون هذه الممارسات في تدويناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يعني أن هذه الأعمال بدأت تنحسر وتقل في السنوات الأخيرة”.
وأشار الباحث في الشأن الديني إلى أنه “ينبغي للسلطات الأمنية أن تكثف دوريات المراقبة الأمنية خلال أيام عاشوراء من خلال استهداف أماكن بيع البخور ولوازم الشعوذة وأبواب المقابر… والأحياء الشعبية، لمنع بعض المظاهر والأعمال المسيئة لصورة المغرب، ولدينه وثقافته الدينية المعتدلة، وخاصة اليوم في ظل انتشار الصور بسهولة في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قد يستغل أعداء المغرب هذه المناسبة من أجل الإساءة إليه، كما ينبغي للمجالس العلمية المحلية أن تخصص لموضوع السحر حيزا من الخطب والوعظ والإرشاد الديني ضمن سداد التبليغ الذي يستهدف تخليق السلوك العام”.
افتراء على الدين وطريق إلى الكفر
تفاعلا مع الموضوع، ذاته قال لحسن السكنفل، رئيس المجلس العلمي المحلي لتمارة، إن “عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم الحرام، لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فوجد اليهود يصومون ذلك اليوم، فسألهم عن سبب صيامهم له، فقالوا: ذلك يوم نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل وأهلك فرعون فنحن نصومه شكرا لله، فقال صلى الله عليه وسلم: نحن أولى منكم بموسى، فصامه ودعا إلى صيامه قائلا: لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع، أي إضافة إلى اليوم العاشر”.
وتابع بأن “هذه سنة سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم، ويجوز الاجتماع فيها للذكر والإطعام وإظهار الفرح والسرور مع التوسعة على الأهل والعيال، بما يعرف عندنا بالفاكية واللعب، أما ما عدا ذلك مما استحدثه الناس ونسبوه إلى هذا اليوم وليلته، فهو كذب وافتراء على الدين، خصوصا ما تعلق منه بالشعوذة والسحر وتصديق الدجالين ومدعي علم الغيب والقيام بطقوس السحر”.
وشدد المصرح لهسبريس على أن “كل هذا مخالف لدين الله ولشرع الله، يجب القطع معه والانتهاء عن ذلك كله؛ لأنه لا يتفق مع ما يقتضيه الإيمان بالله وبرسوله وبكتابه وبالقضاء والقدر من اليقين في الله والثقة فيما عنده والإقبال عليه بالعمل الصالح النافع للفرد والمجتمع”.
وسجل رئيس المجلس العلمي المحلي لتمارة أن “ممارسة الشعوذة والدجل وتصديق العرافين والعرافات (الشوافات) دال في مجمله على ضعف الوازع الديني نتيجة الجهل بحقائق الدين القائمة على أمرين اثنين هما شرطا الحياة الطيبة: الإيمان والعمل الصالح، ولا يكون العمل الصالح إلا إذا كان موافقا لما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قائما على الإخلاص لله سبحانه”.
وأشار السكنفل إلى قول الله تعالى: “والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر”، قبل أن يضيف: “نحن نعلم علم اليقين أن الاشتغال بالسحر من الكبائر التي قد توصل صاحبها إلى الكفر؛ لأن الاشتغال بالسحر اتباع للشياطين الذين كفروا باشتغالهم بالسحر، حيث قال الله عز وجل في سورة البقرة: (وما كفر سليمان لكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر)”، مشددا على أن “السحر مضر بصاحبه قبل أن يضر المسحور كما الحسد. كما نعلم أن الساحر لا يفلح حيث مصداقا لقوله تعالى: ولا يفلح الساحر حيث أتى”.