فعاليات مغربية تدعو إلى فرض غرامات ثقيلة على مقترفي الجرائم البيئية
نادت فعاليات بيئية بضرورة تكثيف عملية تحريك الدعوى العمومية من أجل محاربة كل أشكال “الجرائم البيئية”، التي صارت “تتناسل بلا خوف من القانون”، لاسيما أن “التطرف المناخي رفع من حجم التحديات، وأصبحت معركة المناخ مركبة بالنظر إلى التدخلات البشرية المختلفة في الشأن البيئي والتأثير سلبا على أنظمته الإيكولوجية”.
وجاء هذا النداء، الذي عرضته الفعاليات المذكورة لهسبريس، تفاعلاً مع أرقام وجدتها “مطمئنة” قدمتها النيابة العامة على هامش أعمال الندوة الدولية حول “الجريمة البيئية ودور القضاء في مكافحتها”، وتفيد بأنه جرى تحريك الدعوى، برسم سنة 2022، في 19575 قضية تتعلق بمختلف مجالات البيئة، وتوبع بموجبها 20362 شخصا. أما برسم سنة 2023 فتمّ تحريك الدعوى العمومية في 21645 قضية توبع في إطارها 23297 شخصاً.
تعزيز دور الفاعلين
مصطفى العيسات، باحث في المناخ والتنمية المستدامة، قال إن “القضاء في مناطق عديدة حول العالم كان له دور محوري في ضبط عملية تحصين البيئة”، لافتا إلى أن “المغرب اتخذ هذا المسار، لكنه يحتاج إلى المزيد من التأهيل بالنظر إلى كون جرائم بيئية عديدة مغلّفة بقوانين أخرى تجعلها لا تبدو وكأنها جرائم”، مقدماً “مافيا العقار”، كمثال، لكونها، حسبه، “تجهز على فضاءات غابويّة حيوية من أجل إقامة مشاريع استثمارية”.
ولفت العيسات، في تصريحه لهسبريس، إلى “ضرورة تقوية المجتمع المدني الفاعل في الشأن البيئي لكي يكون قادراً على تنصيب نفسه طرفا ضدّ شركات لا تضعُ العنصر البيئي ضمن تصورات مشاريعها، رغم أن الفاعل العمومي والرسمي صار واعياً بأن هناك ميثاقا للبيئة والتنمية المستدامة بالمغرب”، مؤكداً أن “الترافع من المدخل القضائي يعضد جهود التصدي لمختلف الجرائم المتصلة بهذا الشأن الحيوي”.
وشدد الفاعل البيئي ذاته على “اعتبار بعض الجرائم بمثابة أفعال جنائيّة يؤدي المتورطون فيها غرامات ثقيلة تصل إلى الملايير، مثلما هو معمول به في الولايات المتّحدة الأمريكية”، خالصاً إلى أن “الزجر اليوم هو الحل الممكن أمام عقود من التحسيس والتوعية لم تفض إلى نتائج كثيرة على أرض الواقع”، وزاد: “إن هذا الوضع تنضاف إليه عمليات تلوث خطيرة وأعمال تسميم للمياه يمكن أن تكون مورداً لسقي الأراضي الفلاحية والمواشي؛ وهذه جرائم خطيرة”.
“تحديات كثيرة”
أيوب كرير، باحث في المناخ والتنمية المستدامة ورئيس جمعية “أوكسيجين للبيئة والصحة”، قال إن “عنصر القضاء كان ناجعا في العديد من البلدان الديمقراطية والمتقدمة التي تعرف فيها التنظيمات البيئية قوة أخلاقية وقانونية”، مسجلا أن “وصولنا إلى هذا الوضع في المغرب ممكن، وليس مستحيلاً”، وزاد: “إذا ما أردنا فعلا الحفاظ على الموارد الطبيعية ببلادنا سنحتاج فقط إلى أن نجعل التقاضي عنصرا مفصليّا في المعركة البيئية”.
وأضاف كرير، في تصريحه لهسبريس، أن “الأمر سيتطلّب تكوين القضاة والعاملين في قطاع العدالة بالمقتضيات البيئية، وكذلك تكوين هيئات الدفاع بخصوص الترافع في القضايا المتصلة بهذا الموضوع؛ لاسيما أن هذا النوع من الجرائم ما فتئ يتكاثر سنة بعد أخرى”، مردفا بأن “القضاء المغربي يحاول بالفعل التعاطي مع هذه القضايا، لكن مازالت هناك تحديات كثيرة تتعلق بتعقيد الترافع القانوني أمام المجتمع المدني”.
وتفاعلاً مع سؤال حول طبيعة التعقيدات المقصودة لفت المتحدث عينه إلى وجود تحديات مادية ومسطريّة، قائلا: “من هنا يمكن أن نطالب بأن تتكفل الدولة بما يتعلق بصوائر الدعوى البيئية، وكذلك التقليص من مدة التقاضي في هذه القضايا”، وموردا أن “بعض الجرائم تهم نطاقات حساسة لا تحتمل التأخير في التعاطي معها قبل أن تتعرض لبوار حقيقي لا رجعة فيه ولا رادّ لنتائجه على النظم الإيكولوجية وصحة الإنسان”.
وتحدث الفاعل البيئي بدوره عن “صعوبات إثبات بعض الجرائم الثقيلة التي تقترفها شركات العقار في حقّ بعض الفضاءات الرطبة وبعض الغابات التي يعدّ وجودها أساسيا في مجال الحفاظ على التوازن”، خاتما بالتشديد على أن “بعضها يدخل في مخططات تهيئة المدن، وهو ما يجعل الترافع معقدا، خصوصا في ظل غياب دليل قانوني على التخريب يمكن أن يكون دامغا، حتى لو قلنا في أحيان عديدة إن العين المجردة تكفي لرصد الخراب”.