“تبذير المال العام” يفضح الورطة التنموية لمجلس جهة كلميم واد نون
أثارت الدورة العادية لشهر يوليوز لمجلس جهة كلميم واد نون، المنعقدة بإقليم أسا، الكثير من الجدل وسط الرأي العام المحلي، وخلقت الاتهامات بـ”تبذير المال العام” من لدن المعارضة موجة استغراب كبيرة حامت حول مدى انعكاس الميزانيات “الضخمة” المرصودة للجهة على أقاليمها الأربعة.
وطالبت عديد من الأصوات المحلية من سياسيين وجمعيات حقوقية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بالمراقبة وربط مبدأ المسؤولية بالمحاسبة في العديد من الملفات المتعلقة بتعثر المشاريع التنموية بالجهة، وحول حصيلة المكتب المسير الحالي الذي رفض تقديمها أمام أنظار أعضاء المجلس لأسباب غير مفهومة.
وشكلت مداخلة إبراهيم حنانة، عضو مجلس جهة كلميم واد نون، المصورة، الموضوع الأبرز خلال “الضجة الإعلامية” التي تعيشها الجهة الجنوبية حاليا، ولقيت انتشارا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، بفعل الانتقادات اللاذعة التي تحملها إلى رئيسة المجلس، مباركة بوعيدة، حول موضوع الحصيلة التنموية للمجلس واستنزاف ميزانيته، خاصة في ملف السدود التلية الصغرى.
عن هذه الضجة الإعلامية، أجرت جريدة هسبريس الإلكترونية حوارا مع إبراهيم حنانة، عضو مجلس جهة كلميم واد نون، استعرض فيه أسباب تعثر مجموعة من المشاريع رغم انتهاء آجال تنزيلها، وكشف النواقص ومكامن التقاعس التي أدت إلى تصدر جهة كلميم واد نون قائمة الجهات المتأخرة من حيث مؤشرات التنمية.
نص الحوار:
بداية، كيف تقيمون عمل مجلس جهة كلميم واد نون بعد انصرام نصف الولاية الانتدابية الحالية؟
إن مجلس جهة كلميم واد نون يفتقد إلى تصور واضح يمكنه من العمل بشكل منسجم، كما أن طريقة اشتغاله تنبئ بغياب هوية مشتركة تسمح بالسير قدما بالمجلس، وهو ما انعكس سلبا على أدائه، حيث اقتصرت إنجازاته على مجموعة من الاتفاقيات التي لا تجد سبيلها إلى التنفيذ، دون أن ننسى “احتكار الاختصاصات”، إذ لا يتوفر أعضاء المكتب على تفويضات تمكنهم من مباشرة اختصاصات المجلس كل في مجاله، علما أن رئيسة المجلس لا تقيم في الجهة ويقتصر حضورها على الدورات، مما يسائل بشكل جدي طريقة التدبير على المستوى الجهوي، وكذا مشروعية التعويضات التي يتلقاها أعضاء المكتب في ظل عدم القيام بأي مهام.
ما هي أهم المنجزات المحققة من طرف المجلس الجهوي في الولاية الحالية؟
إذا كان لهذا المجلس من إنجازات، فهي تبذير المال العام في مشاريع غير مجدية هدفها الأول استنزاف ميزانية التسيير، إذ خصصت الجهة ملايين الدراهم للاستقبالات والإطعام وشراء الهدايا. والمثال الصارخ على هذا التبديد، تخصيص مبلغ مائة مليون سنتيم لشراء “الملاحف” و”الدراريع”، ومبالغ طائلة استفادت منها الفنادق، دون أن ننسى الترامي على اختصاصات المجالس الترابية الأخرى من خلال صفقة صباغة الجدران، التي استنزفت عشرة مليارات سنتيم من ميزانية الجهة، دون أن يكون لهذه النفقات أي أثر تنموي على الجهة وساكنتها، ودون أن تتمكن رئيسة المجلس من تقديم حصيلة لهذه الاستثمارات التي ثبت عدم جدواها وعدم قدرتها على إحداث الدينامية التنموية المطلوبة.
ما هي مكامن الإخفاق والقصور في عمل المجلس؟ وما قصة 85 مليارا في ملف السدود؟
لا تخفى على أي متتبع للشأن الجهوي مظاهر الإخفاق الذي طبع تدبير الجهة خلال المدة التي مرت بها هذه الولاية، وذلك بسبب الانفراد في العمل وعدم إشراك المكتب والمجلس ككل، معارضة وأغلبية، وعدم إشراك الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني، إضافة إلى غياب تصور تنموي واضح وخطة عمل مندمجة تسمح بإقلاع اقتصادي للجهة.
فيما يخص ملف السدود، هذا موضوع آخر للأسف، فميزانية الجهة تُستنزف عبر تخصيص مبالغ خيالية لسدود تلية صغرى؛ كان المجلس خصص في دورة يوليوز 2022 مبلغ 43 مليارا لعشرة سدود، وكانت تكلفة مبالغا فيها مقارنة مع بعض السدود التي خصصت لها مجالس الجهات الأخرى مبالغ أقل، وعند الإعلان عن الصفقات تم نفخها أكثر بكثير من التكلفة التي صادق عليها المجلس بدون الرجوع إليه، إلى درجة أنه تمت زيادة 400 في المئة لبعض الصفقات وتم تعديل الاتفاقية ورفع التكلفة إلى 85 مليارا عوض 43 مليارا، رغم أن الصفقات تم الإعلان عنها وإعطاء بداية الأشغال للمقاولات الفائزة بالصفقات، وهو الأمر الذي واجهنا به السيدة الرئيسة في هذه الدورة لمعرفة حيثيات هذا التعديل وتوضيح سبب الزيادات، لكنها عجزت عن شرح سبب ذلك.
هل توجد عدالة مجالية بين أقاليم جهة كلميم واد نون الأربعة؟
لا يمكن أن نتحدث عن عدالة مجالية في ظل غياب تصور تنموي يستحضر خصوصيات أقاليم الجهة ويأخذ بعين الاعتبار مؤهلات وحاجيات كل إقليم بما يمكن من خلق تنافسية اقتصادية، وتعزيز الجاذبية الترابية الكفيلة بإنقاذ الجهة من مستنقع التخلف وتوقف التراجع المسجل على جميع المستويات.
هل يتفاعل المكتب المسير للمجلس مع مقترحات المعارضة؟
إن مقترحات المعارضة تشكل بالنسبة للرئيسة إحراجا كبيرا نظرا لما تتسم به من الجدية والعمق، لذا تحاول دائما صرف الانتباه عنها لكونها كاشفة لعجز المجلس وفاضحة لغياب البعد التنموي في المشاريع المبرمجة التي لا تستجيب لتطلعات ساكنة الجهة.
هل نجح المجلس الجهوي في تنزيل المشاريع الملكية؟
رغم تعدد المشاريع التي تهم الجهة، خاصة في إطار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية وغيره من مخططات التنمية والسياسات العمومية القطاعية والترابية، إلا أن المجلس لا يزال عاجزا عن الاستفادة من الدينامية التي تشهدها المناطق الجنوبية للمملكة، بل إن هذا التدبير الفريد من نوعه لم ينتج عنه سوى المزيد من تهميش الجهة وجعلها على هامش المسار التنموي لبلادنا.