قائد من طالبان وضابط شرطة سابق، من عدوّين لدودين إلى زميلين حليفين
- Author, ياما باريز
- Role, بي بي سي نيوز
كان القائد السابق لطالبان حضرة محمد محمود، وهو في الخمسينيات من عمره، وناصر خان سليمانزاي، الذي كان ضابطاً رفيع المستوى في الشرطة الوطنية الأفغانية على طرفي نقيض من الانقسام الأفغاني، كانا على مدار عشرين عاماً مسلحيْن ومستعديْن لقتال بعضهما، وقد أصبحا الآن يعملان معاً في أكاديمية الشرطة في كابول.
ويقول العميد محمود بابتسامة دافئة بجانب زميله، وهما يرتديان زييّن مكوييّن بعناية، “نحن مثل الإخوة الآن”.
إنها علاقة نادرة لكنها مذهلة بين رجلين كانا عدوّين لدودين، إذ يظهران بعد عقدين من الصراع الدموي، وهما يرتديان نفس الزي، ويتشاركان نفس المكتب، ويتحدثان عن نفس الأفكار لمستقبل الشرطة، ويتبادلان الضحك خلال استراحات الشاي اليومية.
ويشرف ناصر خان سليمانزاي على الشؤون الإدارية لأكاديمية الشرطة، بينما يعتبر حضرة محمد محمود المدرب الرئيسي فيها.
“حقبة مختلفة”
وكان محمود، الذي تدرب في معسكرات طالبان العسكرية، يقود في الماضي وحدة من جنود الجماعة للقيام بمهام قتال القوات الأفغانية وحلفائها الدوليين، وخسر اثنين من إخوته في الحرب.
وكان مقاتلو طالبان يشاركون بشكل رئيسي في هجمات معقدة، بواسطة التفجيرات الانتحارية وتفجير السيارات واستهداف المدن في جميع أنحاء البلاد، وعلى الجانب الآخر، كانت قوات الأمن الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة، بما في ذلك حوالي 150 ألفاً من قوات الشرطة الوطنية الأفغانية.
نفس المجمّع – حيث يُدرب محمود وسليمانزاي الآن مقاتلي طالبان الشباب – تعرض لهجمات من قبل انتحاريي طالبان وكان الطلاب الجدد في أكاديمية شرطة كابول مستهدفين باستمرار.
مصالحة؟
عندما عادت طالبان للحكم في البلاد وأمرت ضباط الجيش بالعودة إلى مواقعهم، بقي ناصر خان سليمانزاي في كابول وانضم إلى محمود.
وتمتد علاقة محمود وسليمانزاي إلى ما هو أبعد من ساعات العمل، إذ تجمعهما حفلات الزفاف العائلية والاحتفالات الدينية وغيرها.
وعلى الرغم من الخسائر الشخصية، يقول محمود إن الانصياع للعفو الذي قدمه المرشد الأعلى لطالبان أدى إلى التزام الجانبين بإنجاح العمل معاً.
وقال محمود: “في ذلك الوقت كنا في عصر الجهاد، والآن نحن في عصر إعادة البناء، ولا يمكننا أن نفعل ذلك بمفردنا”، “لقد نسينا الماضي تماماً”.
ربما تكون أكاديمية الشرطة هذه قد شهدت شكلاً رائعاً من المصالحة، لكن بالنسبة للعديد من الأعضاء السابقين في قوات الأمن، فإنهم يشعرون أن حياتهم لا تزال تحت التهديد، وفرّت أعدادٌ كبيرة منهم إلى خارج البلاد كلاجئين، لشعورهم بعدم القدرة على العودة إلى الحياة في ظل حكم طالبان.
ويقول شبير -اسم مستعار- وهو ضابط سابق في الشرطة الأفغانية، إنه لا يمكن الوثوق بطالبان والعفو الذي أصدرته، ويروي أنه بعد استيلاء طالبان على السلطة، ألقي القبض على قائده واختبأ لمدة عشرين يومًا حتى هرب سرًا إلى إيران عبر هرات.
قال شبير: “لم يكن الوضع آمناً لأي منا، كانوا يبحثون عن أعذار مختلفة لاعتقالنا”.
ويعتقد أن ضباط الشرطة الذين بقوا في أفغانستان إما لم يتمكنوا من مغادرة البلاد أو لم يكن لديهم مشكلة في التعاون مع طالبان.
الشرطة الجديدة
تجولنا في أكاديمية الشرطة، وهي مجمع ضخم تتم صيانته باستمرار، ويضم كلية للشرطة وميدان رماية ومنشأة رياضية وملعباً وحتى مسجداً خاصاً، وفي الداخل، ترتدي حالياً قوات طالبان- التي كانت تحاول إضعاف الحكومة – زياً نظامياً، وتتدرب لتصبح قوة شرطة مسؤولة عن إرساء الأمن في شوارع البلاد، وربما سيجد معظم الأفغان العاديين ذلك المشهد سريالياً.
لم يكن أحد يتخيل أن طلبان يمكن أن تظهر في يوم من الأيام بزي الشرطة الأفغانية.
واستبدلت طالبان الجزء الأكبر من قوة الشرطة برجالها، لكنهم احتفظوا بالعديد من مدربي الشرطة السابقين لمساعدتهم على تحويل المقاتلين إلى قوة شرطة نظامية.
وتركز حركة طالبان الآن على توسيع قوة الشرطة التابعة لها، وتقول إن عدد الأعضاء النشطين يبلغ حوالي 300 ألف عضو ـ وهو ضعف عدد أعضاء النظام السابق ـ و70 ألفاً من الشرطة الوطنية الأفغانية السابقة، ولا تستطع بي بي سي التأكيد بشكل مستقل من صحة العدد الفعلي لقوات الشرطة الموجودة لدى طالبان إذ تقدر الحكومة الأمريكية العدد الإجمالي لقوات طالبان سواء من الجيش أو الشرطة بحوالي 80 ألف مقاتل نشط.
سُمح لنا بشكل حصري حضور عملية التدريب في أكاديمية الشرطة الجديدة، وخططت السلطات ليوم كامل من الأنشطة لإظهار ما تصفه بـ”الجانب المهني” للقوات.
وكان جزء من العرض، عبارة عن تدريب لشرطة مكافحة الشغب، حيث كان من السهل السيطرة على حشد من المتظاهرين الغاضبين داخل مجمع الأكاديمية، لكن المَسيرات الأخيرة في بعض المدن الأفغانية الرئيسية أظهرت أن قوات طالبان ما زالت تستخدم الضرب والذخيرة الحية، المميتة في كثير من الأحيان.
ومن بين أكثر من 800 موظف يعملون في أكاديمية الشرطة في كابول، هناك أكثر من 650 موظفًا من النظام السابق، ويبدو أن الضباط مثل سليمانزاي تتم معاملتهم بشكل جيد.
قال سليمانزاي: “كنت عقيدًا، لكن تمت ترقيتي إلى رتبة جنرال من قبل الإمارة الإسلامية”، وأضاف: “لأنني عملت بجد لإعادة تنظيم الأكاديمية”.
لكن حظ سليمانزاي لا يملكه الجميع، إذ تحدثت منظمات حقوق الإنسان عن تعرض العديد من ضباط الشرطة للمضايقة أو التهديد أو حتى القتل من قبل عناصر طالبان بسبب دورهم السابق، فيما شددت طالبان على أن تلك الحالات هي انتقام شخصي وليست سياسة عامة لاستهداف ضباط الشرطة أو الأمن السابقين.
أما بالنسبة لسليمانزاي، فالأمر ليس سياسياً، إذ خدم في الشرطة الأفغانية على مدى العقود الأربعة الماضية تحت أنظمة مختلفة، ولم يغادر بلاده أبداً.
ويقول سليمانزاي: “نحن نفس الأشخاص، لدينا دين واحد، ثقافة واحدة ولغة واحدة، فلماذا يجب أن نكون أعداء؟”.