سومة الكراء “الباهظة” في الرباط تخلق “موجة سخرية” على مواقع التواصل

“كثرة الهمّ كضحّك”، هكذا علق أحد رواد موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تفاعلاً مع منشور على مجموعة مغلقة مخصّصة للبحث عن الكراء في الرباط، يعرضُ شقة في قلب العاصمة تبدو “قديمة”، لكن سومة كرائها شهريا “مرتفعة” تتجاوز 5 آلاف درهم، فخلقت موجة من سخرية صارت “علامة” مميزة داخل المجموعة ذاتها مؤخراً.
ولاحظت هسبريس كيف بدأ “فيسبوكيون” ينشرون عروضاً وهمية تهكّمية، مثل تصوير ركن من غرفة جد ضيقة وتعزيزها بتعليق: “استوديو وسط العاصمة للكراء، الثمن 10 آلاف درهم”؛ وهي المنشورات التي يتفاعل معها أعضاء المجموعة بالكثير من الانتشاء والتفاعلات والتعليقات، وكأنها تنفيس وتعبير عن “رغبة في الضّحك” تراودهم كلّما وضع أحد المالكين أو السماسرة عرضاً “مبالغاً فيه”، بتعبيرهم.
“حرية الأسعار؟”
عبد العالي الرامي، رئيس الرابطة الوطنية للتنمية الاجتماعية والثقافية بالرباط، قال إن موجة السخرية التي بدأت تهمّ أسعار الكراء بالرباط قد تبدو مفهومة بالنظر إلى الارتفاع الكبير للرغبة في الاستقرار في العاصمة والبحث عن القرب من الإدارة والمرافق الحيوية وفضاء العمل أو الدّراسة، مسجلاً أن “هناك نوعا من استغلال الظرفية دفع بالأسعار إلى منحى ينفلت في أحيان كثيرة من القدرة الشرائية للمواطنين”.
وأوضح الرامي، في تصريح لهسبريس، أن حرية الأسعار لها “قول محوري” في هذا النقاش؛ “فمن يجد سعراً غير ملائم للخدمة فهو يتهكم عليها تلقائيا”، مبرزاً أن “حرية الأسعار المذكورة بدورها يجب أن تضمن تأهيل عملية الكراء بين طرفي العملية بعقد يضمن أداء الضرائب ويحمي الطرفين، ويجعل العملية تتم في إطار المقتضيات المعروفة والمعمول بها”، وزاد: “السومة المرتفعة تستدعي بالفعل سكنا لائقا يكون في المستوى”.
ودفع المتحدث بوجود عرض أقل بكثير من الطلب بخصوص الكراء، “وهو ما جعل السومة مهولة وأحيانا فاحشة، وبالتالي لا يمكن للمواطن البسيط إطلاقا التفكير في السكن في إحدى الشقق المعنية المتواجدة في أحياء معروفة”، مشددا على أن “انعدام البديل يعدّ أيضا مشكلة في هذا الجدال؛ وهو ما يضطرّ العديد من المغاربة للقبول ببيوت واستوديوهات من الصّعب العيش فيها”.
“أثمان مبالغ فيها”
إدريس الفينة، باحث في الاقتصاد رئيس المركز المستقل للدراسات الإستراتيجة، قدم تفسيرات لهذا الغلاء في العاصمة، مسجلاً أن “هناك عوامل عديدة ترفع الأسعار إلى مستويات تبدو خيالية أو غير متناسبة مع طبيعة الفضاء، وضمنها الموقع الذي يوجد فيه المحل المخصص للكراء”، مبرزاً أن “سعر المتر الذي تباع به الشقق بالمنطقة هو أيضا محدد أساسي”.
وأورد الفينة، ضمن توضيحات قدمها لهسبريس، أنه “على سبيل المقارنة يمكن أن نجد منزلاً جميلاً أو حتى قصراً في منطقة نائية، ونخلص إلى أن قيمته بالكاد تضاهي شقة بالية وعادية في حي من أحياء العاصمة الراقية”، وزاد: “الرباط هي عاصمة البلد، ومن الطبيعي أن يكون عليها ضغط، فضلا عن كون الاستثمارات العقارية لها مداخيل جد عالية بالرباط، وخصوصا في بعض الأحياء، وهذا ينعكس في النهاية على سومة الكراء”.
ولفت المتحدث ذاته إلى “وجود من يقتني شقة بالتقسيط، ويراهن على كرائها بثمن القرض الشهري الذي يدفعه للبنك؛ وهو ما نصطلح عليه بالدارجة ‘الدار كتخلص راسها’”، مشددا على أن “مختلف أغنياء المغرب أو من يتوفرون على إمكانيات لديهم طموح التّوفر على شقّة أو بيت أو فيلا في الرباط، يتمّ تركها مغلقة حتى يرتفع ثمن العقار ثم تباع؛ وهذا استثمار مربح”.
وتفاعلاً مع سؤال إن كان الأمر مرتبطا بالفعل بقيمة العاصمة الإداريّة سجل الفينة أن هذا الاعتبار قوي، “خصوصاً أن طلب السكن أكثر من عرضه في هذه المدينة”، وزاد أن “الأثمان عادة تكون مرتفعة في العواصم، كما هو الأمر في باريس وروما وجنيف وموسكو، إلخ، لكن هناك كذلك مدنا لا تنتمي إلى العواصم إلا أنها تتمتع بقوة اقتصادية، مثل ميلانو أو الدار البيضاء في المغرب”.