الروابط الثقافية تحصّن التفاهمات السياسية بين المغرب والإمارات
لم تكن مواضيع السياسة والاقتصاد والأمن والجيوبوليتيكا هي التي دار حولها النقاش بأكاديمية المملكة، الأربعاء، بمناسبة الاحتفاء بالذكرى الثانية والخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث بدا جليا أن الثقافة هي الأخرى حظيت بحصة مهمة من النقاش حول مدى كون الرباط وأبوظبي تتعاونان في هذا الجانب، بما يعزز الروابط الثقافية بينهما ويدعم تفاهماتهما السياسية والاقتصادية والأمنية.
وجاءت الإجابات على لسان كل من الأكاديميين عبد الله بناصر العلوي وأحمد شحلان اللذين ثمنا “وعي البلدين بأهمية التعاون في قضايا الفكر والثقافة ومحاولة تحويل نفسيهما منارات للإبداع الأدبي الذي ظل محتكرا فيما سبق من قبل المشرق”، باسطين ضمن تدخلاتهما مظاهر التعاون بين الطرفين خلال الألفية الجديدة ووقْع ذلك على العلاقات المغربية الإماراتية وزخم الإخاء بين شعبي البلدين وتحصين المشترك الثقافي بينهما.
البداية كانت مع عبد الله بناصر العلوي، أستاذ جامعي بفاس الرئيس المؤسس لمجموعة “البحث في الإبداع والدراسات المغربية الإماراتية”، والذي قال إن “ما اشتغلتْ عليه الرباط وأبوظبي خلال السنوات الماضية هي وصل السياسي والثقافي بالاجتماعي، بما يدعم العلاقات الوطنية والقومية والإنسانية بين البلدين، خصوصا إذا استحضرنا مساهمات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ومانع سعيد العتيبة الذي حاز على شهادة الدكتوراه هنا بالمملكة”.
وأكد العلوي أن “مجموعة البحث التي جرى تأسيسها فيما سبق كانت تهتم بدعم الالتقائية الثقافية بين البلدين ودعم التواصل بين الثقافتين المغربية والإماراتية ضمن جامعاتهما ومؤسساتهما الثقافية بما يمكننا من تحقيق التكامل الإبداعي، خصوصا أن الأنشطة ظلت مستمرة منذ بداية الألفية الجديدة، شاركنا خلالها بالمعرض الدولي للكتاب بأبوظبي بحوالي 200 كتاب مغربي يعرف بالفعاليات الأكاديمية الوطنية المغربية، في حين أن المشاركة الثانية هناك كانت ضمن معرض للمجلات”.
وتابع: “جهودنا مع شركائنا الإماراتيين كانت تنصب نحو الحفاظ على القيمة التراثية للثقافة العربية والانفتاح على الثقافة المعاصرة ودعم الأشكال التعبيرية السائدة بالبلدين؛ كالقصيدة النبطية والملحون والطرب الحساني”، مضيفا: “هذه الجهود هدِفت كذلك إلى جعل البلدين منارتين ثقافيتين في النقد والفكر بالمنطقة بعد أن لم يعد ذلك مقتصرا على المشرق، حيث صار المغرب والإمارات فاعلين بالمنطقة في مجال التفكير في الأدب المعاصر”.
وسجل بناصر العلوي “مساهمة المرأة الإماراتية ضمن إصدارات وفعاليات مجموعة البحث والإبداع التي تهم البلدين، في وقت نأمل اليوم أن يتم دعم إنشاء شبكة ثقافية متخصصة بين الرباط وأبوظبي وتحيين مكتبة مجموعة البحث بإصدارات جديدة”.
وهو يختم كلمته ضمن الجلسة العلمية اقترح الأكاديمي سالف الذكر “إحداث كرسي للعلاقات الإماراتية المغربية بجامعات الدولتين، كما كان سابقا بعد إحداث كرسي خاص بسعيد مانع العتيبة بكلية ظهر المهراز؛ وهو الذي نبغ في دبلوماسية الشعر”، مشددا على أن “كل هذا من شأنه صونُ العلاقات الثقافية المغربية الإماراتية وتمتين الجسور الثقافية بما يساهم في نهضة الفكر والإبداع الأدبي بالمنطقة”.
في شق آخر من الجلسة العلمية الأخيرة من اليوم الخاص باحتفاء أكاديمية المملكة المغربية بالذكرى الثانية والخمسين لقيام العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وأبوظبي، ثمّن أحمد شحلان، عضو الأكاديمية نفسها، “منسوب الدينامية الثقافية بين البلدين ومساهمتهما في الرقي بالعلوم الإنسانية المتصلة أساسا بالثقافة العربية، حيث إن ما برز فيه الجانبان كذلك هو الاشتغال الجماعي على صياغة المعجم التاريخي العربي”.
مُفصلا في ذلك أورد شحلان أن “البحّاثة المغاربة والإماراتيين ساهموا في العمل على المعجم التاريخي للغة العربية والذي بدأ الاشتغال عليه منذ سنة 2020 على أن يتم الانتهاء منه خلال نهاية هذه السنة، وهو الذي يشكل معجما علميا استغرق إخراجه فقط 4 سنوات؛ في حين أن إخراج المعجم الفرنسي ومعجم أكسفورد تطلب سنوات من العمل”.
وذكر المتحدث أن “المغرب والإمارات يشاركان ضمن هذا المشروع إلى جانب الدول الأخرى، حيث يشاركان ممثلين بكل من مكتب التعريب بالمغرب ومجمع اللغة العربية بالشارقة، حيث يعد هذا دليلا على اهتمام أبوظبي والرباط بالتعاون في مجالات الثقافة إلى جانب المجالات الأخرى، حيث سيكون للأمر وقع إيجابي كبير على واقع اللغة العربية بالمنطقة والفكر كذلك”.