سبع طرق لاكتشاف مغالطات تبدو “مقنعة” أثناء الحوار
عندما يسعى آخرون إلى إقناعك بفكرة أو قضية، فإنهم يلجأون أحيانا إلى استخدام حيل أثناء الحوار تنطوي على مغالطات تبدو منطقية بالنسبة لك مثل “الاحتكام إلى الجهل بالشيء”، أو طرح سؤال مفاده “وماذا عن؟” لكي يظهر الأمر أكثر إقناعا، وتشرح أماندا روجيري، الصحفية المتخصصة في الشؤون العلمية، كيفية التعرف على تلك المغالطات التي تبدو “مقنعة منطقيا”.
إذا تفاعل شخص مع بعض المنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو استمع إلى الأخبار، أو ببساطة أثار قضية ساخنة مع صديق، فمن المحتمل خلال بضع دقائق أن يقع في فخ، هذه الفخاخ قديمة جدا لدرجة أنها تعود إلى اليونان القديمة.
يُطلق على هذه الفخاخ تعبير “مغالطات (تبدو) مقنعة منطقيا”، وهي عبارة عن حجج يعجز شخص عن إثبات صحتها بالمنطق، وعلى الرغم من ذلك من الممكن أن يبدو ادعاء الشخص أكثر إقناعا للطرف الآخر، وهو أمر يبعث الحيرة.
ولا يعني اللجوء إلى استخدام المغالطة المقنعة منطقيا بالضرورة أن شخصا ما على خطأ، إذ يمكن أن يشير إما إلى تفكير خاطئ ومنطق معيب، إذا استخدمه شخص عن غير قصد، أو يوصف الأمر بأنه محاولة للتلاعب بالحقيقة لتظهر أكثر إقناعا، إذا استخدمه شخص عمدا.
وفي كلتا الحالتين، ينبغي أن يثير الأمر مزيدا من الأسئلة والمناقشة بشأن الطريقة التي تفكر بها، وماهية الحجج التي تميل إلى الاتفاق معها؟
وبمجرد معرفة تلك المغالطات التي تبدو مقنعة منطقيا، تستطيع رصدها في كل مكان حولك، والسؤال ما أهمية ذلك؟ الجواب لأنه كلما أصبحت أكثر وعيا باكتشاف تلك المغالطات، كان باستطاعتك رصد عيوب في تفكير الآخرين بشكل أفضل، وإعادة توجيه الحوار وتركيزه مرة أخرى على الحُجّة، فضلا عن تحسين طريقة تفكيرك الناقد.
وفيما يلي سبع مغالطات لابد أن تنتبه إليها، بعضها عبارة عن أخطاء تبدو منطقية (تُعرف باسم المغالطات “الرسمية”)، بينما يتعلق البعض الآخر بإساءة استخدام اللغة والحجة (وتعرف باسم “المغالطات غير الرسمية”)، بيد أن النتيجة في كلتا الحالتين “حجة خاطئة”.
1. الاحتكام إلى الجهل
تعتمد هذه المغالطة على فكرة مفادها أن عدم توافر حجة دامغة لقضية مطروحة لا يعني سوى صدق ادعاء الشخص، بدلا من وضع عبء إثبات الحجة على عاتقه، وتبرز هذه المغالطات عادة في الحجج الداعمة لنظريات المؤامرة.
ولمزيد من التوضيح إذا طلبت من واحد من بين ما يزيد على 10 ملايين شخص يعتقدون أن زواحف فضائية تحكم العالم أن يقدم دليلا يؤكد صدق هذا الادعاء، قد يجيب: “حسنا، هذه الزواحف الفضائية أذكى من أن تترك أي دليل، وهذا ما يجعل الموقف خطير جدا! كيف يمكنك أنت إثبات أن هذا غير صحيح؟”، وقد ينتهي بك الأمر إلى حالة من الاندهاش العميق، ولكن نأمل ألا يكون ذلك بسبب اقتناعك، بل اندهاش من فخ مغالطة “الاحتكام إلى الجهل” الذي نُصب لك.
2. الشخصنة
تعتمد هذه المغالطة على رفض ادعاء شخص ما لشيء سوى أنه رفض على أساس جانب من جوانب شخصيته أو هويته أو دوافعه أو حتى علاقات تربطه بالآخرين.
وخير مثال على ذلك العاملين في قطاع الصحة واعتقاد البعض أن توصيتهم بتناول لقاحات لابد وأن دوافعها دعاية لشركات أدوية كبرى، أو رفض أبحاث علماء المناخ على أساس أنها لابد وأن تكون ذات دوافع أيديولوجية.
وعلى الرغم من ذلك فإن النوع الأكثر وضوحا من الشخصنة، هو النوع الذي لا يهاجم شخصا بدلا من التعامل مع حجته فحسب، بل يسلط الضوء على شيء لا علاقة له بالموضوع المطروح على الإطلاق، مثل مرشح سياسي يقول خلال مناظرة تلفزيونية إن اختيارات ملابس منافسه أو براعته في لعبة الغولف أو تصفيفة شعره تعني أنه غير لائق أن يكون قائدا جيدا.
3. منحدر زلق
تعتمد هذه المغالطة على الحجة القائلة بأن اتخاذ خطوة واحدة، أو اتخاذ إجراء واحد، سيؤدي حتما إلى اتخاذ المزيد من التدابير الصارمة.
وتعد هذه المغالطة شائعة بشكل خاص في المناقشات السياسية، ولتوضيح الأمر نتأمل حجة ساقها بعض معارضي زواج المثليين في أماكن مثل الولايات المتحدة أو أوروبا. ففي عام 2016، رصد باحثون في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس أن العديد من الأشخاص الذين كانوا يعارضون هذه السياسة اقتنعوا بالحجة القائلة بأن زواج المثليين سيؤدي إلى مزيد من ممارسة الجنس بطريقة غير شرعية في المجتمع، وهذا سيهدد أسلوب حياتهم.
هذه الحجة على وجه الخصوص مغالطة لكونها بدلا من مناقشة تغيير السياسة نفسها (أي إذا كان ينبغي تشريع زواج المثليين أم لا)، رُفضت السياسة برمتها بسبب الخوف من نتائجها المتوقعة (انهيار المجتمع التقليدي).
4. رجل القش
تنتشر هذه المغالطة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تعتمد على تحريف حجة طرحها الطرف الآخر لجعلها تبدو محض هراء، وبالتالي يسهل دحضها.
ولتوضيح الأمر نفترض أن شخصا طرح حجة دقيقة مفادها أن الإفراط في تناول السكر قد يزيد من خطر الإصابة بمشاكل صحية مثل أمراض القلب، حينئذ سيكون رد “رجل القش”: “ماذا؟ السكر يقتل الجميع ويجب حظره؟ هذا أمر سخيف!”، إن رده بالطبع يشوه الحجة الأصلية.
ومن بين إحدى الطرق المثيرة للاهتمام التي لا تتصدى لهذا الاتجاه فحسب، بل تصقل طريقة تفكيرك، هي تجربة ما يعرف بـ “الرجل الفولاذي”، وهي طريقة تعتمد على طرح حجة الخصم بأفضل طريقة ممكنة (ربما أفضل مما طرحها هو نفسه) قبل الشروع في سرد أسباب عدم اتفاقك معها.
5. الاحتكام إلى المرجعية
تركز هذه الحجة على أن مؤهلات شخص ما أو شهرته أو سمعته وحدها كفيلة بإثبات مصداقيته، فإذا نظر الناس إلى شخص ما باعتباره “مرجعية”، فسيكون لديهم تحيز معرفي فطري يفترض أن لدى هذا الشخص خبرة في كل شيء (حتى في الموضوعات التي لا يعرف عنها شيئا).
ومثل العديد من المغالطات التي تبدو مقنعة منطقيا، إذا كان لدى شخص ما شهادات تثبت معرفته وخبرته في مجال معين، ألا ينبغي أن يكون رأيه في هذا المجال جديرا بالثقة؟ ولكي نكون واضحين، ينبغي ذلك، ولكن ما يجعل الأمر مغالطة هو قبول شخص ما حجة بسبب هوية شخصية فقط، دون الاحتكام لقوة الحجة أو منطقها.
أما الأمر الأكثر إشكالية هو المغالطة المعروفة باسم “الاحتكام إلى المرجعية غير ذات الصلة”، فنحن نميل إلى تصديق شيء ما، على سبيل المثال، لأن مصدر هذا الشيء هو أحد المشاهير، حتى لو لم يكن لدى هذا الشخص المشهور أي خبرة على الإطلاق في الموضوع المطروح، وهو ميل كلاسيكي نرصده في عالم اليوم في شكل هوس بالأشخاص المؤثرين.
بيد أن “المرجعية غير ذات الصلة” ليست دائما واضحة، ولتوضيح الأمر نضرب مثالا بحجج متعلقة بتغير المناخ، عندما يستشهد متشككون بشخص مثل عالم فيزياء نظرية باعتباره خبيرا، على الرغم من حقيقة أن الفيزياء النظرية لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بعلم المناخ.
6. المأزق المفتعل
تعتمد هذه المغالطة على طرح سيناريو معقد كما لو كان هناك خياران فقط، وغالبا ما يكون الخياران على النقيض، بدلا من طرح خيارات متعددة.
ولتوضيح الأمر هل تتذكر تلك العبارة الشهيرة، التي يعاد تدويرها غالبا، والتي استخدمها الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش، بعد وقت قصير من هجمات 11 سبتمبر/أيلول: “إما معنا أو ضدنا”؟، لقد أوضح بوش وقتها أمام المجتمع الدولي أنه يوجد خياران فقط: إما دعم الولايات المتحدة بشكل كامل، بما في ذلك غزوها لأفغانستان، أو على من يفعل غير ذلك أن يعتبر نفسه من الأعداء.
7. “وماذا عن؟”
يعتبر طرح سؤال “ماذا عن؟” في بعض الأحيان نوعا من المغالطات التي تبدو مقنعة منطقيا، إذ يلجأ الشخص إلى استخدام معلومات غير ذات صلة لإعادة توجيه الطرف الآخر بعيدا عن عيوب الحجة، والمقصود بمغالطة “وماذا عن؟”، هو صرف انتباه الطرف الآخر.
وتبرز هذه المغالطة عندما يرد شخص ما على اتهام أو سؤال، بتوجيه اتهام آخر، ولتوضيح الأمر نسوق مثالا من عالم السياسة، أحد الأمثلة الأكثر شهرة هو عندما تُتهم روسيا بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، يرد قادتها “حسنا، وماذا عن الغرب؟”
وعلى الرغم من أن نظرية “وماذا عن؟” يمكن أن تكون بمثابة كشف لنفاق معين، إلا أنها تنحرف بعيدا عن الحجة الأصلية.
إن فهم واكتشاف مثل هذه المغالطات التي تبدو مقنعة منطقيا يمكن أن تمثل طريقة مفيدة حقا لتحسين التفكير الناقد لما تقرأه أو تشاهده، وتوجيه المحادثات (والإبقاء عليها) مرة أخرى في مسارها الصحيح.