علوم وتكنولوجيا: ما هي أسرع أنظمة نقل البيانات في العالم؟
أصبح التطور المستمر في مجال تكنولوجيا المعلومات أمرا نحرص على متابعته يوميا، بيد أن ما حدث من تطور في سرعة نقل البيانات كان مثيرا للاهتمام إلى حد ما.
شهد شهر فبراير/شباط الماضي، إجراء تجربة داخل أحد مختبرات المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية، المعروفة اختصارا بـ”سيرن”، والتي تضم مختبرات عالمية بارزة أشهرها “مصادم الهادرونات الكبير”، والذي تُجرى فيه أهم التجارب العلمية على مستوى العالم، خلال هذه التجربة حبس اثنان من مهندسي الشبكات أنفاسهما، ثم ضغطا على أحد الأزرار.
وفجأة، ظهر نص على خلفية سوداء على شاشة أمامهم يقول “نجحت”، و يتذكر يواكيم أوبديناكر، من جمعية “سورف”، وهي جمعية هولندية لتكنولوجيا المعلومات تعمل لصالح المؤسسات التعليمية والبحثية قائلا: “حظيت التجربة بإشادة كبيرة، كان الأمر رائعا جدا أن نرى ذلك”.
أنشأ أوبديناكر وزميله، إدوين فيرهيول، رابط بيانات جديداً بين مصادم الهادرون الكبير في سويسرا ومواقع تخزين بيانات في هولندا.
ويمكن أن يسجل رابط البيانات سرعات تصل إلى 800 غيغابايت في الثانية، أو ما يزيد على 11 ألف ضعف متوسط سرعة الإنترنت المنزلي في المملكة المتحدة، وتهدف الفكرة إلى تحسين اطلاع العلماء على نتائج التجارب التي تُجرى في مختبر “مصادم الهادرونات الكبير”.
كما أثبت اختبار لاحق، في شهر مارس/آذار، استُخدمت فيه أجهزة خاصة من شركة نوكيا، قابلية تحقيق السرعات المطلوبة.
ويقول فيرهول، موضحا كيف يجري الحجز مسبقا لمجموعة الأجهزة بغية استخدامها في مواقع مختلفة: “جهاز الإرسال والاستقبال هذا الذي تستخدمه نوكيا أشبه بأحد المشاهير، أمامنا وقت محدود لإجراء الاختبارات، لذا إذا اضطررت إلى تأجيل الاختبارات لمدة أسبوع، فلن يتوفر حينئذ جهاز الإرسال والاستقبال”.
وتعد هذه السرعة، التي تقترب من تيرابايت في الثانية الواحدة، فائقة للغاية، كما أن بعض الكابلات البحرية تكون أسرع مئات المرات، لكونها تستخدم أسلاكاً مصنوعة من ألياف متعددة لتحقيق هذه السرعات.
ويعمل خبراء الشبكات، في المختبرات العالمية، على تطوير أنظمة الألياف الضوئية القادرة على نقل البيانات بسرعة أكبر من ذلك، وهي سرعات غير عادية تصل إلى بيتابايت في الثانية الواحدة، أو 300 مليون ضعف متوسط سرعة اتصال الإنترنت المنزلي الفائق في المملكة المتحدة.
وتعد هذه الأنظمة فائقة السرعة إلى حد أنه لا يمكن للمرء أن يتخيل كيف سيستخدم الناس مثل هذه السرعات الفائقة في المستقبل، بيد أن المهندسين لا يحددون وقتا لإمكانية ذلك، فكل ما يريدونه أن يحققوا الهدف بشكل أسرع.
يبلغ طول الكابل المزدوج (مع مراكز نواة الإرسال والاستقبال الداخلية) من مختبر “سيرن” إلى مراكز البيانات في هولندا 1,650 كيلومترا، ويمتد من جنيف إلى باريس، ثم بروكسل، حتى يصل أخيرا إلى أمستردام.
وكان من بين التحديات المتمثلة في الوصول إلى سرعة 800 غيغابايت في الثانية بث نبضات من الضوء لمسافة طويلة، ويوضح أوبدناكر قائلا: “بسبب المسافة، تتراجع مستويات قوة هذا الضوء، لذلك يتعين تقويته في مواقع مختلفة”.
وفي كل مرة يصطدم فيها جسيم صغير دون ذري بآخر أثناء التجارب في مصادم الهادرونات الكبير، يولّد هذا التأثير كميات هائلة من البيانات، حوالي بيتابايت واحد في الثانية، وهذا يكفي لتخزين بيانات يستوعبها 220 ألف قرص دي في دي.
ووفقا للتحديثات المقررة بحلول عام 2029، يتوقع مختبر الهادرونات الكبير إنتاج بيانات علمية أكثر مما ينتجه اليوم.
ويقول جيمس وات، نائب الرئيس الأول والمدير العام للشبكات الضوئية في نوكيا: “إن عمليات التطوير تزيد من عدد الاصطدامات خمسة أضعاف على الأقل”.
وعلى الرغم من ذلك ليس بعيدا أن تبدو فيه سرعة 800 غيغابايت في الثانية بطيئة في ظل التطوير المستمر الذي نشهده، ففي نوفمبر/تشرين الثاني، حطم فريق من الباحثين في اليابان الرقم القياسي العالمي لسرعة نقل البيانات عندما وصلوا إلى سرعة مذهلة سجلت 22.9 بيتا في الثانية، وهي سرعة تكفي لتزويد كل شخص على هذا الكوكب بخدمات الإنترنت، كما يقول تشيغو أوكونكو، من جامعة أيندهوفن للتكنولوجيا، والذي شارك في هذا العمل.
ويقول أوكونكو إن التجربة ركزت على إرسال تيار ضخم من البيانات العشوائية على مسافة 13 كيلومترا من خلال كابلات ألياف ضوئية موجودة في بيئة معملية، كما استطاعوا تحليل سلامة البيانات بعد النقل للتأكد من إرسالها بالسرعة المحددة دون حدوث كثير من الأخطاء.
ويضيف أيضا أن النظام الذي استعان به هو وزملاؤه كان يعتمد على مراكز نواة متعددة، 19 مركز نواة داخل كابل الألياف الواحد، وهذا النوع الجديد من الكابلات يختلف عن الكابلات القياسية التي تربط منازل العديد من الأشخاص بالإنترنت.
ونظرا لكون أنظمة الألياف القديمة مكلفة من حيث الحفر والاستبدال، يقول فلاديك فوريسياك، من جامعة أستون بالمملكة المتحدة، إن إطالة عمر الألياف مفيد للغاية.
واستطاع فوريسياك وزملاؤه مؤخرا تحقيق سرعات تصل إلى نحو 402 تيرابايت في الثانية من خلال ألياف ضوئية يبلغ طولها 50 كيلومترا تحتوي على نواة واحدة فقط، وهذا أسرع بنحو 5.7 مليون مرة من متوسط اتصال الإنترنت المنزلي في المملكة المتحدة.
ويقول: “أعتقد أنها الأفضل في العالم، ولا نعرف أي نتائج أفضل من تلك”، وتعتمد تقنيتهم على استخدام أطوال موجية للضوء أكثر من المعتاد عند إرسال البيانات عبر خط بصري.
ولتحقيق الهدف استخدم العلماء أشكالا بديلة من المعدات الإلكترونية التي ترسل وتستقبل الإشارات عبر كابلات الألياف الضوئية، بيد أن عمليات التجهيز هذه تعد أسهل في التثبيت مقارنة باستبدال آلاف الكيلومترات من الكابل نفسه.
ويقول مارتن كرينر، المدير العام للرابطة العالمية للإنترنت واسع النطاق، إن الأنشطة التي يطلق عليها “ميتافيرس (ما وراء العالم)” قد تتطلب يوما ما نطاقا تردديا فائقا، وتتوقع رابطته أن تصل سرعة اتصالات الإنترنت المنزلي إلى 50 غيغابايت في الثانية بحلول عام 2030.
بيد أن المصداقية تحتل أهمية أكثر من السرعة بالنسبة لبعض التطبيقات، ويوضح كرينر: “بالنسبة لإجراء جراحات طبية باستخدام الروبوت عن بعد مسافة 3 آلاف ميل… فأنت بالطبع لا ترغب في حدوث أي سيناريو ينطوي على تعطل الشبكة”.
ويضيف أوكونكو أن تطوير الذكاء الاصطناعي سيتطلب بشكل متزايد نقل مجموعات ضخمة من البيانات، ويقول إنه كلما أمكن القيام بذلك بشكل أسرع، كان ذلك أفضل.
ويقول إيان فيليبس، أحد الخبراء الذين يتعاونون مع فوريسياك، إن تحقيق هذه السرعات يتطلب وجود تطبيقات حال توفرها، بمعنى أن “تجد الإنسانية طريقة لاستخدامها”، بحسب تعبيره.
وتقول لين بورديت، محللة الأبحاث في مؤسسة “تيلي جيوغرافي”، وهي شركة أبحاث في سوق الاتصالات، إنه على الرغم من أن سرعات البيتابايت المتعددة في الثانية تتجاوز بكثير ما يحتاجه مستخدمو الإنترنت اليوم، فمن المثير للدهشة سرعة نمو الطلب على كابلات الألياف الضوئية العابرة للمحيط الأطلسي بنحو 30 في المئة على أساس سنوي.
ويذكر أن عرض المحتوى على الإنترنت، عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، والخدمات السحابية، وبث مقاطع الفيديو، يستهلك سرعات أكبر بكثير من ذي قبل، وتقول: “كان يمثل 15 في المئة من السرعة الدولية في أوائل عام 2010، والآن يصل إلى ثلاثة أرباع، 75 في المئة، إنها نسبة هائلة جدا”.
وفي المملكة المتحدة، لا يزال هناك طريق طويل أمام تحسين سرعات الإنترنت، إذ لا يستطيع العديد من الأشخاص الوصول إلى السرعات الفائقة بدرجة كافية في المنزل.
ويقول أندرو كيرناهان، رئيس الشؤون العامة في رابطة مقدمي خدمات الإنترنت، إن معظم مستخدمي الإنترنت المنزلي يمكنهم الآن الوصول إلى سرعات غيغابايت في الثانية.
وعلى الرغم من ذلك فإن نحو ثُلث عملاء السرعات الفائقة فقط يشتركون في هذه التكنولوجيا، ويقول كيرناهان: “لا يوجد تطبيق محدد في الوقت الحالي يتطلب هذه السرعات بالفعل. وقد يتغير هذا الوضع مع تزايد مشاهدة التلفزيون عبر الإنترنت، على سبيل المثال”.
ويضيف: “توجد تحديات بالتأكيد تتمثل في نشر الرسالة ورفع وعي المستخدمين بما يمكنهم عمله بهذه البنية التحتية”.