لماذا لم ترشح الحكومات المغربية مدينة طنجة تراثا عالميا في لوائح “اليونسكو”؟
قال أحمد الطلحي، خبير في العمارة الإسلامية، إن مدينة طنجة تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد المعالم الأثرية المصنفة تراثا وطنيا، بما مجموعه 124 معلمة، متفوقة على مدن مغربية كثيرة.
وأضاف الطلحي، ضمن مقال توصلت به هسبريس، أنه رغم غنى التراث الطبيعي والمعماري لعروس الشمال وتصدرها المدن الأكثر من حيث المعالم الأثرية، إلا أن ذلك لم يشفع لها للحظوة بالتفاتة من مختلف الحكومات المغربية بترشيحها لتصنيفها تراثا عالميا من قبل اليونسكو.
وهذا نص المقال:
سؤال مشروع، لا تطرحه فقط ساكنة المدينة ومثقفوها بل غالبية المختصين في التراث المعماري بالمغرب، وذلك بالنظر لأهمية المدينة التاريخية والمعمارية. فهي أقدم مدينة بالمغرب، عمرها ثلاثة آلاف سنة، وهي المدينة المغربية الوحيدة التي عاشت كل الحقب والمراحل التاريخية التي مر منها المغرب منذ تأسيسها من قبل الفينيقيين إلى الآن، ومعالمها الأثرية شاهدة على كل هذه المراحل التاريخية، وهي كانت العاصمة الدبلوماسية للمغرب لحوالي 135 سنة (من 1777 إلى 1912)، وهي المدينة الوحيدة في العالم التي عرفت احتلالا دوليا حيث كانت تحكمها 9 دول، إلى درجة أن الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين اقترحها في مفاوضات يالطا لتحتضن مقر هيئة الأمم المتحدة.
مدينة طنجة تمتاز بجمالية وغنى تراثها بنوعيه، الطبيعي والمعماري، ومع ذلك لم تحظ بالتفاتة من مختلف الحكومات المغربية بترشيحها لتصنيفها تراثا عالميا من قبل اليونسكو، بالرغم من دينامية مجتمعها المحلي ومثقفيها الذين ظلوا دائما متيقظين لحماية هذا التراث الكبير وبذل الجهود للمحافظة عليه وتصنيفه وطنيا ودوليا، وبالرغم من كون المدينة تحتل الرتبة الأولى وطنيا من حيث عدد المعالم الأثرية المصنفة ضمن التراث الوطني.
التراث الطبيعي لطنجة: تراث متنوع ومتميز
التراث الطبيعي لطنجة تراث متنوع، لأنه يتكون من جميع أنواع التراث الطبيعي: التراث الأخضر والتراث الأزرق والتراث البني (انظر كتابنا: “التراث الطبيعي لطنجة.. تراث متنوع ومتميز”، الصادر سنة 2023). فالمدينة تنتشر فيها غابات حضرية وشبه حضرية وغطاء نباتي متنوع بحيث تعتبر مدينة غابوية بامتياز، وتتوفر على أوساط وموارد مائية مهمة تتمثل في عدد من الأودية والمناطق الرطبة والعيون، وتمتاز بشواطئها الجميلة الممتدة على الواجهتين المتوسطية والأطلسية، وعلى تراث بني متنوع يتجلى أساسا في الشواطئ الصخرية والمغارات.
والتراث الطبيعي لطنجة تراث متميز، لأنه يتميز بحجمه أو جماليته بالمقارنة مع مثيله الوطني والعالمي في بعض عناصره، والمثال الواضح هنا هو خليج طنجة الذي يوصف من قبل الخبراء وطنيا ودوليا من أكبر الخلجان وأجملها. كما يوجد بالمدينة أهم مسار للطيور المهاجرة بين القارتين الأوروبية والإفريقية في محمية رأس سبارطيل.
التراث المعماري لطنجة: تراث متنوع ومتفرد
أهمية تراث مدينة طنجة لا تكمن في حجمه وإنما في تنوعه وفرادته، فالزائر للمدينة يمكنه مشاهدة آثار كل المراحل التاريخية التي مر منها المغرب، ومن الناحية المعمارية نجد النمط الإسلامي والبرتغالي والإسباني والإنجليزي والألماني… ونجد بنايات تاريخية لوظائف متنوعة (المدارس، المستشفيات، القنصليات، الملاعب الرياضية، البنايات الثقافية، البنايات الاقتصادية…).
كما أن تراثها يتميز بالفرادة أو على الأقل بالأسبقية، وذلك أمر مفهوم بالنظر لموقعها الجغرافي المتميز (ملتقى الحضارات) وأهمية مينائها في التجارة الخارجية للمغرب، وبالنظر لقدم وطول الوجود الأجنبي، الذي دام لمدة ثلاثة قرون، من الاحتلال البرتغالي والإنجليزي إلى مرحلة العاصمة الدبلوماسية فمرحلة الاحتلال الدولي.
وتوجد بالمدينة أول قنصلية أمريكية في العالم، وثاني منارة بحرية في إفريقيا هي منارة رأس سبارطيل.
فطنجة يمكن القول إنها كانت أول من عرفت الحداثة، بل كانت بوابة المغرب للحداثة بمفهومها المدني والفكري أيضا، ففيها ظهرت أول مطبعة وأول جريدة وأول شبكة للكهرباء وأول شبكة للإنارة العمومية وأول تلغراف وأول شبكة للهاتف وأول مسرح وأول قاعة سينما وأول مستشفى وأول مختبر طبي وأول مجلس بلدي وأول ناد رياضي وأول جمعية وأول مؤسسة بنكية وأول منارة بحرية… واللائحة طويلة من مجالات السبق التاريخي عن بقية مدن المغرب.
مدينة طنجة كانت على مر العصور مدينة التعايش، فلا نجد حي اليهود أو الملاح كما هو الأمر بالنسبة لمعظم المدن العتيقة المغربية، ونجد بنايات بالعمارة الغربية داخل الأسوار، ونجد الكنائس بنيت داخل الأسوار، بل نجد السلاطين المغاربة هم من كان يمنح الأراضي لبناء الكنائس، ونجد كنيسة بنيت على شكل مسجد بصومعة مغربية الطابع (الكنيسة الانجليكانية)…
وللمزيد من المعطيات انظر كتابنا: “التراث المعماري لطنجة.. تراث متفرد لمدينة عالمية ومتعددة الثقافات”، الصادر سنة 2022 بأربع لغات، العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية.
طنجة أول مدينة في المغرب من حيث عدد المعالم الأثرية المصنفة تراثا وطنيا:
منذ سنوات ومدينة طنجة تحافظ على الرتبة الأولى وطنيا من حيث عدد المعالم الأثرية المرتبة والمقيدة، بما مجموعه 124 معلمة، من عام 1934 إلى غاية 2024، 23 معلمة مرتبة و101 معلمة مقيدة، متبوعة بالدار البيضاء بـ109 معلمات (إلى غاية عام 2018)، بينما كل المدن التي صنفت تراثا عالميا من قبل اليونسكو بعيدة عن هذا العدد، وذلك كما يلي:
الرباط 43 معلمة (إلى غاية عام 2011)
فاس 37 معلمة (إلى غاية عام 2011)
مكناس 37 معلمة (إلى غاية عام 1955)
مراكش 21 معلمة (إلى غاية عام 2017)
الجديدة 15 معلمة (إلى غاية عام 2018)
تطوان 5 معالم (إلى غاية عام 2016)
الصويرة 5 معالم (إلى غاية عام 1956)
والفضل في ذلك يرجع لدينامية الفعاليات المحلية من مسؤولين عموميين ومثقفين ومجتمع مدني وإعلام محلي… ولا بد من الإشادة بالمجتمع المدني المحلي، بحيث بالإضافة إلى مجهوداته المشهودة في الدفاع عن تراث المدينة بنوعيه الطبيعي والثقافي، نجد عددا من الجمعيات المحلية التي قامت مشكورة بمبادرات متعددة لتصنيف عدد من المعالم الأثرية في عداد التراث الوطني.
المبادرات المحلية لتصنيف المدينة تراثا عالميا:
لم يكتف مثقفو مدينة طنجة ومجتمعها المدني باقتراح عدد مهم من المعالم الأثرية لتصنيفها تراثا وطنيا، بل قاموا بعدة محاولات من أجل أن يتم تصنيف المدينة تراثا عالميا من قبل اليونسكو. لكن تبقى، إلى حدود تاريخه، أهم مبادرة لتحقيق هذا المسعى عمليا وبمنهجية علمية، هي الدينامية التي انطلقت سنة 2016 من خلال القيام بالخطوات التالية:
تنظيم ورشتين للتفكير بحضور خبراء من اليونسكو وخبراء دوليين ومؤسسات عمومية وهيئات مدنية مهتمة بالموضوع، في نونبر 2016 وفي ماي 2017.
تحديد المناطق المقترحة للتصنيف، وهي تتكون من: قسم بحري يشمل كامل خليج طنجة والمياه الساحلية الممتدة من رأس مالاباطا إلى مغارة هرقل، وقسم بري يشمل كل المناطق الغابوية والشواطئ ومصبات الأودية والمدينة العتيقة وعدد من الأحياء القديمة.
إعداد القائمة الإرشادية للمدينة، حيث تم الاتفاق على أن يكون عنوانها كالاتي:
“طنجة، بين بحرين وقارتين، مدينة متعددة الثقافات، نموذج فريد للحوار والتعايش”.
لكن بعد هذه المجهودات، لم تقم أية جهة عمومية بإرسال ملف الترشيح إلى وزارة الثقافة المخولة رسميا بإيداعه لدى مكاتب اليونسكو في باريس. فقمت شخصيا بعدد من المحاولات لإرسال الملف إلى الوزارة كما حاولت إقناع المسؤولين فيها بإيداعه لدى اليونسكو، لكن كل محاولاتي باءت بالفشل للأسف الشديد.
في المقابل، قامت الوزارة منذ 1995 إلى عام 2016 بإعداد واقتراح ملفات 12 موقعا أثريا وطبيعيا لإدراجها في قائمة التراث العالمي من قبل اليونسكو، لكن لم يتم قبول هذه الطلبات إلى حد الآن، ويتعلق الأمر بكل من:
الجور (01/07/1995)
كهف تافورالت (01/07/1995)
مسجد تنمل (01/07/1995)
مولاي ادريس زرهون (01/07/1995)
تازة والجامع الكبير (01/07/1995)
مدينة ليكسوس (01/07/1995)
خنيفس لاجون (12/10/1998)
منتزه الداخلة الوطني (12/10/1998)
واحة فجيج (12/10/1998)
منتزه تلسمطان الطبيعي (30/05/1011)
مسبحة واحة تيغمرت بمنطقة واد نون قبل الصحراء(22/07/2016)
منطقة أجكال دراكون رايدر (22/07/2016)
كما أنه تم سحب ملف الدار البيضاء من قبل الحكومة المغربية سنة 2016، بعدما تم إيداعه في فبراير 2014.