الحرب في السودان: كيف يعيش أطفال الجنينة بعد عام من تهجيرهم؟
عندما فرّت حنان من العنف المتصاعد في إقليم دارفور غربي السودان لم تكن تعلم ما الذي سيحدث لمهنتها كمعلمة.
على كلٍ، لم يكن لديها خيار سوى أن تترك حياتها خلفها، بعد أن اجتاحت قوات الدعم السريع مدينتها الجنينة واستهدافوا قبيلة المساليت التي تنتمي إليها، ومارسوا ضدها هجمات انتقامية بدوافع عرقية.
وقالت حنان لبي بي سي: “قبائل عربية وبعض مقاتلي الدعم السريع شنوا هجمات على أحيائنا السكنية وأضرموا النيران في المدينة، كما سمموا مصادر المياه ولم يكن لدينا ما نفعله تجاه ذلك، لم تكن هناك طريقة للخروج من أجل إحضار المياه والطعام، وقضينا حوالي شهرين في هذه الظروف”.
وتنفي قوات الدعم السريع طوال الوقت أي مزاعم عن تورطها في قيادة حملات التطهير العرقي في غرب دارفور.
وفرّت حنان إلى تشاد شرق السودان لتنضم إلى أكثر من نصف مليون سوداني مدني فروا من القتال الدائر بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”.
وقتل أكثر من عشرة آلاف سوداني وفقد حوالي عشرة ملايين شخص آخر منازلهم، مما أسفر عن أسوأ أزمة نزوج بسبب الحرب في التاريخ الحديث، والتي تجاوزت ما حدث من عمليات نزوح في أوكرانيا وسوريا.
ووصلت حنان وأسرتها إلى مخيم أدري، أحد أقدم مخيمات اللاجئين السودانيين في تشاد، لكن زحام المخيم بسبب الأعداد المتزايدة التي توافدت إليه في الفترة الأخيرة دفعهم إلى الرحيل إلى ميتشي.
وتستغرق الرحلة إلى ميتشي حوالي ساعتين بالسيارة في المواسم الجافة عبر الطرق الترابية والرملية، وعبر أراضي صخرية قاحلة، لكن في المواسم المطرة تستغرق الرحلة وقتاً أطول بكثير، إذ تتحول الطرق إلى مستنقعات.
وتمتد صفوف من الأكواخ المتواضعة ذات الأسقف المصنوعة من الصفيح لتوفر مأوى لحوالي 40,000 شخص، كما أن هناك عيادة خارجية، وأسواقاً ومدرسة ابتدائية جديدة في المخيم.
وأسس هذه المدرسة مجلس اللاجئين النرويجي في فبراير/شباط من هذا العام، لتوفر 21 قاعة دراسة وتمنح الأمل بوجود هدف في الحياة لحوالي 1800 تلميذ ومعلم مثل حنان.
ورحبت بنا الأصوات الصاخبة الصادرة من الأطفال أثناء غنائهم في قاعة الدراسة، وهو مبنى مؤقت ذو سقف من الصفيح وجدران من القماش المشمع الممزق.
ويجلس أطفال من أعمار مختلفة على حصير بدلاً من الجلوس على المقاعد والطاولات، غير أن ذلك لم يكبح حماسهم أبداً.
وهنا التقينا بحنان بجوار السبورة، وكلها أمل في أن تمد يد العون إلى الأطفال لتجاوز ما مروا به من رعب الحرب، وفي أن تحمل وعوداً بمستقبل أفضل لبلادها.
وقالت حنان: “أتمنى أن يرتقوا إلى مستويات تعليم أعلى وأن يحصلوا على شهادات مثل درجة البكالوريوس وأن يحكموا البلاد عندما يعودون إلى الوطن”.
وكان الطفل أحمد، 12 سنة، يجلس في الصف الأول، ويردد أغنية لتعلم الحروف الأبجدية.
وفرّت أسرة أحمد من هجوم شنته قوات الدعم السريع وجماعات مسلحة عربية متحالفة معها على مخيم للنازحين في مدينة الجنينة حيث كانوا يعيشون، وهو ما دفعهم إلى طلب اللجوء خارج البلاد.
وقال لنا الفتى: “قضيت سبعة أو ثمانية أشهر بدون تعليم بسبب الحرب، وعندما وصلت إلى هنا في تشاد، ظللت عدة أِشهر أخرى دون الالتحاق بالمدرسة”.
وأضاف: “الآن وجدت مدرسة، وأشعر بسعادة غامرة لأنه أصبح لدي أصدقاء بعد أن ظننت أنه ليس هناك مستقبل”.
فرص غير متكافئة كثيرة
وقالت الأمم المتحدة إن السودان أصبح الآن واحداً من البلدان لتي تعاني من أسوأ أزمات التعليم على مستوى العالم، إذ حُرم 19 مليون طفل من المدارس، من بينهم 6.5 مليون طفل ليس لديهم قدرة على الالتحاق بالمدارس بسبب الصراع.
ورغم نجاح المدرسة الجديدة في مخيمات تشاد، لم يتمكن حوالي 20,000 طفل من الالتحاق بها.
وقال عصام آدم، مسؤول مخيم مجلس اللاجئين النرويجي، إن المجلس عندما “جاء إلى هنا، اكتشف أن هناك أكثر من خمسة مخيمات في حاجة إلى التعليم”، معترفاً أنه لا يزال هناك المزيد من الاحتياجات التي ينبغي تلبيتها حتى يصل التعليم إلى كل طفل.
ولا يزال قمر الدين، الشقيق الأصغر لأحمد، في طابور انتظار الالتحاق بالمدرسة.
وقال، وهو يحاول مقاومة البكاء: “الموقف سيء جداً، ولست سعيداً لأنه بينما التحق أخي بالمدرسة، لم أتمكن أنا من دخولها”.
كما أعرب عن مخاوفه حيال مستقبل يسوده انعدام اليقين.
وشاركته حنان تلك المخاوف حيال مستقبل الأطفال الذين لم يتمكنوا من الحصول على مكان في قاعات الدراسة التي تعمل فيها.
وقالت المعلمة السودانية: “لدينا عدد من الأطفال لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة، والذين يأتون هنا يوميا للتقدم بطلبات الالتحاق، لكن أصبح من الصعب أن يأتي أحد إلى هنا ليدرس، ولذلك نقول: نأسف، لا يمكننا قبول طلبات الالتحاق الخاصة بكم‘”.
وأضافت: “نحتاج إلى من يحل هذه المشكلة، ينبغي أن نزيد أعداد المدارس وقاعات الدراسة، فهناك عدد هائل من الأطفال لا لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدرسة”.
ويتلهف أحمد ووالده إلى العودة إلى اليوم الذي يستطيعون فيه العودة إلى الوطن.
وقال والد أحمد: “لا أريد أن يبقى أولادي هنا، فأملي أن نعود إلى بلدي حتى يتسنى لهم أن يكملوا دراستهم هناك”.
وبينما يستعر القتال في السودان دون أن تظهر في الأفق أي إشارات إلى إمكانية أن إنزال البنادق، لا يمكن تحديد ما إذا كان يمكن للنازحين السودانيين العودة إلى البلاد بأمان.
وبالنسبة لحنان، فيكفيها أن يعود تلاميذها إلى قاعات الدراسة.
وقالت لبي بي سي: “نشعر أننا في مكان آمن الآن”.