التصحر يستدعي استثمار المغرب في البحث التكنولوجي والذكاء الاصطناعي
مازالت ظاهرة التصحر بالمغرب تشكل “موضوع نقاش” سنوي كلّ صيف، بحيث يرشح باحثون دائماً “التهام” هذه الظاهرة الخطيرة، على نحو استراتيجي، المزيد من الأراضي الصالحة للزراعة، نتيجة محدودية التدبير المستدام لهذه “البقع الفلاحية” التي أنهكها الجفاف والحرارة وغيرهما من مشاكل المناخ الكونية.
ويبدو أن استمرار “زحف المناطق الصحراوية على المناطق الرطبة” مازال “معضلة بيئية”، لم تدّخر السلطات الرسمية والعمومية جهودا في التصدي لها. غير أن “واقع التربة” الذي مازال “مقلقا” سنة بعد سنة رغم هذه الجهود، هو ما أعاد المطالب إلى الواجهة، لا سيما بخصوص تسريع استثمار الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في هذا الباب.
ضرورة استراتيجية
مصطفى العيسات، باحث في المناخ والتنمية المستدامة، قال إن تنامي ظاهرة الجفاف ونقص الموارد المائية بالمغرب ينذرُ بحصد التصحر مساحات زراعية جديدة، مؤكداً أن المناطق الجنوبية تعاني منذ سنوات عديدة من هذا المشكل نتيجة التقلبات المناخية والحرائق التي أتت على هكتارات كثيرة عرضت نصيبا غير عادي من التربة للتدهور.
واعتبر العيسات، في تصريح لهسبريس، أن “الأمل لم يفقد في هذه الأراضي، ويمكن تكثيف البحث العلمي لاستصلاحها وفق شروط بيئية جديدة”، مسجلا أهمية استبدال بعض أنواع الزراعات التي تستنزف المياه وخلقت ندرة حادة كان لها دور في تنامي ظاهرة الجفاف وندرة الموارد المائية على مستوى المناطق التي تعرف حدة في بوار الأراضي.
وشدد المتحدث على ضرورة “الانفتاح على البحث التكنولوجي وإدخال الذكاء الاصطناعي إلى هذه المهمة ليكون قادرا على تقديم تجارب دولية نجحت في استصلاح الأراضي انطلاقا من إمكاناتها ومواردها”، مبرزا أن المغرب يواجه هذه التحديات البيئية بدوره، ويتعين أن يلتقطها ليجعل تحرك التصحر محدوداً، خصوصا أمام ضعف الغطاء النباتي والرعي الجائر والاستغلال العشوائي لبعض الأصناف الغابوية.
ولفت الباحث في المناخ والتنمية المستدامة إلى “ضرورة استعمال الموارد المائيّة غير الاعتيادية المتحصلة من مشاريع تحلية مياه البحر لاستصلاح هذه الأراضي، وتشجيع آبار مبتكرة لا تسمح باستنزاف المخزون المائي بشكل عشوائي، وكذلك تأهيل العاملين في القطاع الزّراعي بتكوينات قادرة على أن تفتح أفقهم على تجارب رائدة في الحد من التصحر والحفاظ على الماء”.
تجارب ملهمة
أيوب كرير، باحث في المناخ والتنمية المستدامة رئيس جمعية “أوكسيجين للبيئة والصحة”، قال إن “التصحر الآن صار مشكلا يمكن أن يتم التغلب على آثاره الوخيمة على البيئة من خلال استلهام مجموعة من التجارب، من قبيل التجربة الصينية التي تمكنت من إحياء صحارى كانت قاحلة ميتة”، مسجلا أن “المغرب بحكم انخراطه في الجهود البيئية الكونية يمكن أن ينفتح على تبادل الخبرات مع بلدان رائدة في هذا الموضوع”.
وأورد كرير في تصريح لهسبريس: “أننا في عصر لم يعد ممكنا أن نقول إن هناك صعوبات تحد من قدراتنا في القضاء على التصحر أو أن نعاين جهودا رسمية محدودة؛ لأن الهكتارات التي يلتهمها التصحر ليست عادية، بل إن قدرتها الإنتاجية تكون عالية ومساهمة في الاقتصاد الوطني وحتى في ضبط التوازنات البيئية”.
وشدد الباحث في المناخ والتنمية المستدامة على “ضرورة القضاء كذلك على العوامل المسببة حتى نضمن نجاح مبادرات المعالجة”، مبرزا أنه ثمة “ممارسات سلبية وخطيرة تؤدي إلى التصحر، ولذلك فأي أفكار جديدة واستثمارات تحتاج ابتداء التعاطي معها، مثلاً الضغط الكبير الذي تعرفه الفرشة المائية السطحية والباطنية والعشوائية في تبذير المياه وتكثيف الأدوية الخطيرة على التربة التي تفقرها من مكوناتها وحيويتها، وبعد سنوات تشهد بواراً مخيفاً”.
ودعا الفاعل العمومي والسياسي إلى “تشجير الأراضي القاحلة ما أمكن، فالمهمّة ليست مستحيلة، بل تتطلب جهداً يتماشى مع التغيرات المناخية”، خالصا إلى أن المغرب لا بد أن يقطع أشواطا كبيرة في توفير مساحات غابوية مصطنعة وفضاءات خضراء تشجع الفلاحات المعيشية وغيرها حتى نمنع الهجرات البيئية التي تتسبب في نوع من التفكك الاجتماعي في المناطق التي تعتمد أساسا على الفلاحة كسبيل للعيش”.