الانتخابات الفرنسية: آمال ومخاوف الشباب مع صعود اليمين المتطرف
- Author, سهى إبراهيم
- Role, بي بي سي عربي – لندن
على ركائز برنامج اليمين المتطرف التاريخي مع بعض الإصلاحات، أعلن رئيس حزب التجمع الوطني (RN) في فرنسا جوردان بارديلا الخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي بالحد من الهجرة وإلغاء الجنسية للأطفال الذين ولدوا ونشأوا في فرنسا من آباء أجانب، وحرمان أصحاب الجنسيات المزدوجة من تولي بعض الوظائف، إضافة إلى تبني سياسات لخفض الضرائب والتضخم دعما للطبقة المتوسطة.
وتتوجه فرنسا إلى صناديق الاقتراع لانتخاب جمعية وطنية جديدة، أو مجلس النواب بعد دعوة الرئيس إيمانويل ماكرون لانتخابات مبكرة تجري على جولتين في 30 يونيو/حزيران و7 يوليو/تموز بعد انتصار للحزب اليميني المتطرف في انتخابات الاتحاد الأوروبي.
ويسلط هذا التحول الضوء على اتجاه أوسع يجتاح أوروبا، إذ يري مراقبون أن أحزاب اليمين المتطرف تكتسب المزيد من الشعبية من خلال الاستفادة من السخط العام، والأزمة الاقتصادية بعد جائحة كورونا والحرب الروسية ضد أوكرانيا، والمخاوف بشأن الهجرة والهوية الوطنية وعدم وجود استراتيجية واضحة من جانب الأحزاب المعتدلة.
يقول بيير لويس ريموند، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ليون في فرنسا لبي بي سي إن “التصويت لصالح اليمين قد يبدو مفاجئا للبعض، لكنه في الواقع كان متوقعا بسبب شعور عام لدى فئات عدة في المجتمع الفرنسي بالتهميش من حكومات الأحزاب التقليدية التي يعتبرونها “متواطئة” مع دنيا المال والأعمال إضافة لتنامي المشكلات الاقتصادية والبطالة مما فتح الأبواب لتصاعد الخطاب اليميني “الشعبوي” الذي وجد فرصة ذهبية للتحدث ب “لغة” الشعب.”
لكن داخل فرنسا، يبدو أن الجانب غير المتوقع في هذه الدراما السياسية كان العامل الديموغرافي في قلب هذا التحول – أو الشباب الفرنسي، بعد تصويت 32 في المئة من الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 34 عاما لحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف.
“ملك التيك توك”
بالنسبة إلى لبعض، قد يفتقر رئيس الحزب جوردان بارديلا إلى الخبرة والمؤهلات التقليدية التي يتوقعها الناخبون في الطبقة الحاكمة، لكن يبدو أن السياسي البالغ من العمر 28 عاما، استخدم مهاراته لتوسيع شعبية حزب التجمع الوطني اليميني على وسائل التواصل الاجتماعي فلقّبته الصحافة الفرنسية بـ “ملك التيك توك” لتمتعه بمتابعة غير مسبوقة لسياسي فرنسي.
ببحث بسيط عن الانتخابات على التطبيق الشهير، ستشاهد عشرات من مقاطع الفيديو التي ينشرها من شاركوا في تظاهرات لجماعات حقوقية في مدن فرنسية متفرقة للتحذير من ”تداعيات حكم اليمين على حقوق المرأة والمثليين والأقليات”. يظهر في البحث أيضا مقاطع مصورة عديدة لشبان وشابات يقارنون فيها بين المرشحين ويتحدثون عن البرامج الانتخابية لكل حزب.
تحدثنا مع لوكاس بينولت، أحد متابعي جوردان بارديلا المتحمسين على تيك توك، والذي نشر مقطعا مصورا بعنوان “مثلي وأدعم حزب التجمع الوطني” عن سبب هذا الدعم.
يقول لوكاس “عمري 22 عاما، بدأت في دعم حزب مارين لو بان عندما التحقت بالجامعة في باريس في البداية، عشت لمدة 3 سنوات في أحد أخطر أحياء باريس لأنها كانت المنطقة الوحيدة التي يمكن أن أجد فيها إيجارًا رخيصًا كطالب. أثناء إقامتي، كنت أشعر بخطر من التعبير عن ميولي الجنسية، كما كانت أختي التي تشاركني السكن تتعرض للإهانة في كثير من الأحيان عندما ترتدي ملابس مكشوفة وكان شباب يبدون من المهاجرين ينعتونها ب “العاهرة البيضاء”. شعرت أننا في بلدنا ولا نستطيع أن نفعل ما نريد. لذلك بدأت أفكر أكثر في “التجمع الوطني” لأنه كان الحزب الوحيد الذي يتحدث عن الارتباط بين انعدام الأمن والهجرة.”
“تلميع الصورة”
عبر تطبيق تيك توك أيضاً، نتواصل مع الناشطة الفرنسية سارة العطار، التي ولدت في فرنسا لأبوين مغربيين. تتابع سارة شعبية مرشح الحزب المناهض للهجرة بقلق، وتلوم وسائل الإعلام ووسائل التواصل، لمساهمتهما في “تلميع صورة” اليمين ومرشحيه على حد وصفها.
سارة التي أصبحت وجها مألوفا للبعض في التلفزيون الفرنسي منذ ظهورها في برنامج لمناقشة موقف ماكرون بشأن الحجاب في انتخابات 2022، تقول لبي بي سي عبر تطبيق زووم “إذا استمعت إلى بارديلا عالى تيك توك من دون الانتباه، قد يبدو مقنعا وقريبا من الشباب” وتستطرد، “الأمر نفسه يحدث على شاشات التلفزيون فوجوه وأفكار اليمين المتطرف تدخل الآن كل منزل عبر برامج شهيرة.”
“لم يكن من المعتاد أن يعبر من يتفقون مع أيديولوجية الجبهة الوطنية عن آرائهم بصوت عالٍ لأنه كان من المزعج التعبير عن الأفكار التي يمكن وصفها بالعنصرية والمعادية للمهاجرين علنا، الآن وسائل الإعلام في رأيي (طبّعت) مع ذلك بطريقة ما بإعطاء أصحاب هذه الأفكار منصة مفتوحة.
وتضيف “قد يحظى فيديو بملايين المشاهدات إذا عبر صاحبه عن هذه الآراء علنًا، بعد أن كان ينظر لها من قبل على أنها أفكار بالية.”
“فرنسيون بما فيه الكفاية”
آمبر ميلارد درست العلوم السياسية، وتعتبر صفحتها على تيك توك منصة “لنشر الوعي” بين الشباب الأصغر سنا على المنصة، عبرت لنا عن مخاوف مماثلة قائلة “من لا يعلم تاريخ الحزب الذي نشأ بالأساس على أفكار عنصرية ومعادية للسامية ومناهضة للنساء قد ينخدع بالفعل بخطاب بارديلا فهو صغير السن، يشبهنا، ولا ينتمي لأسرة سياسية أو مالية عريقة، ويتحدث عن المشكلات التي تهمنا”.
وتضيف آمبر أنه من المخيف التفكير بأن هذا الحزب سيكون في السلطة “بالنسبة لمن هم مثلي من مزدوجي العرق، أو السود، أو أصحاب المعتقدات المختلفة، حتى لو حاول إعادة تقديم نفسه بشكل جديد. نحترم الديموقراطية ويجب أن نعطيهم فرصة بالطبع، لكن ذلك لا يمنع أن كثيرون مثلي يتخوفون من أننا قد نستهدف من متعصبين أو ممن يرون أننا لسنا فرنسيين كما يجب.”
وسعى بارديلا المرشح الأوفر حظا لتشكيل الحكومة في حال الفوز، في أكثر من مناسبة وظهور إعلامي لاستخدام ورقة التهدئة، طارحا نفسه في موقع الشخصية القادرة على “جمع الفرنسيين”.
وعن هذه المحاولات، تقول سارة إنها لا تطمئنها أبدا: “نعلم جميعا طبيعة الوعود السياسية٬ لكن في الوقت الحالي لا يمكننا معرفة إذا ما كانت وعودهم ستتحقق أم لا. ما يمكننا مراجعته هو الحقائق بشأن أصوات الحزب في الماضي مقارنة بما يتظاهرون بالدفاع عنه اليوم.”
وتضيف “يزعمون أن لديهم حلولاً للأزمة الاقتصادية، ولكنهم عارضوا في السابق تشريعات الإصلاح الاجتماعي والفجوة في الأجور بين الرجال والنساء، وقانون الحد الأدنى للأجور، لذلك من الصعب حقًا تصديق أن الأشخاص الذين صوتوا في كل مرة ضد العدالة الاجتماعية، والمساواة بين الجنسين سيغيرون هذه الآراء غداً.”
وشهد حزب التجمع الوطني (RN) في فرنسا، المعروف سابقًا باسم الجبهة الوطنية (FN)، تحولات كبيرة على مر السنين لإعادة صياغة نفسه وجذب جمهور أوسع، بما في ذلك الشباب.
وقد تضمنت جهود إعادة تقديم حزب الجبهة الوطنية، تحت قيادة مارين لوبان، مزيجاً من تحديث صورته، وتعديل سياساته، واستخدام المنصات الرقمية للوصول إلى الناخبين الأصغر سناً. وقد ساعد هذا التحول الاستراتيجي الحزب على اكتساب شعبية بين الشباب في فرنسا، حيث قدم نفسه كبديل عملي للمؤسسة السياسية التقليدية.
ويشار للدستور الجمهوري في فرنسا باسم الجمهورية الخامسة التي نشأت عقب انهيار الجمهورية الرابعة لتستبدل الحكومة البرلمانية بنظام شبه رئاسي يقسم السلطات بين رئيس الوزراء كرأس الحكومة والرئيس كرأس الدولة.
ويخشى معارضو اليمين المتطرف من أن تعمل أي حكومة يشكلها التكتل على تقويض الكثير من السياسات الاقتصادية للرئيس – مثل إصلاحات التقاعد والضرائب على الثروة – كذلك متابعة قوانين متشددة بشأن الهجرة في الداخل وربما إخراج الأجندة الفرنسية في بروكسل عن مسارها.
تحديات اجتماعية واقتصادية
بالرغم من تعليق داعمي حزب مارين لوبان لكثير من آمال التغيير على الحزب، فإن صعود اليمين للسلطة لأول مرة في تاريخ فرنسا الحديثة حدث قد لا يخلو من المخاوف بالنسبة لكثيرين من بينهم لوكاس نفسه الذي قال “لدي مخاوف بالطبع لأن الحزب ينتمي لتيار لا يعرف عنه التعامل بود مع مجتمع الميم-عين أو LGBTQ، لكن ذلك لن يسلب الحقوق التي اكتسبناها بالفعل. أعتقد أنه من المهم أن نذكر ذلك لأنه عندما تنظر إلى نواب الحزب، فإن العديد منهم من المثليين مثل جوليان أودول، وجان فيليب تانجوي، وتوماس ميناجي. من ناحية أخرى مارين لوبان بحاجة إلى كل صوت، لذا فلا أعتقد أن تكون مهتمة بإثارة مجتمع المثليين ضدها.”
وتعليقا على التعهدات التي اعتبرها البعض “تمييزية” ضد أقليات أخرى يقول لوكاس إن “الحزب أكد مرارا أن الأمر لا يتعلق بلون البشرة أو أصول الأشخاص، طالما أنهم يحملون الجنسية الفرنسية، فسوف يحتفظون بها ويعاملون على قدم المساواة. ثانيا وقبل كل شيء حزب التجمع الوطني سيشكل حكومة وحدة لذا سيحتاج إلى أغلبية مريحة حتى يتمكن من حرمان أي شخص من الحقوق المكتسبة سابقًا، وسيكون الأمر صعبا للغاية.”
في هذه النقطة، يقول بيير لوي ريمون الأستاذ بجامعة ليون إن “الأزمة هي أن شريحة واسعة من الناس الذين يشعرون بتناغم مع خطاب اليمين، أو الرغبة في تغيير الوضع الحالي لا يفكرون في عواقبه -من ناحية التعهدات المتعلقة بالاقتصاد مثلا فالإجراءات التي ينادي بها الحزب مثل تخفيض ضريبة القيمة المضافة على الطاقة بحوالي 15 بالمئة أو إلغاء قانون إصلاح المعاشات.
معظم الاقتصاديين تقريبا يرون أن هذه الإجراءات ستضع البلد في أصعب ضائقة اقتصادية عرفتها منذ الحرب العالمية الثانية. هذا فضلا عن تعهدات التجمع الوطني بخفض المساهمة الفرنسية في الميزانية الأوروبية، ما يثير مخاوف لفرنسا وأوروبا معا. الشباب الذي يصوت للتجمع الوطني لا يبالي بذلك. ما يراه فقط هو أن التجمع الوطني يملك عصا سحرية وسيحل كل المشاكل على رأسها التوظيف و الأجور وسن التقاعد.”
ويضيف، من يمارس السياسة داخل الحكومة يصطدم بالواقع والكثير من الوعود تذهب في مهب الريح لكن ذلك يمكن معرفته بعد الجولة الثانية من الانتخابات التي قد تحدد مصير ملايين الفرنسيين الآن ولأجيال مقبلة.