هل الديمقراطية الفرنسية في خطر جراء مقامرة ماكرون الانتخابية؟
- Author, هيو سكوفيلد
- Role, بي بي سي
تقترب دولتان متجاورتان من إجراء انتخابات أعلن عنها بصورة مفاجئة، والبلدان لديه حكومات من المتوقع أن تسقط.
في هذه المرحلة فإن كل المحاولات للمقارنة بين الانتخابات البريطانية والفرنسية يجب أن تتوقف. لأنه مهما كانت القضايا المطروحة في انتخابات المملكة المتحدة ــ وهي كثيرة ــ فإنها تتضاءل مقارنة بالمخاطر في فرنسا.
ولا يقتصر الأمر في فرنسا على مصير الحكومة أو الرئيس الذي يلوح في الأفق فحسب، بل أيضاً على النظام السياسي.
والمخاطر لا تكمن في الآمال الخائبة والمهن المحطمة، كما هي الحال في الديمقراطية التي تعمل بسلام، بل في العنف الفعلي.
ويقول المعلق الفرنسي المخضرم نيكولا بافيريز “المواقف مختلفة للغاية”. يضيف: “في المملكة المتحدة، أنت في نهاية الدورة السياسية. وكان من المنطقي تماما أن يدعو ريشي سوناك إلى إجراء انتخابات مبكرة وكل شيء يجري بما يتماشى مع النظام البرلماني في المملكة المتحدة. لكن في فرنسا نقفز إلى المجهول”.
أذهل الرئيس ماكرون الفرنسيين قبل أسبوعين، عندما دعا إلى إجراء تصويت سريع ردا على هزيمته من قبل اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي.
ويبدو أنه تصور أن شن حملة خاطفة من شأنه أن يخيف الناخبين من مغازلتهم للـ”متطرفين”، ويعيد الأغلبية الوسطية إلى الجمعية الوطنية.
لكن وحتى أسبوع من الجولة الأولى، لا شيء يشير إلى أن حساباته كانت صحيحة. إذ لا يزال حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف (RN) يتقدم بفارق كبير في استطلاعات الرأي، والآن هناك تحالف يساري ــ مكونه الرئيسي هو حزب “فرنسا الأبية” اليساري ــ (LFI) يستعد لاحتلال المرتبة الثانية.
والنتائج الأكثر ترجيحاً هي إما أغلبية مطلقة لحزب التجمع الوطني ــ وبالتالي، حكومة يمينية متطرفة ــ أو برلمان معلق يسبب الشلل.
وفي كلتا الحالتين، كما يقول بافيريز، فإن المخاطر ذات ثلاثة أبعاد: أولا، أزمة الديون السيادية الفرنسية، حيث تتحدى الأسواق الحكومة الفرنسية مثلما فعلت مع رئيسة وزراء المملكة المتحدة السابقة ليز تروس. وثانياً، العنف في الشارع الفرنسي، وثالثاً الانهيار المؤسسي.
“صُممت جمهوريتنا الخامسة (نظام الحكم الجمهوري الحالي بموجب دستور عام 1958) لإخراجنا من الأزمات. لكننا في وضع غير مستقر للغاية. ضاع المواطنون لأن الرئيس نفسه ضاع، لذلك قد يكون لدينا تفكك وحشي للمؤسسات”.
كما يدرك الناس في جميع أنحاء فرنسا أن البلاد تقف على مفترق طرق خطير.
عندما دعا ماكرون إلى الانتخابات، اتصلتُ بأطفالي وقلت لهم – أنتم تدركون أننا نعيش لحظة تاريخية،” تقول جولييت فيلجرين، مرشحة حزب آفاق – وهو حزب متحالف مع ماكرون – في منطقة سين ومارن جنوب باريس. “الناس يعلمون أن العنف احتمال وارد، الناس غاضبون ومحبَطون – وهناك سياسيون يدعون للعنف، هناك تلاعب، ولكن هكذا هي الأمور”.
وألمح الرئيس ماكرون نفسه إلى احتمال “حرب أهلية” بقوله، إن هذه هي النتيجة المنطقية لبرامج اليمين المتطرف واليسار المتطرف.
وفُسرت كلمات ماكرون – في بث صوتي يوم الاثنين – على أنها محاولة لإخافة الناخبين، ووفقاً لبافيريز، فهذا خطأ فادح. “إنه من الخطير جداً أن يستخدم ماكرون هذه الكلمة، ويحاول إنقاذ سلطته باستخدام الخوف. في الديمقراطية، عندما تلعب على مخاوف الناس، فإنك تثير الكراهية والعنف”، بحسب قوله.
وقال وزير الداخلية جيرالد دارمانان إن السلطات تعمل على افتراض أنه قد تكون هناك احتجاجات عنيفة في مساء الجولتين الأولى والثانية (30 يونيو/حزيران و7 يوليو/تموز). السيناريو الكابوسي سيكون فوز التجمع الوطني (RN) مما يؤدي إلى دعوات من اليسار المتطرف للتظاهر، والتي تتحول بعد ذلك إلى عنف وينضم إليها أشخاص من أصول مهاجرة من الضواحي.
كما أن حزب اليسار المتطرف (LFI) لديه قاعدة دعم كبيرة في الضواحي، وجعل دعم غزة أحد موضوعات حملته الرئيسية.
سؤال آخر يبدو أن الرئيس لم يأخذه بعين الاعتبار، “كيف يمكن أن يؤثر عدم الاستقرار السياسي على الألعاب الأولمبية، التي تبدأ بعد أقل من ثلاثة أسابيع من التصويت؟”.
وبالنسبة لبافيريز، على الرغم من الاختلافات الكبيرة، هناك تشابه واحد يمكن رسمه بين الانتخابات الفرنسية والبريطانية. “فرنسا تعيش لحظتها الشعبوية”، ويضيف قائلاً: “الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عاشتا لحظتهما قبل عشر سنوات، مع ترامب والبريكست. نجت فرنسا آنذاك بسبب قوة مؤسساتنا، ولكن أيضاً بسبب مظلة اليورو”.
“الانتماء إلى اليورو يعني أن الحكومات هنا يمكنها الاستمرار فيما تفعله دائماً: شراء السلام الاجتماعي بزيادة الديون العامة، الآن انتهى الأمر”.