مناسك الحج: حوادث قاتلة خلال السنوات الماضية لم يكن سببها الحر
أبلغت عدة دول عن وفيات في صفوف حجاجها فاق مجموعهم 1,000 شخص هذا العام إثر تعرض غالبيتهم لضربات شمس.
وكانت وفيات مصر الأعلى بـ 658 حاجا على الأقل، بينهم 630 لا يحملون تصاريح للحج، بحسب وكالة فرانس برس، فيما أعلن الأردن الجمعة ارتفاع عدد وفيات الحجاج من خارج بعثته الرسمية إلى 75، كما أعلنت تونس ارتفاع عدد الوفيات بصفوف الحجاج التونسيين إلى 49، في حين أعلنت دول أخرى وجود وفيات بين حجاجها مثل إيران وباكستان وماليزيا والهند والسودان والعراق والسنغال وإندونيسيا.
وكان المركز الوطني السعودي للأرصاد الجوية، أفاد أن درجة الحرارة المرتفعة بلغت 51.8 درجة مئوية هذا الأسبوع في المسجد الحرام بمكة المكرمة.
وأكدت دراسة سعودية أجرتها جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ونشرت الشهر الماضي، أن درجات الحرارة في المنطقة ترتفع بمقدار 0.4 درجة مئوية كل عقد خلال الأربعين سنة الماضية. وأضافت الدراسة: “في ظل السيناريو الأكثر تطرفاً، يمكن أن ترتفع درجات الحرارة في شبه الجزيرة العربية بمقدار 5.6 درجة مئوية بحلول نهاية القرن”.
وكانت السعودية قد أعلنت إجلاء مئات آلاف الحجاج غير المسجلين من مكة هذا الشهر، ولكن يبدو أن الكثير منهم استطاعوا رغم ذلك المشاركة في المناسك التي بدأت الأسبوع الماضي.
ومن دون تصاريح رسمية، لم يتمكن الحجاج غير المسجلين من الوصول إلى الأماكن المكيفة المخصصة لـ 1.8 مليون حاج مسجلين رسمياً.
تدافع وسقوط رافعة وانهيار فندق
أبلغت دول مختلفة خلال موسم الحج العام الماضي، عن وفاة أكثر من 300 شخص كان معظمهم من الإندونيسيين. وتوفي حجاجٌ العام الماضي أيضاً بسبب الإجهاد الحراري، حيث وصلت درجات الحرارة الى 48 درجة مئوية.
وأشارت دراسة أجرتها مجلة “جيوفيزيكال ريسيرتش ليتيرز” عام 2019، إنه بسبب تغير المناخ، فإن الإجهاد الحراري للحجاج سيتجاوز “عتبة الخطر الشديد” من عام 2047 إلى 2052، ومن عام 2079 إلى 2086.
وشهدت مراسم الحج عدداً من الكوارث المميتة خلال العقود الماضية، اختلفت أسبابها بين التدافع والحرائق إلى هجمات مسلحة.
حصلت أكبر كوارث مراسم الحج على الإطلاق، عام 2015، حين أدى التدافع أثناء شعيرة رمي الجمرات في مشعر منى بالقرب من مكة إلى مقتل ما يصل إلى 2,300 من الحجاج في 24 سبتمبر/أيلول، بحسب حصيلة لوكالة فرانس برس.
وقالت المديرية العامة للدفاع المدني السعودي في ذلك الحين، إن الحادث نتج عن ارتفاع مفاجئ في أعداد الحجاج المتجهين إلى منطقة رمي الجمرات، مما أدى إلى تدافعهم بشكل كبير وسقوط أعداد كبيرة منهم.
وأعلنت دول كثيرة عن وفاة حجاج من مواطنيها، من بينها مصر وإيران والجزائر وكينيا وبنغلادش ونيجيريا والنيجر وتشاد والسنغال.
وأتى ذلك أيضاً بعد وفاة أكثر من 100 شخص وإصابة مئات آخرين، بينهم الكثير من الأجانب، عندما سقطت رافعة ضخمة في المسجد الحرام كانت تستخدم في أعمال توسعة الحرم، بسبب الطقس العاصف في مكة، قبل أقل من أسبوعين من انطلاق مناسك الحج.
وفي العام 2006، توفي نحو 364 حاجاً إثر تدافع حصل يوم 12 يناير/كانون الثاني أثناء شعيرة رمي الجمرات. وكان من بينهم حجاج من الصين وإيران والجزائر والأردن.
وأتى ذلك أيضاً بعد كارثة أخرى حصلت قبل أسبوع حينها، بعدما انهار فندق في وسط المدينة، مما أدى الى وفاة 76 شخصاً.
وفي العام 2005، سحق ثلاثة حجاج حتى الموت في تدافع يوم 22 يناير/كانون الثاني أثناء شعيرة رمي الجمرات.
وتوفي 251 حاجاً عام 2004، بعد تدافع كبير قرب جسر رمي الجمرات في الأول من فبراير/شباط.
وفي العام 1998، قتل أكثر من 118 شخصاً وأصيب 180 آخرين في حادث تدافع في منى يوم 9 أبريل/نيسان.
وقبل ذلك بأربع سنوات وفي المكان نفسه، أدى تدافع آخر إلى مقتل 270 شخصاً يوم 24 مايو/أيار 1994. وأشارت السلطات حينها إلى أن “الأعداد القياسية” من الحجاج كانت السبب وراء الحادث.
وفي العام 1990، حصل تدافع كبير داخل نفق المعيصم بحسب وكالة رويترز، إثر تدافع حاد يوم 2 يوليو/تموز، وأدى إلى وفاة 1426 حاجاً وكان معظمهم من إندونيسيا وتركيا.
نشوب حرائق
اندلعت أيضاً على مر السنين، حوادث حريق قاتلة في مخيمات الحجاج، كان أبرزها عام 1997 بعدما اندلع حريق بسبب موقد غاز في مخيم إيواء الحجاج في منطقة منى، مما أسفر عن وفاة 343 شخصاً وإصابة حوالي 1500 آخرين.
وتوفي ثلاثة حجاج وأصيب 99 آخرين عام 1995، في حريق آخر في خيم الحجاج في منى.
وفي العام 1975، شب حريق هائل بسبب انفجار موقد غاز يستخدم للطهي في مخيم للحجاج بالقرب من مكة، أدى إلى وفاة 200 شخص.
حوادث مفتعلة
لم تسلم مراسم الحج أيضاً من الكوارث القاتلة المفتعلة، إذ أدى هجوم مزدوج على مشارف المسجد الحرام عام 1989 الى مقتل شخص واحد وجرح 16 آخرين. واتُهم 16 كويتياً بتنفيذ الاعتداء بعد أسابيع وتم إعدامهم.
وفي العام 1987، واجهت قوات الأمن السعودية تظاهرة غير مصرح بها نفذها الحجاج الإيرانيين، ومات حينها في أحداث العنف 402 حاجاً بينهم 275 إيرانياً بحسب حصيلة رسمية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1979، تحصن مئات من المسلحين المعارضين للعائلة المالكة السعودية، بحسب وصف وكالة فرانس برس، لمدة أسبوعين في المسجد الحرام بمكة المكرمة محتجزين عشرات الحجاج كرهائن. تمت مهاجمتهم في الرابع من كانون الأول/ديسمبر بعد انتهاء موسم الحج وخلّف القتال 153 قتيلاً و560 جريحاً، بحسب الوكالة.
خطر الأعوام المقبلة
نشرت السعودية عام 2016، استراتيجية متعلقة بحماية الحجاج من الحرارة، تضمنت بناء مناطق مظللة وإنشاء نقاط لمياه الشرب كل 500 متر وتحسين القدرة المحلية لتقديم الرعاية الصحية.
وكانت السلطات الصحية السعودية قد نبّهت الحجاج هذا العام، لضرورة شرب المياه بكثرة وتجنب الخروج في الهواء الطلق بين الساعة 11 صباحاً و3 من بعد الظهر، بتوقيت مكة.
ونقلت وكالة رويترز عن علماء قولهم إن خطوة رش المياه كطريقة للتخفيف من شدة الحر، تكون فعالة فقط عند درجات حرارة أقل من 35 درجة مئوية. إلا أنه وفي حال كانت درجات الحرارة مرتفعة للغاية، فيمكن أن يتسبب رش الماء بنتيجة عكسية، ويزيد من المخاطر مع الرطوبة العالية.
وتحدث ضربة الشمس عندما يفقد الجسم قدرة التحكم في درجة حرارته.
إذ ترتفع درجة حرارة الجسم بسرعة وتفشل آلية التعرق في تبريده لإعادته الى حرارته الطبيعية. وعند حدوث ضربة الشمس، يمكن أن ترتفع درجة حرارة الجسم إلى أكثر من 41 درجة مئوية خلال 10 إلى 15 دقيقة، بحسب المركز الأمريكي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها.
ويمكن أن تسبب ضربة الشمس بالموت أو بإعاقة دائمة إذا لم يتلق الشخص العلاج المناسب بشكل طارئ.
وتشمل أعراض ضربة الشمس الارتباك وتلعثم الكلام وتغير الحالة العقلية وفقدان الوعي والتسبب بغيبوبة.
وتعتبر فئات معينة من الأشخاص أكثر عرضة للإصابة بضربة شمس أو بالإنهاك الحراري وهم كبار السن والأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم.