هل تعيد قوى “اليمين المتطرف” الأجواء المتوترة إلى العلاقات المغربية الفرنسية؟
تتحدث الصحافة الفرنسية عن أن صعود اليمين المتطرف من شأنه أن يعيد العلاقات المغربية الفرنسية إلى مسار متوتر، في حين يستبعد خبراء مغاربة الأمر.
وفي هذا الإطار تحدث إدريس لكريني، الخبير في العلاقات الدولية، عن ثلاث ملاحظات يجب أخذها بعين الاعتبار، قائلا ضمن تصريح لهسبريس إن “الملاحظة الأولى هي أن العلاقات المغربية الفرنسية، وخصوصا في الآونة الأخيرة، لم تكن في اتجاه واحد، أي في اتجاه سليم يروم التطور”.
وتابع لكريني: “هذه العلاقات شهدت فتورا وجمودا، رغم عدم وجود نخب يمينية تتحكم في القرار الرسمي الفرنسي، وبالتالي فالحديث عن أي تدهور أو تراجع في ظل التطورات الجارية الآن في المشهد الفرنسي ربما يحمل قدرا كبيرا من المبالغة”.
أما الملاحظة الثانية التي تحدث عنها المحلل ذاته فهي أن “تمدد اليمين المتطرف لا يهم فرنسا على وجه الخصوص”، مردفا: “اليوم وصل اليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي إلى جهازه التشريعي الذي هو البرلمان الأوروبي، واكتسح خلال السنوات الأخيرة المشهد السياسي لعدد من الدول الأوروبية، بما يوحي بإمكانية وجود تحولات على مستوى التوجهات الداخلية والخارجية الأوروبية، خصوصا إذا استحضرنا مواقف هذا اليمين من قضايا الهجرة، ومن قضايا الإصلاحات الفلاحية الأخيرة في أوروبا، ومن الاتحاد الأوروبي نفسه”.
وأضاف الخبير ذاته: “اليوم الكثير من النخب اليمينية تشكك في أهمية هذا الاتحاد، وتتبنى مواقف نوعا ما سلبية تطرح أكثر من إشكال في ما يتعلق بمستقبله”.
أما الملاحظة الثالثة، بحسب لكريني، فهي أن “السياسة الخارجية تبنى في جزء كبير منها على المصالح، ولا أعتقد أن أي طرف سياسي كيفما كان، يمينا أو يسارا، في فرنسا كما في أي بلد آخر، يمكنه أن يتبنى مواقف راديكالية في زمن العولمة وفي زمن الالتزامات الدولية، خصوصا مع وجود مجموعة من المصالح التي تحدد السياسة الخارجية للدول، وخصوصا إذا استحضرنا أن فرنسا دفعت ثمنا كبيرا في الآونة الأخيرة، وفقدت الكثير من بريقها ومن تواجدها داخل إفريقيا نتيجة بعض المواقف التي لا تخلو من تشدد ومن غياب أي إستراتيجية”.
وواصل المتحدث نفسه: “من هذا المنطلق أعتقد أن هناك ثوابت في العلاقات الدولية، وأن هناك مصالح تحدد مسارات هذه العلاقات، ومن ضمنها العلاقات المغربية الفرنسية المؤطرة بمجموعة من الاتفاقيات ومجموعة من المصالح الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية، التي أعتقد أن اليمين واليسار واعيان بأهميتها وواثقان كذلك في إستراتيجيتها، خصوصا أن المغرب نفسه يملك الكثير من المقومات ومن النقاط التي يمكن أن يضغط من خلالها على فرنسا. وكلها عوامل تجعلنا لا نبالغ في رسم معالم سياسة خارجية فرنسية ثورية أو مبالغ فيها مع هذه التحولات”.
وأردف لكريني: “أعتقد أن محك التدبير هو محك تؤطره الكثير من الثوابت والضوابط، على عكس الخطابات التي تأتي في سياق المعارضة أو في سياق حملات انتخابية غالبا ما تحكمها الاندفاعية والرغبة في الحصول على مقاعد عدة، وتحكمها كذلك بعض مظاهر الحماس”.
من جانبه قال رشيد لزرق، رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والابحاث وتقييم السياسات العمومية، إن “السياسية الخارجية هي من اختصاص رئيس الجمهورية؛ فبموجب الدستور الفرنسي فإن وزارة الخارجية من الوزارات السيادية التي تدار بمنطق الدولة”.
وتابع لزرق ضمن تصريح لهسبريس: “بالتالي فإن تأثير الحكومة يبقى محدودا على مستوى رسم السياسية الخارجية للدولة الفرنسية وتأثيرها يبقى هامشيا”؛ أما عن العلاقات المغربية الفرنسية فأورد: “وصول اليمين الفرنسي إلى الحكومة يمكن أن يشكل دفعة للعلاقات المغربية الفرنسية، خاصة أن المغرب ينتظر من فرنسا أن تتحلى بوضوح بعيد عن المنطق الرمادي تجاه قضيته الأولى، وهي قضية الوحدة الترابية، يقوم على اعترافها بشكل واضح لا لبس فيه بسيادة البلد على أقاليمه الجنوبية”.
وأكد المتحدث ذاته أن “العلاقات المغربية الفرنسية هي بالنسبة لفرنسا الآن ذات أهمية كبرى، بالنظر إلى تراجع النفوذ الفرنسي بإفريقيا، وفي ظل التحولات الجيو-سياسية؛ الأمر الذي يجعل المغرب الآن بوابتها نحو إفريقيا، بالنظر إلى مصالحها الإستراتيجية العليا، وهي من أعمال الدولة العميقة بعيدا عن تأثير المشهد السياسي والتباينات الحزبية في الحكومة”.